نمطية المؤدلج والديني سورياً..
في نظرة سريعة إلى واقع الأزمة السورية ومآلاتها وما وصلت إليها، إن في مفردات الصراع عليها أو في صراعها البنيوي ، وكنتيجة طبيعية لما وصلت اليه الأمور في المنطقة خاصة ما يتم من خطوات في التدرج الطبيعي صوب مرحلة الانكشافات الحقيقية ولكنها لم تكن قط مفاجئة ، خاصة أنها تمت بمنهجية واضحة وأنشطة علنية وتحت راية وصورة رأس النظام نفسه والأهم في المهم هنا : انكشاف الخطوات العملية والتي كانت من اهم مخرجات اللقاء الثلاثي الإسرائيلي والروسي والأمريكي والذي عقد في – إسرائيل – قبل حوالي سنة ، ذلك الانكشاف الذي كان كأهم نتيجة للإستهداف الإسرائيلي عسكرياً لإيران ومجموعاتها والتي سعت وعلى مرحلتين الأولى تدميري وإلحاق أكبر خسائر ممكنة كتكلفة باهظة تزيد من الأعباء الباهظة لحكومة الملالي في إيران ، والمرحلة الثانية يبدو أن ظروفها باتت موائمة ومعها تحولت استهدافات – إسرائيل – للقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها لدفعها إلى الخروج من سوريا كل ذلك ووفق متوالية التباعد المجتمعي الكوروني ، اصبحت هذه المهمة كأولوية واستحقاق اسرائيلي اولا ، وان تشابكت مع قضايا أخرى ، اهمها البعد الإيراني الداخلي وتقهقر اقتصادها وتراجع ميزانيتها تحت ثقل العقوبات الدولية وايضا تعدد وثقل صراع الأجنحة داخل نظامها ، يضاف الى كل ذلك ، الضربات الموجعة بكلفتها التي تصيبها وحلفائها الذين باتوا عبئا حقيقيا عليها وبالتالي استهداف تلك الاجنحة في بقاع عديدة من العالم – الضربات العسكرية المتتالية لجماعاتها في سوريا ، وتطويق أنشطة المجموعات الموالية لها مثل حزب الله في العالم – . هذه الأمور والتي لم تغب عنها صدى لتحركات سياسية وان تباطأت بسبب وباء كورونا ، وتشابكات اخرى عديدة كانت ولم تزل من المهمات الرئيسة التي تتطلبها ترتيبات إعادة إحياء الخطوات الأممية في معالجة وإيجاد حل سلمي للأزمة السورية ، وفي نظرة مبسطة على مجمل العلاقات البينية للتوجهات والأطر المحوطة داخل خارطة سوريا سايكس بيكو ، المعارضة منها والمنخرطة في العمليات العسكرية والمتشابكة منها في هيكليات وعمليات عسكرية تتجاوز الوضع السوري لصالح أجندات دول مجاورة أو لقضايا أيديولوجية وايضا متشابكة في الأساس وكخدمة لمحاور دول قديمة ، فتدفع بنا من جديد اليها ذات المسألة واعني بها المسألة الشرقية ، ولكن ؟ وفي الواقع الحالي وبرغم أزمة كورونا والجهود. العالمية المتركزة على هذا الجانب كاولوية بشرية قصوى ، وعلى الرغم من مآلات الخرائط ومناطق النفوذ المتحركة كالكثبان الرملية ووضوح انه لا منتصر مطلقا في هذه المعركة ، لابل ان جميعهم خاسرون ، إلا ان نزعة تحويل الانتكاسات في مختلف الصعد بوهم متقصد الى انتصارات مزعومة وبحجة رفع المعنويات وترسيخ القناعات وفولذتها بدعوى تعليبها ولغرض المشاعية القطيعية وعليها تحويل منغصات ومخوني الأمس وبلمسة مباركة تطهر نفوسهم وتعيدهم الى ( بيت الطاعة ) تحت بند وحدة الصفوف والممارسات والمواقف و .. بركات متكتكة !! هذه الغايات المبطنة تثبت بلا ادنى شك مدى سرطنة الجمود العقائدي والذي يسلب ويدمر النمو والتطور الفكري وأيضا مبدأ وحدة وصراع الأضداد ، لابل يفككها من جهة – كما مخلوف والأسد – أو يدفعها للتقارب – مثل محاولات التقارب بين اتحاد ديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي – .
أن أشد ما يغيظ ويؤلم في مثل هذه المحطات ، هو عودة بعض التوجهات في اللعب على الوقت وهو يحمل في كفيه نار كنابالم محرق ، وعلى تلك الأرضية يراوغ ويزاود ، ويرتكز من جديد على مزاودات يستثمرها إن لإرث أو قضية عادلة لا يلبث أن يستخدمها كطعم يستهدف بها تدمير ذات القضية ، وحين الإنكشاف وكمناورة يبتغي منها في البداية كسبا للوقت لتهدئة وترويض القطيع من جهة ، ولمزيد من المناورة في سعي لمحاولة العودة كلاعب لا كصاحب قضية ، وطوال ذلك الوقت تبقى من اولوياته وكقضية رئيسية ، ايجاد مشجب لترمى عليها كل الخطايا ، ومعها تفرز كل البنيويات المتشاركة في العمق كأيديولوجيا – تقدمية عصرية ! – او سلفية دينية ! ورغم التناقض الفظيع بينهما إلا ان التوحد يجمعهما حيث يخون الاول مختلفه الآخر والثاني يكفره . ومع سرعة الانكشافات وكنوع استئثاري لجذب عاطفية القطيع ، وللتحوط من انهيارات محققة ، تلتجئ هذه التوجهات الى ممارسات يذكرها وبتوصيف دقيق المفكر اللبناني علي حرب ( … قد لا يجدر جلد الذات ، نحن إزاء إشكالية تخصّ الفاعل البشري عموما ، كما يتجلى ذلك في شكل خاص ، لدى أصحاب المشاريع الثورية والجذرية لتغيير العالم تحت هذا الشعار أو ذاك . فالملاحظ أن الإنسان لا يتحكم بأعماله وصنائعه وانظمته التي تتعداه وتفلت من سيطرته ، لكي تفاجئه بمفاعيلها وتداعياتها السلبية المدمّرة ، وهكذا ، فنحن نريد التغيير ولكن العالم يتغير بعكس ما نفكّر فيه أو نسعى إليه ، بل أن حل المشكلات يولد اليوم مشكلات أكثر تعقيدا أو خطورة . كيف نفسّر هذه الإشكاليات المربكة والمفارقات الفاضحة ؟ هناك كتاب عرب وغربيون يقاربون المسائل من خلال فلسفة التاريخ .. وعلى رأسها مقولة هيغل / مكر التاريخ / فالفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه يلجأ الى استعارة المكر والسخرية لكي يفسر كيف أن أصحاب المشاريع الشمولية / النازية والفاشية والستالينية / ممن أرادوا بناء مجتمعات على أساس العلم قد جرّتهم الأحداث الى عكس ما خططوا له بقدر ما جرت من غير علمهم وضد إرادتهم .. ) ويضيف علي حرب ( … غير أن استعارة ـ المكر ـ الجذابة ولكن الخادعة تحجب وتموه أكثر مما تشرح وتفسّر ، إذ هي وكما يفهمونها تبنى على تأليه التاريخ ، بالتعامل معه كذات قاصدة تراقب من علياءها ، البشر كي تحاكمهم وتنتقم منهم كما ينتقم الله من عبيده الذين كذبوا بآياته ، وهؤلاء هم الوجه الآخر للذين يقولون إننا فشلنا ، لأن الله عاقبنا ، لكوننا خرجنا على تعاليمه ، أو لاننا لم نعمل بما عمل به السلف الصالح ، إنهم سلفيون فيما يدعون محاربة السلفية ، مع فارق أن السلف الصالح عندهم هو أن نفكّر بما فكّر فيه ماركس وهيغل وكانط وفولتير ، بتقليدهم واحتذاء نماذجهم .. ) .. ويضيف ( … لنعترف بالواقع لكي نعرف كيف نتغير ، فنحن ضحايا أفكارنا التي تختم على العقول ، لأننا تعاملنا مع القضايا والشعارات بطريقة أحادية ، أصولية ، دغمائية ، ايديولوجية ، متعالية ، فردوسية ، قدسية ، بقدر ما تعاملنا مع الواقع بصورة أحادية تبسيطية ، ساذجة ، قاصرة ، لذا الخروج من المأزق يقتضي ان نفكّر بطريقة مختلفة ، بحيث نفكك ما يستوطن عقولنا من المقولات المستهلكة والثوابت المتحجرة والمعارف المييتة والرؤى الطوباوية والمفاهيم الساذجة حول التاريخ والتقدم والعقلانية والنهضة والإستنارة والإنسانية ، فضلا عن التحرر من وصايتنا النخبوية الفاشلة على شؤون المجتمع والأمة والبشرية … ) … وسيكون من المفيد جدا اختتام هذه السطور بملخص محاضرته في مهرجان الجنادرية بالسعودية والمنشورة ـ الملخص ـ في جريد الحياة العدد 18292تاريخ 4 – 5 – 2013 يوم السبت صفحة 9 وذلك لاهميتها من جهة ومطابقتها لما يحدث في بنى هكذا توجهات ( … هكذا ليس في الأمر سحر أو غيب ، ليس مكر التاريخ ولامكر الله ، وإنما المسألة تتعلّق بعتمات الفكر وتهويمات العقل ودهاليز الوعي ومخاتلة اللغة ، أفخاخ الرغبة ، كما تتعلّق بنرجسية الثقافة واصطفاء العقيدة وعنصرية الهوية وازدواجية النشأة والحقيقة فضلا عن شراسة الكائن البشري ووحشيته التي تفوق وحشية الحيوان ، كلنا من اكلة لحوم بعضنا بعضا ، كما يقول كلود ليفي شتراوس ، هكذا نحن إزاء عوائق ومنازع بنيوية هي التي تجعل في كل ما نفكر فيه او نقوله او نعرفه ونبرهن عليه ، جانبا يبقى مجهولا وخارجا عن دائرة الضوء وعن منطق القبض والسيطرة ، سواء كنا حداثيين أم تراثيين ، علمانيين أم أصوليين … ) وسأضيف : لطالما هي كلها مجرد رتوش لتجميل القضية بهدف استثمارها لا تحقيق اهدافها ..
التعليقات مغلقة.