المجلس الوطني الكوردي في سوريا

قواعد تفاوض المجلس الكوردي مع الإدارة الذاتية والشراكة المرتقبة

153

يبدوا أنَّ اختيار المجلس الوطني الكوردي لاسم حزب الإتحاد الديمقراطي عنواناً للتفاوض ، على أساس إنه يمثل كورد سوريا ، من مجموع تشكيلات منظومة ب.ك.ك التي تتحكم بمفاصل القرار بالشراكة والتوازي مع مؤسسات نظام الأسد في غرب كوردستان ، باستثناء الجهد العسكري مع التحالف الأمريكي في بعض مناطق شرق الفرات ، جاء متوافقاً ظاهرياً لإبعاد هواجسه وتخوفاته من انعكاس مفاعيل هذا القرار على تحالفاته مع المعارضة السورية بشكل عام وتلك التابعة لتركيا بشكل خاص، والمتمثلة بالائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة ولكنه تغافل بوعي أو دونه عن قدرة هذا الحزب في اتخاذ قرار الشراكة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ، سياسياً وإدارياً وعسكرياً ، دون الرجوع إلى مرجعيته التنظيمية والروحية .

لهذا لا بدَّ من إتباع جملة من قواعد التفاوض الأساسية ، لزوم إنجاز مشروع الشراكة المرتقبة في الواقع الفعلي بضمان جديَّة تعاطي التحالف الدولي الذي يقوده الأمريكان حول إدارة ملف مناطق شرق الفرات وقد تبدو هذه القواعد فائته لأوانها ولكنها بالتأكيد ستكون من أساسيات التفاوض الناجح حيث تختفي في حالتنا هذه ، المهارات الفردية بمقدار ما لتبادل مهارات الطرفين من تكامل في الخروج بنتائج من شأنه دفع قضيتنا القومية كشعب له خصوصيته الثقافية ، نحو الاتجاه الصحيح ضمن مسارات الأزمة السورية العامة .
قاعدة التسليم بالأمر الواقع :
الانطلاق من هذه القاعدة في كل جولة ، ستوفر المزيد من الجهد للطرفين فيما يتعلق بما هو كائن فعلاً على الأرض وفي الواقع وليس لِما كان أو أَنْ يكون ، لأن معيار الزمن الفعلي وليس الماضي أو الافتراضي سيقود الطرفان إلى رؤية مشتركة ، بأن ما فات ليس في وارد استرجاعه ، بل من الممكن الحد من تأثير مفاعيله وما يأتي من الممكن الاتفاق على تصورات مساره وتحديد معالمه ، من خلال التزام الطرفين بتنفيذه وفقاً لعقد الشراكة و هوامش بنوده ، ومن المفيد أن ينظر الطرفان إلى بعضهم البعض كما هما ، وفق مرجعيتهما الفكرية ومن حيث المفهوم السياسي الخاص بهما وأَنْ لا ينتظر الطرفان تغيّراً جوهرياً في تلك المفاهيم بمقدار ما سيحدثه الاتفاق نوعاً من التبدلات في السلوك والتصرف ، لهذا فإن التباينات في المفاهيم والرؤى قد تعزز أصل الشراكة التي هي قائمة في الأساس على الاختلاف وليس على التماهي الشكلي الظاهري في إطار نصوص الاتفاق بل في تمازج الرؤيا الواعية الآنية والموقف الصائب من كل مسألة تعترض تفعيل الشراكة وتطويرها .
ترتيب الأولويات وفق القواسم المشتركة أو المسائل التي من شأنه تقوية موقف الطرفين ، من خلال استثمار عامل الوقت وإيجاد تصريف للحاجات الملحة وخاصة ما يتعلق بمعيشة الناس اليومية وشؤونهم الإدارية ونحن نقترب من تنفيذ قانون (سيزر) في 17/ حزيران ـ يونيو/ الجاري ، لحل المسائل الأكثر أهمية من خلال الضغط على أصحاب القرار الفعلي للجانبين بمساعدة الضامنين .
قاعدة بناء الثقة :
صحيح إن الحاجز النفسي بدأ بالانحسار بعد الإعلان عن التوافق بخصوص الرؤية السياسية ( اتفاق سياسي) حسب تصريحات الطرفين ، لكنه لم ينكسر أو ينهار ولم يرتقي لبناء الثقة ، والاتفاق السياسي بلا شك يأتي لصالح إشراك حزب الإتحاد الديمقراطي في أعمال هيئة التفاوض واللجنة الدستورية وفقاً لمبدأ وحدة الصف الكوردي وهذا محل تفاؤل وإنجاز لا بد منه لتشكيل وفد موحَّد و تمثيل خاص للشعب الكوردي في سوريا ، يحظى باعتراف أممي و بدعم دولي وخاصة راعيا الاتفاق الأمريكان والفرنسيين ، فالمجلس في هذا الاتفاق ، قد تخلى عن ترتيب الأولويات التي كانت مدرجة في اتفاقات هولير 1و2 وكذلك اتفاق دهوك ، ويعتبر هذا الموقف مرونة سياسية وحسن نية وتقدير للمصلحة العليا لشعب غرب كوردستان ، على أمل إنجاز الملفات الأخرى .
تشكيل الوفود ودرجة التمثيل :
تشكيل وفد المجلس من(سكرتيري الأحزاب) في الأمانة العامة يعطي انطباع لطرف وفد الإتحاد الديمقراطي ، بأن هؤلاء يملكون كل أوراق التفاوض ويضعون على الطاولة ما في سلتهم كلها ، لأنهم لم يبقوا لأنفسهم مرجعية ويعود السبب في ذلك إلى الاستئثار المطلق بالقرار و قد يقول قائل وهو صائب في قوله بان مرجعية المجلس في (هولير) ، لكن باعتقادي لن تقف (هولير) في وجه إي تقارب كوردي في حده الأدنى ، لأن مصلحة إقليم كوردستان كنقطة ارتكاز و كنواة مركزية للمشروع القومي تكمن في التكامل بين أجزاء كوردستان وفقاً للظرف الدولي الداعم والمساعد ، على عكس انطباع وفد المجلس الذين يرون في وفد حزب الإتحاد الديمقراطي بأنهم لا يملكون اتخاذ القرار دون الرجوع إلى مرجعياتهم السياسية والعسكرية ، لهذا فإن مساحة المناورة لدى وفد الإتحاد الديمقراطي أوسع بكثير ، إضافة إلى أَنَّ وفد المجلس وانطلاقاً من هذا التصور الحقيقي سيقلصون مطالبهم للحد الأدنى حتى لا تقابل بالرفض من أصحاب القرار الفعليين في منظومة ب.ك.ك وهم بذلك سيساهمون بدون وعي إلى تأليب مجموعات أخرى من شركائهم في المجلس أو خارجه ضد أي اتفاق لا يراعي التناسب العكسي في تمثيل كل طرف لجماهير شعب غرب كوردستان ويجب أن لا يغيب عن البال ، الدفع المعنوي المتمثل في تواصل رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني مع الجنرال مظلوم عبدي ، حسب ما هو متداول في الإعلام .
تجاوز آثار الاتفاقات السابقة بين النظام و الإدارة الذاتية : قد يُخيّم على المشهد تأثير الاتفاقات مع النظام فيما يتعلق بالحدود الدولية والمعابر وكذلك ما يتعلق بإيرادات النفط والغاز تحديداً في حقول رميلان والسويدية ، لأنه لم تزل الشراكة قائمة و يتوقف ذلك حتماً على الموقف السياسي من النظام الذي أصبح يتقاطع قرباً من الطرفين قياساً بالتباعد مع أطراف المعارضة السورية السياسية والعسكرية و الذي يستشف من الاتفاق السياسي بأنه تمهيد للحوار مع النظام ، بالتوازي مع يطرأ من مستجدات فيما يتعلق باللجنة الدستورية والمفاوضات السورية ـ السورية وفق مرجعية جنيف وقرار مجلس الأمن (2254ـ 20/12/2015 )الذي يعتمده كل الأطراف المؤثرة في القضية السورية وكذلك بالنسبة للاتفاقات السابقة بين الطرفين (إتفاق هولير1 في تموز/ 2012 وتشكيل الهيئة الكوردية العليا واتفاق هولير2 في كانون1/2013 واتفاقية دهوك في ت1/2014 مع (حركة المجتمع الديمقراطي. تى ف ـ ده م) ، التي أغفلت الموقف من نظام الأسد ، والتي كانت تشكل في حينه جزء من هشاشة الموقف بالنسبة للمجلس الكوردي على اعتبار أن الطرف الآخر كان حينه جزءاً من معادلة النظام بالنسبة للصراع المسلح في سورية .
أما الجانب المالي المتعلق بتعويض المجلس (حسب التسريبات) اي ما يتعلق بالضرائب و إيرادات المعابر والغاز والبترول ، فلن يشكل عائق بذات الأهمية بالنسبة للجانب الأمني والعسكري ، الذي أصبح أكثر تعقيداً بسبب توسيع روسيا لدائرة تواجد قواتها في الجزيرة وبمحاذاة الحدود الدولية وبالتوافق مع تركيا بعد احتلال سرى كانيه /رأس العين وكرى سبي/تل أبيض وما تقوم به دورياتهم مؤخراً بالاقتراب من ضفاف دجلة شمالاً وحدود إقليم كوردستان شرقاً قد يزيد من تعقيدات الوضع الميداني للأطراف الفاعلة على الأرض ، وهي قوات (قسد) التي يعوَّل عليها الأمريكان في حربهم ضد الإرهاب ، سواء مع يتعلق بتعقب فلول (داعش) ومراقبة بيئاته الحاضنة أو حماية حقول النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور ومنع الروس والنظام وداعش من الاستيلاء عليها ، وهم لا يخفون سراً في تصريحاتهم بأن ( قسد) تشكل لهم الحليف المحلي المعتمد على الأرض ، في الوقت ذاته لا تبدوا في الأفق إستراتيجية معلنة بالنسبة لاستمرار تواجدهم في المنطقة ، بل أن التكييف الذي يمارسونه سواء ما يتعلق بمزاحمة القوات الروسية لهم أو الاحتلال التركي لمناطق غرب كوردستان وعدم التعرض لمؤسسات النظام بما فيها الأمنية والعسكرية في الجزيرة ، في مقابل تدريب قوات محلية عشائرية عربية في بلدة (الشدادي) لإضفاء الصبغة القومية للمكان والمكوِّن فيما يتعلق بكل منطقة ، في مسعى منها لتحميل مسؤولية الأمن لأبناء المنطقة و لتخيف العبء على قواته ، مقابل السخاء المالي من الأطراف الفاعلة على الأرض لجميع الميليشيات والتي أصبحت بأغلبيتها بحكم طول الأزمة ترضخ لمن يدفع أكثر ، حتى أصبح الارتزاق مرادفاً لحمل السلاح ،لأغلبية القوى المسلحة على الساحة السورية وفي الساحات الأخرى التي يتصارع فيها الدول ذاتها .
البيشمركة :
يختلف قوة بيشمركة كورد سوريا من حيث العنوان والعقيدة القتالية والمرجعية التاريخية المَبنية على القدسية الثورية لإرث شعب كوردستان في نضاله المستمر كحركة تحرر وطني منذ ما يقارب قرناً من الزمن ، يحظى بعلامة فارقة وساطعة في ضمير الشعب الكوردي وبِمهابة وعَظَمة في نظر أعداءه وكذلك من حيث التراتيبية العسكرية الحالية ، عن القوى الأخرى المسلحة في غرب كوردستان وسوريا في إطار ( قسد) ، لهذا من الصعب دمجها تحت إمرة أية قوة أخرى ، إن لم تراعى خصوصيتها العسكرية التي هي أقرب إلى الجيوش النظامية ، ولا يمكن تصور جهد عسكري مشترك بين قوات (قسد) وبيشمركة (روج) دون طرف ضامن ثالث وهم الأمريكان وتحالفهم الدولي في غرفة عمليات مشتركة وهيئة أركان ، تؤسس لجيش مهني يتحدد مهمته الدفاع عن الإنسان في غرب كوردستان ، ضد كافة أشكال الإرهاب و العنف والاستبداد ، لتشكيل نواة جيش عامل يرتقي بالتشكيلات المسلحة الحالية من ميليشيات عشائرية ودينية ومذهبية و مشاعية ، إلى حامي ديار العيش المشترك بين كافة المكونات ، في ظل الحرية والسلام لسوريا ، تعددية ، لا مركزية ، فيدرالية .

التعليقات مغلقة.