من أين تأتي القيادات الحزبية الكوردية؟. الجزء الثاني
لربما ستظهر التالي كتناقض لسابق القول، لكننا سندرجها كجدلية مقارنة، وسنحاول عرض أسبابها للإنصاف، وهي أن القيادات الحزبية، بل ومجمل الشريحة السياسية الكوردية، منذ البدايات وعلى مدى عقود طويلة وحتى اللحظة، رغم وطنيتها وحرصها على القضية، لم تصل إلى سوية حمل مسؤولية القضية الكوردستانية، وظلت عاجزة من إيصالها إلى المحافل الدولية، ولم تتمكن من خلق هيئة دبلوماسية، ولا من تطوير، ذاتها أو الحراك الكوردي؛ ولم تتمكن من إنقاذ نفسها والأحزاب من الإملاءات الخارجية، إلى جانب غيرها من الإخفاقات مقابل القليل من النجاح، واليوم يأمل الشارع الكوردي من قيادات طرفين حزبيين، أن لا يدرجا ما يتم حاليا من المفاوضات ضمن قائمة فشل الأحزاب وقياداتها.
جميعنا يعلم أن الظروف والعوامل التي أوصلت بشعبنا إلى هذا الواقع المرعب والمستقبل الضبابي، وحيث القوى المتربصة بنا، وعدم قدرتنا اليوم التحاور مع القوتين العظميين أمريكا وروسيا بهيئة تمثل الشعب الكوردي، كانت على خلفية العامل الخارجي أولا، والذاتي حيث تفرد القيادات الحزبية بعقد لقاءات ضحلة مع القوى الكبرى الذين فتحوا لهم الأبواب ولم يعرفوا كيف يولجوها، فلم ترقى يوما لجانهم إلى مستوى الحوارات، ولم تكن يوما على مستوى ثقل الأمة الكوردية؛ حتى في هذه السنوات التي برز فيها الاسم الكوردي، وهي التي أدت لأن يعاملوننا كأدوات جاهزة للطلب، رغم أننا وهم يدركون أن الحراك الكوردي الأكثر ثقة من بين كل القوى الممكنة التحالف معهم.
توضحت جوانب من هذه الجدلية بشكل جلي، من مواقفهم السلبية في السنوات الماضية عن النشاطات التي كانت تتم من قبل المجلس الوطني الكوردستاني في أمريكا، ورغم ما كنا ننشره سابقا، وما تم من قبل الشريحة الثقافية، ببيانات متنوعة الصيغ، وما نوهنا إليها مرارا أن الهيئات الخارجية يجب أن تمثل الشعب وليس حزب ما، تبين اليوم صحة ما كنا ندعوهم إليه ولم نكن نتلقى سوى التهجم غير المباشر، من خلال ما نشره مستشار الأمن القومي المقال من إدارة ترمب، (جان بولتن) المعلومات الحساسة عن موقف الرئيس دونالد ترمب وعدد من الشخصيات المهمة في إدارته عنا نحن الكورد كشعب وقضية، وعلاقاته الشخصية مع أردوغان، والتي سهلت لموقفه ذاك إلى جانب مصالحه الشخصية، تشتت اللجان المرسلة إلى الخارج، ووعيها مثل وعي قيادات الأحزاب التي لم تكن على مستوى المسؤولية، أدت إلى تخليه المفاجئ عن شعبنا ومنطقتنا لصالح الإدارة التركية، الموقف والتكتيك الذي لو لم يتعرض للنقد من ضمن إدارته لكانت كارثية على شعبنا، وموقفهم ذاك كان على خلفية التضحيات وسنوات القتال معاً، وتبينت ومن على الإعلام الأمريكي، على أنها لا تعكس الإستراتيجية الأمريكية الإيجابية مع الكورد ولا الرأي العام للشارع الأمريكي عن الكورد، الذين يقيموننا على أننا حلفاءهم وقدمنا الكثير للقضاء على الإرهاب.
فكتاب جان بولتن (الغرفة التي شهدت الأحداث) والذي سينشر بشكل رسمي في يوم الثلاثاء القادم، دفعتنا لنلح بمطلبنا التالي، من الأحزاب السياسية المتفاوضة، في حال الاتفاق المتوقع نجاحه على خلفية الرعاية الأمريكية: بعرض مطالب سياسية على طاولة المباحثات مع المسؤولين الأمريكيين عن الملف السوري (جيمس جيفري ووليام روباك) بالمنطق الدبلوماسي، ويتم الاتفاق عليها بشكل رسمي، خاصة وهما يمثلان القوة الحاضنة اليوم لمجريات التفاوض بين الطرفين الحزبيين، وقد يكون في هذا المطلب نوع من الطوباوية؛ على خلفية المقارنة بين الجهتين، نحن الكورد كأداة بيد القوى الكبرى، وفي حال تخليهم عنا سيكون من السهل للقوى الإقليمية التحكم بنا، وما نملكه اليوم وبشكل عام معظمها بمعية الإمبراطورية الأمريكية، مع ذلك لا بد من أن يكون هناك القليل من الثقة بالذات الكوردية التي استندوا عليها لتمرير أجنداتهم ومصالحهم في المنطقة.
قد يتساءل البعض، هل من المناسب وفي هذه المرحلة، طرح مثل هذه المواضيع، حيث التفاوض على اشده، والقوة المتربصة بنا تنشر البيانات العنصرية، وبلغة دونية، فكما ذكرنا، ومن خلال معرفتنا الشخصية للبعض من قيادات الأحزاب، وطنيون، مثلهم مثل أي كوردي نزيه، لكننا لا نخفي شكوكنا وشكوك الشارع الكوردي في ضعف إمكانياتهم على تجاوز المرحلة بالفترة المطلوبة منهم إنجاز الاتفاق، والتي كثيراً ما يتم التغطية عليها بمنطق متطلبات الظروف والمرحلة، وعليه لا بد من محاورتهم أو لنقل تقديم المشورة، مع تقديمهم للمساءلة في حال التلكؤ، ودعمهم بنقد بناء، تصحيحا لمسارات الحوار المتجاوزة أحيانا المنطق السياسي، ومن ثم تنوير الطريق لا تعتيمه والطعن فيهم مسبقا، وفي الوقت ذاته لا بد من تعديل المعادلات الخاطئة المنتشرة بين أطراف الحراك الكردي، وتوعية القيادات، وتوسيع مداركهم، فلا ناقصة في توسيع المعرفة، مثلما لا رهبة من تصعيد النقد إلى حد التهجم لهدف التنوير.
لا شك أن القيادات الحزبية، هم من أبناء الشعب المعاني من ويلات الأنظمة الدكتاتورية، ومظالم المربعات الأمنية وإملاءاتهم، معظمهم يطمحون لخدمة قضيتهم، لكنهم كثيرا ما يخرجونها قضية مطعونة فيها، ويتناولونها بإدراك مكلوم، ومعرفة غير متكاملة، نقولها كنقد لا يمكن التغاضي عنه، علما أن معظم قياديي الأحزاب في مراحل التحرر يتوجب عليهم الكثير من المعرفة، ولكن جلهم لم يكونوا على السوية المطلوبة، وكما وردت في كلمة لتجمع الملاحظين أصبحوا “أولياء منتدبون من قبل الغير” (نتحدث عن الحاضر جدلا، فهي تشمل الكل منذ التأسيس إلى اللحظة) مع ذلك علينا ألا ننسى أنهم من بين أفراد المجتمع الأكثر مراقبة وتعرضا للضغوطات من قبل الشعب وحراكه الثقافي؛ والسلطة معاً، فمن الجهة الأولى تلقوا النقد اللاذع، ومن الثانية الأوامر وفرض تنفيذ الأجندات.
عاشوا ما بين المواجهة والإذعان، وفي الحالتين كانوا أمام خيارين، أيام كانت المربعات الأمنية لها هيبتها، إما التخلي عن المسؤولية؛ أو تقبل الأمر الواقع، وللذة المستقاة من المركز، كقيادي، مهما كان هزيلاً، كانوا يتقبلون الرضوخ لهيمنة السلطة، ولا يلغى شعور البعض بأنه يملك القدرة على تقديم خدمات لشعبه؛ فضحى بالكثير من أجلها (وهنا لا نذكر الأسماء بل نتركها لتقييم القارئ) وتم تسيير الأحزاب الكردية تحت الشروط والمواصفات التي فرضت عليهم، مثلما لبست لبعضهم مركز القيادة، إلى أن أصبح تسمية الأحزاب الكوردية، بـ (أحزاب الأمر الواقع) جدلية قابلة للقبول، وجميعنا يعلم أن مناهجها وطلباتها كانت تمر تحت فلتر الأنظمة، وتنشر على سوية كافية لامتصاص رغبات المجتمع، ونحن هنا لا نتحدث عن شروط تكوينها وخلفيات انشطاراتها، بل عن الذين تولوا المسؤولية وكانوا على علم بما هم فيه؛ وقادمون عليه، ويعرفون الدروب التي المفروضة عليهم سلكها إلى المربعات الأمنية، وعليه كانوا في حيزين متناقضين، إما كانوا مضحين بذاتهم أو حزبيون انتهازيون.
الجدلية العفنة أتقنتها السلطات المحتلة لكردستان، صرفت عليها أموال طائلة، وطبقتها وعلى مدى عقود طويلة، ليس فقط مع القيادات الحزبية (المنتدبة) والمثقفون المميزون، لتشويه سمعتهم، وحصر قدرات الحراك الكوردي، بل مع كل فرد كوردي ولد بخاصية متقدمة أو إبداعية، ومع شخصيات سياسية أبدوا كاريزما ناجحة بين المجتمع، تم إما احتضانهم أو محاولة تقزيمهم أو تصفيتهم أو تشويههم في السجون، ولا نظن أنه كان هناك استثناء، لذلك معظم الذين أردوا العمل باستقلالية منهجية إما هربوا من جغرافية المربعات الأمنية، أو اختفوا عن الأنظار، والحالة الأخيرة كانت قصيرة المدى، فظل الهروب إلى خارج الوطن أنسب الطرق، وللأسف نادرا ما تم تطبيقه في المراحل الماضية، من قبل قيادات الحراك الكوردي الحزبي، تحت منطق لا بديل عن العمل ضمن المجتمع وللمجتمع، ولا شك هذه كانت لها إيجابياتها ولكنه كانت مكلفة، وبالتالي ظهرت الهجرة كأحد الحلول المؤلمة، فيما بعد، مع استثناءات لهذا المنطق، فحاول بعضهم العمل من الخارج وللأسف كانت نشاطاتهم هزيلة؛ لعوامل عدة منها:
1- ضعف أو ضحالة الاتصالات في تلك المراحل الزمنية، ومعها غياب الإعلام الكوردي كلياً.
2- وقلة الجالية الكردية في الخارج، وشح الإمكانيات الاقتصادية.
3- ضعف أو لربما انعدام العلاقات الدبلوماسية الكوردية مع الدول الأجنبية، والتي كانت للدول المحتلة لكوردستان الدور الكبير في التعتيم على القضية الكوردستانية.
4- تحفيز المربعات الأمنية لشريحة من الداخل لمهاجمة كل من كان ينشط في الخارج، إلى درجة تم الطعن في وطنيتهم لمجرد وجودهم في المهجر…
يتبع…
التعليقات مغلقة.