المجلس الوطني الكوردي في سوريا

نقد البناء التنظيمي  (ما بعد تأسيس التنظيم الكوردي في سوريا)

139

 

مع صعود الموجة الناصرية ومعها عقيدة البعث القومية، وتنامي الصراع العربي الإسرائيلي ومعه أطالس الخرائط المقدّسة بحروبها المتعدّدة والمشوبة بانكساراتٍ، كلّ هذه أثّرت في منهجية بعضٍ ممّن لا يزالون يعتبرون أنفسهم من سدنة أو حراس معبد القومية العربية والوطن العربي ، وفي سلخٍ لأحقية غيرهم إنْ في الوجود ، لا بل والحقّ في نمطية التفكير الحرّ و من ثم حتى مجرّد الحلم في تقرير المصير ، و / شخصياً / لا أستغرب ظاهرة الزعم في وجود توجّهاتٍ ترى في شخوصها أوصياء على المنهج العروبي لا العربي وأناسٍ من طراز هيثم المالح وغيره ، بقدر حسرتي على ما نتلقْفه نحن من مواقفهم ونبني عليها مساندين في زيف حقوقنا ومخيالية مطالبنا غير الواقعية – حسب زعمهم – ؟!

 

وعليه فإنها لم تكن الصدفة – مطلقاً – هي العامل الرئيس ، ولا المرض بوهنه الدافع لهذه الأسطر ، بقدر ماهي التراكمات التي فرضت حضورها الذهني عليّ وذلك لأسبابٍ عائلية – ربّما – كون الوالد رحمه الله كان منخرطاً بكليته في العمل السياسي ومن ثم اعتقاله مع أول دفعة وكان أصغر المعتقلين سناً ، وبعد خروجه مع رفاقه من المعتقل ، تحوّل بيتنا وحتى محلنا للأقمشة في ديريك إلى أشبه ما يكون بصالونٍ سياسي ، ومحطة نقاش وتبادل اخبار إنْ عن الثورة الكُردية في كُردستان العراق بقيادة الزعيم التاريخي مصطفى البارزاني ، أو حالة الحركة / الحزب السياسي الكوردي ودخوله مرحلة الغيبوبة – الموت السريري ، وبالتالي حالات التشظّي الفظيعة ومعها ظهور مرحلة البدعة السياسية والحقوقية وأهمها مصطلح الأكثريّة والأقليّة ووو ! وبالفعل غاب التنظيم وإنْ كانت حلقياتها قد تجذّرت ، ولكنّ السؤال الأهمّ هنا سيبقى هو والتي – أراها فعلاً – كصفعةٍ نقديةٍ لنا جميعاً وعلينا أن نناقشها ، والتي أحدّدها – كوجهة نظرٍ – في محورين تراكبا سويةً ، إنْ لم نقل بأنهما كقرصين ممغنطين أدمِجا سويةً وتحت عنوانٍ صريح وإنْ وضِعت في درجٍ مفتاحه بقي يتحكّم به يدٌ عميقة ، وبعيداً عن – memkê mino – الحزازير – ، وبعد كلّ هذه السنين ؟ أو ليس من حقّنا وكمراجعةٍ نقدية في تاريخ الحركة السياسية الكوردية التساؤل وبجديةٍ ؟ لماذا أوجِدت العطالة السياسية ( التنظيمية ) مع نشاط ودفق كلّ المخططات التي استهدفت القضية الكوردية ( حزمة الإحصاء والاستيلاء والخط العاشر ) مروراً إلى الدفع والتشجيع القوي في نقل وإخراج القضية الكوردية من البلدين ( العربيين ) ؟ . وبقيت فعلاً تلك العطالة رغم فراق – انشقاق – انطلاقة اليسار الكوردي اواسط الستينيات والذي ووجه بتيار معارضةٍ التزمت باستنكافٍ تنظيمي؟

 

ورغم أنّ هذا المقال هو ليس بسردٍ تاريخي للحركة والتي – بكلّ تواضعٍ – قد دلوت فيها بمقالاتٍ عديدة ، إلا أنّ حوادث عديدة حصلت في سنين ١٩٦٦ الى ١٩٦٩ ومع بدء النظام البعثي في تطبيق إصلاحه الزراعي المزعوم وإنشاء دوائر خاصة في منطقة ديريك والبدء بالاستيلاء العملي على الاراضي والبدء بحراثة تلك الأراضي ، وما تمّ من استهدافٍ شكلي لجرارات مزارع الدولة في عدة قرى – ريحانيك ، قديريك – في ديريك وكان قد سبقها حملة اعتقالات واسعة في محافظة الحسكة لوجهاء وقادة رأي و مجتمع كورديين ، وباختصارٍ فقد مُرّر الجزء الأكبر من مخطّطات التعريب بعطالةٍ سياسية كبيرة ، هذه العطالة التي اخذت – ومن جديدٍ – دفقاً أقوى، مع متواليات انقلاب حافظ وفي سعيٍ ممنهج لتسويق أنموذجه الطائفي ، فقدّم الكورد أضحيةً – لوليمته – كعربونٍ عروبي من جهةٍ وطائفي مذهبي وليراكم أبشع عطالةٍ شهدتها الحركة السياسية الكوردية في مرحلة التنفيذ الفعلي لكلّ الممارسات العنصرية والتي تمّت – للأسف – على أنقاض انقسام البارتي رغم اعتقال سكرتيره الراحل دهام ميرو وأعضاء بارزين من قيادته وكوادره ، وكذلك انقسام اليسار ، هاتين الكتلتين كانتا الأكثر تشظياً ، وكان قد مضىت سنين عديدة حينما شهد الحزب الديمقراطي التقدّمي الكوردي بقيادة الراحل حميد حاج درويش أول تصدّعاته ، ومن الطبيعي وكشاهد عيانٍ على تلك المرحلة نتذكّر جيداً خارطة المنحنيات وجداول البيانات والاستقطابات المستهدفة كانت أصلاً لتشتيت كلّ فعاليةٍ نضالية حقيقية ، هذا الامر الذي استمرّ بالرغم من بعض التوجّهات الصادقة والتي سعت لإيجاد صيغٍ أخرى ! إلا أنها استُهدِفت بقوةٍ وبحملات اعتقالات ٍ فظيعة وليتكرّر ذات المشهد وصولاً إلى انتفاضة قامشلو سنة ٢٠٠٤ والتي دفعت بالنظام لإعادة أو تفعيل وتحديث مخططاته ، والحركة أيضاً في محاولة إعادة التواصل مع شارعها ، وباختصارٍ شديد ، هناك جملة من الأسئلة تستوجب بالدرجة الأولى وقفة مع الذات ، ومواجهة ترتقي إلى مصارحةٍ حقيقية وأيضاً مع الذات فنتساءل وبكلّ بساطةٍ:

 

ماذا قدّمنا ؟ والتي يتوجّب استبدالها في الفعل السياسي الكوردي بماذا عملنا وانتجنا؟

 

هل سنتجرّأ في العودة ولو بقراءةٍ سطحية إلى بدايات سنة 1963 والعطالةالحزبية التي حدثت والتي – شخصياً – أعتبرها كحالة انقسامٍ وحيدة – صحية والتي استحقّت – كأضعف إيمانٍ – على أرضية كثيرٍ من الخلافات مسّت حينها و انخرطت في جوهر البناء السياسي للحزب الأول بمفهومه وايضاً موقفه ورؤيته السياسية ، وبالضرورة – في هكذا حالاتٍ – حينما تتلاقى الأفكار من حقوق ثقافية .. اجتماعية .. وحتى مهنية إلى قضايا الشعب ، الأقلية ، إلحاق ، ضمّ جزء ومن جديد بالمفاهيم القومية فتتداخل الطروحات و تُبنى المواقف أيضاً على تلك الأسس ، ولتمتزج المفاهيم ما بين الهمّين الوطني والقومي والانحيازيات المبطنة أصلاً بقناعٍ شكلاني كلزومٍ للبروباغندا حينها يفترض – جدلاً – أن يكون السؤال الأهمّ : كيف لحزبٍ يقوده في بداية تأسيسه ( مع تقديري لكلّ القادة ودرجات ثقافاتهم لأنه ثبت فعلاً بأنّ الكاريزما ليست فقط هي في قصِّ ولصق الكلمات ) دكتور في علم الإجتماع ومن. ثم نفيه مباشرةً بعد خروجه من المعتقل و .. تهافت المتهافتين على مفاهيم الأقلية والقومية وعلى أرضيتها مررواً توطين السلمونيين و ليستكملها حافظ أسد ويطبّق ما عجز تطبيقه امين الحافظ وصلاح جديد؟

 

وباختصار ؟ هناك سؤال يضجّ في ذهني ويتكرّر بعد كلّ عملية انشقاقٍ ، خاصةً ونحن كنا جنودها البسطاء ؟ .. لماذا خفيت فينا وعنا الذاتويات ؟ ولماذا نظلّ دائماً نتحمّل وزر التقيات التي وبالتأكيد نحن من يصنعها ! لتلك التقيات؟!

 

وبالتأكيد سانتظر بذاتي ولذاتي عساني أصيغ او أكوّن . جوابا لسؤالٍ قمعه كثيرون في باطنياتهم ! فهل سيستطيع أيٌّ من معاصري تلك المرحلة من فتح باب القمقم ليطلّ علينا مارده يحثّ بقية المردة إلى الانكشاف ؟ أقلّه ليصل إلى الأجيال القادمة بعض من دسم الحقيقة التأريخية لحركتنا بدلاً من سمّها ؟ و : لنستكشف – كمجرد تصورات قد تصيب او تخطىء أيضاً – وأعني به جواب السؤال التالي : لماذا نفي المناضلان د . نورالدين زازا و أوصمان صبري ؟ وحرما من دخول مناطقنا ؟ وأمر آخر ؟ لماذا يغيب للآن حقيقة تسريب معتقلي الستينيات لوثيقتين كتبتا بخط د. نورالدين زازا وتم.ّ الكشف – الإعلان عن واحدة فقط ؟.. مجرّد تساؤلات تهمّ تاريخ الحركة وقادتها جميعاً.

 

يقول الكاتب خالد غزال في جريدة الحياة عدد ١٨٣٢٦ تاريخ ٧ _ ٦ _ ٢٠١٣ ص ١٠ / . . في العلاقة الوثيقة الناشئة بين العنف والمقدّس تتدخّل الحقيقة التي تحتكرها كلْ فئةٍ وترى أنّ خطابها هو الصحيح فيما الباطل هو من نصيب الآخرين.

 

أهمّ نتائج إحتكار الحقيقة هو رمي الآخرين بالتكفير والتخوين والهرطقة بما يسمح بإهراق الدم في سبيل هذه الحقيقة . هكذا يحدّد مثلث الحقيقة _ المقدّس _ العنف مسار العلاقة التي تتحكّم بين الطوائف و المذاهب . . / مقاله بعنوان : منع الفتنة المذهبية بتعميقها.

 

التعليقات مغلقة.