الحلقة المخفية بين قناة أورينت والبعث..
من المنطقي أن يتناول الإعلام السوري أخبار كل القوى السياسية واتفاقياتهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية، ومن بينهم القوى الكوردية، كلاعب رئيس في تحديد مستقبل الوطن، بعدما ضحت الكثير من أجله؛ رغم الحقد والتهميش المتعمد ليس فقط من قبل القوى الإقليمية بل من أبناء الوطن؛ الذين يقدمون ذاتهم معارضة؛ دون أن نأتي على ذكر السلطة لأن مواقفها التاريخية العنصرية من الشعب الكوردي وقضيتهم أكثر من معروفة. كما ومن المنطقي لأية جهة إعلامية البحث في علاقات الكورد الدولية، وما يقدمونه من خدمات إيجابية أو سلبية، وعرضه على محاور النقاش والتحليل، إن كان من بعد معرفي أو تقييم لمدى خدمته للشعب والوطن، كما ويحق للمكون العربي مناقشة العرض الكوردي حول إقامة نظام سوري فيدرالي لامركزي، كاقتراح نابع عن بعد رؤية؛ وعمق معرفة؛ وقناعة على أنه الأنسب لإنقاذ سوريا وشعوبها من الدمار والتقسيم الواضح أشكاله على الساحة الجغرافية.
لكن أن يبث الإعلام العربي السوري، وبينهم قناة أورينت مع أقنية النظام، ومعها شلة انتهازية من المعارضة، وبشكل كيدي عن الشعب الكوردي وحراكه برامج عنصرية، تبين مدى خيانتهم للوطن، لأنها:
1- خالية من المصداقية، وبلغة مليئة بالكراهية، ضد الشعب الكوردي وتتغاضى بالمقابل عن فساد المعارضة وبشائع منظماتها المسلحة ليس فقط في عفرين وكري سبي وسري كانيه بل في إدلب وسابقا في الغوطة الشرقية ومناطق أخرى، وتتناسى تقسيمهم الجاري والمخزي لسوريا.
2- تبحث في العلاقات الكوردية مع القوى الكبرى والتي هي من حقها على خلفية الأعداء المتربصين بهم، وتعرضها كخيانة وطنية، وتغطي على بيع المعارضة لجزء واسع من جغرافية سوريا الوطن وبحفنة من الدولارات لتركيا، وتغمص عيونها عن العلم التركي المرفرف على ربع جغرافية سوريا، تضعهم في خانة الإجرام بحق الوطن.
3- تهاجم جلسات التفاوض الكوردي-الكوردي، المؤدي، فيما إذا نجحت، إلى خلق تفاهم بين طرفين من أطراف الحرك الكوردي والذي يكمن فيه مصلحة سوريا كوطن، وتقوية حماية مليوني ملتجئ عربي تحتضنهم المنطقة الكوردية، وتتكتم بالمقابل ما هدروه من كرامة السوريين في المؤتمرات العديدة المباعة فيها ربع الوطن، وكيف عرضوهم سلعة رخيصة تتحكم بهم قوى إقليمية؛ أصبحوا عراب مصيرهم: يقررون متى يجب أن يهاجروا من الوطن ومتى يتجهوا نحو أوروبا، ومتى يجب تجنيد شبابنا السوري في حروبهم كمرتزقة لقوى ليبية من أجل شحنات من النفط.
هل ياترى هذه هي مهنة الإعلام الوطني النزيه، وهل هذا ما كان يحلم به المواطن السوري؟
أليس التخلي عن تعرية السلطة وأسقاط النظام، والتفرد بمهاجمة الشعب الكوردي، خيانة وطنية وانحطاط خلقي؟
أليس من حق الشعوب السورية محاكمة القائمون على الإعلام الفاسد، وفي مقدمتهم صاحب قناة أورينت وثلة من طاقمه، مثلما يجب محاسبة النظام الإجرامي وقادة المعارضة والمنظمات التكفيرية؟
للأسف في الوقت الذي توقع الكورد من قناة أورينت تطوير علاقاتها الوطنية، بعدما خصصت قسما للغة الكوردية، انصدموا بعكسه، على خلفية تبيان حقيقة حقد مسؤولي القناة على الشعب الكوردي. ولا نعلم فيما إذا كانوا قد انحرفوا عن مسارهم الوطني الذي بينوه للكورد، وفضلوا الخط القومي العربي، وهذا من حقهم، أم أنهم غطوا بتلك الشراكة الوطنية الناقصة ثقافتهم العنصرية؟
تحْتَ مصطلح الدفاع عن الكورد، والذي بدأنا نقرف منه، المستخدم من قبل كل من يحاول الطعن في قضيتنا، تهاجم قناة أورينت على الحراك الكوردي، وتتهمهم بأبشع ما يمكن تصوره وبلغة سوقية، ولم يتبين بعد فيما أذا كانوا يبثون هذه المفاهيم عن قناعة أو تحت إملاءات خارجية، لكنهم وضحوا قبل يومين وفي البرنامج الخاص عن التفاهمات البدائية بين طرفيين كرديين، وما سبقتها ولمرات عدة، أنهم يبثون إعلام سوري فاسد، وعرف في الوسط العربي قبل الكوردي كقناة موبوءة، فمعظم نشراتها الإخبارية وحواراتها، تزيد من ثقافة الحقد والكراهية التي خلقها البعث على مدى أكثر من نصف قرن بين المجتمع السوري، ومنذ البدايات التي برزت فيها كصوت للمعارضة السورية، نشرت أكاذيب وتلفيقات لا تقل عما بثته جميع المربعات الأمنية ومراكز أعلام البعث على مدى ست عقود، وما خلقته من الشرخ بين الشعب الكوردي والعربي، تجاوزت معظم الإعلام العربي الفاسد وعلى مستوى الوطن العربي، كالجزيرة وبعض القنوات العراقية الحاقدة على الكورد، وبهذا بينت وكأنها الوجه الأخر للإعلام البعثي، الذين تنقصهم القليل من أخلاقيات المهنة.
الشعوب السورية ضحت بالكثير من أجل تغيير النظام، وإحلال البديل المناسب، آملاً تقديره كإنسان، تحت خيمة ثقافة ديمقراطية، ينهض على أسسها أبناءهم وأحفادهم بعزة وشرف وكرامة، ويشعرون أمام الأمم الأخرى بإنسانيتهم، لكن وللأسف ما فعلته المعارضة وما نشرته إعلامها من مفاهيم الكراهية، أصبح العديد من السوريين يحسدون ماض النظام المجرم على حاضرهم، خاصة بعدما ظهرت على العلن فساد الشريحة السياسية والفصائل العسكرية وبذاءة بثهم الإعلامي، وسوادهم يتدرج ما بين بيع الوطن على مفترق الطرق الإقليمية، وسرقة الملايين من المساعدات الدولية المرسلة للمهاجرين والمشردين ضمن الوطن.
لا خلاف على أن نتاج ثقافة البعث والأسدين وعلى مدى العقود المظلمة المتسلطة عليها إدارات الظلام، كان كالوباء بين المجتمع، ماتت على خلفيتها الإنسانية في الوطن، لكن وبعد السنوات التسع من الصراع، أنتجت المعارضة فكرا أظلم وإعلام أفسد منه، يضيفون فسادا على ثقافة نظام الأسد العنصري بين المجتمع، ولكن بلباس أخر. ولعدم قدرتهم التحرر من الصور النمطية التي غرزتها فيهم البعث، ومنها عن الشعب الكوردي، تخرج الأفكار أظلم وأكثر دونية، فكريا وأخلاقيا، فتدمير الوطن سهل جدا، بعكس بناءه، وتبنيهم لهذه الأفكار تهدم ولا تعمر.
فبرنامج تلفزيوني من قناة كقناة أورينت، بإمكانها أن تصدع علاقات وطنية مبنية على مدى عقود، وتخلق صراعا مقيتا بين شعبين، أو طائفتين، وللأسف، فبدلا من أن تكون صوت الشعب والثورة، والوطنية الصادقة، أصبحت عرابة أخطر البرامج العنصرية بين الشعبين الكوردي والعربي، تنشر ما لم تتمكن إعلام النظام من عرضه، بل ويقال إن السلطة كثيرا ما تراجعت عن بعض قضاياها ضد الشعب الكوردي؛ لأن إعلام المعارضة، وفي مقدمتهم أورينت، تكفلت بها، فتؤدي واجبها على أكمل وجه ضد الشعب الكوردي والمكونات السورية المذهبية غير السنية، وخير مثال تغطيتهم على جرائم المنظمات المعارضة وبحماية تركية، ضد أهلنا في عفرين وخاصة مع أبناء الديانة الإيزيدية. وكواجب وطني وإنساني كان عليهم أن يخصصوا حلقة يومية عن الجرائم التي تحدث في المناطق المحتلة تركيا.
لكن بالعكس يسخر طاقم أورينت ساعات من عملهم على نشر مفهوم ساذج، مطعون فيه كرديا، وهو أن أطراف الحراك الكوردي بتفاهمهم يتجهون نحو تقسيم سوريا، في الوقت الذي بدأ البعث يضع البديل عنه، لأنه تأكد من غباءه في هذه الإشكالية المردودة عليهم، مع ذلك لا تزال المعارضة الفاسدة متمسكة بالمنطق البعثي المتدني وطنيا، وفي الواقع الجميع يرى وعلى أرض الواقع كيف هم يقسمون سوريا وتحت مسوغات هزيلة، وبينهم من باعوا جزء من الوطن إلى تركيا، والقسم الأخر لإيران، والكورد هم الوحيدون المدافعون عن وحدتها تحت منطق الفيدرالية واللامركزية، علما أن طرحنا المنطقي هذا سينقذ البقية الباقية من أرض سوريا المنهوبة من قبل الدول الإقليمية، وهو الحل الوحيد لإنقاذ الشعوب والمكونات السورية من الصراعات الدموية، وسيخلق الشعور بالأمان، وهذا ما لا يستوعبه الفكر التكفيري العروبي الجامد.
التعليقات مغلقة.