كيف يطعننا أصدقاؤنا من المعارضة السورية 2/2
كما واليوم وبعدما ثبتت أن (الفيدرالية الجغرافية الكوردستانية) تبحث على المستويات الدولية، وظهرت المؤشرات على أن تجربة باشور كوردستان ستكون المثال المحتذى به، بدأت المعارضة العروبية والتكفيرية معاً، بالالتفاف على المطروح، وبنفس أساليب العرض الأول، وبعد مشوار طويل لهم في مجال خلق المصطلحات الجديدة، لتشويه ما يعرضه الكورد من مشاريع لإنقاذ سوريا على أبعاد وطنية، والطعن بكل ما يصدر من الجانب الكوردي، إلى درجة أصبحت المطالبة بالوطن المشترك الفيدرالي في مفهومهم تعني التقسيم، أو أنها بداية الانفصال، فهاجموهم بكل الأساليب مع نعوت لا يحمد عقباها.
ففي الوقت الذي يعمل فيه الحراك الكوردي؛ لإيجاد مخرج منطقي عملي لسوريا القادمة، تقوم المعارضة من جهة والسلطة من جهة أخرى بإلهاء الشارع الكوردي والعربي بثانويات الأمور واللعب بالمصطلحات، لإدامة الصراع وتعقيد الواقع المأزوم أصلا، فبينهم من عاد للاستشهاد بتحريفات مؤرخيهم عن الوجود الكوردي في الجغرافية المسمات بسوريا، وأنكروا الحضور الكوردي في منطقة الجزيرة في القرون الماضية، علما أن التاريخ المكتوب من قبل العديد من المؤرخين والرحالة تثبت العكس، وتؤكد على أن الكورد كان لهم حضور كحضر وعشائر رحل في كل مناطق الجزيرة، ولم يكن للقبائل العربية ظهور إلى بعد ثورات الحائل في شمال شبه الجزيرة العربية، ونحن هنا نتحدث عن التاريخ الحديث للجزيرة، وليس عن ظهور المكون العربي في كوردستان على خلفية الغزوات الإسلامية، والتي خلفت حضورا هشا في مناطقها الجنوبية على مدى كل القرون التي حكمتها السلطات العربية الإسلامية. (لمعرفة اكثر عن تاريخ الكورد والعرب في الجزيرة ومن مصادرها دون تحريف يمكن العودة إلى مقالنا المعنون بـ “مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كوردستان” ست حلقات) المنشور في موقع ولاتي ما.
وتثبت كل المصادر التاريخية الإسلامية والأجنبية، الحضور الكوردي على جغرافيته، والذي لم ينقطع يوما وعلى مر القرون الماضية، رغم الشح الديمغرافي في كل المنطقة بل وفي سوريا والعالم، إلى درجة أن سكان سوريا الكبرى حتى عام 1932م لم يكن يتجاوز الثلاثة ملايين، وقد قدمنا وقدم العديد من الكتاب بينهم مؤرخون كورد في هذا المجال التاريخي والديمغرافي للجزيرة دراسات عديدة تدحض ما يتفضل به شخصيات من المعارضة السورية وأخرهم (الدكتور كمال اللبواني) ولأن هؤلاء اصطدموا بضحالة انتقاداتهم وتهجمهم، قبلوا بالمفهوم الفيدرالي، فأصبحوا يصرحون أنهم لا يرفضونها لكنهم جاؤوا بمنسوخهم الفكري الضبابي، وأصبحوا يفصلون الفيدرالية حسب مقاساتهم.
فمنهم من خرج على أن الفيدرالية يجب أن يتم التصديق عليها من قبل الشعب السوري، والبعض روج على أن الجغرافية المفترضة تطبيق الفيدرالية فيها، وهي ربما المحافظات التالية الرقة والحسكة وشمال دير الزور، ومنطقة عفرين، يجب أن تتم بالانتخابات، على الخلفية الديمغرافية الحاضرة الآن، والكل يعلم ماذا جرى وما هو الواقع الديمغرافي للمنطقة الكوردستانية اليوم، وبالتالي سيعود الكورد إلى منهجية الإلغاء ثانية، لكن تحت هذه الديمقراطية سيخسر الكورد كامل حقوق، ومن ضمنها المطالبة بحقهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وهنا تكمن الكارثة، ولأن هؤلاء يعلمون ما يخططون له فقد وجدوها أفضل من المعارضة على الفيدرالية، وعليه فكل كردي يقبل بدون الفيدرالية الكوردستانية وبجغرافية واضحة المعالم يكون قد قضى على وجوده كشعب صاحب أرض، وسيعيش كمواطن ضمن دولة ديمقراطية تترحم على الشعب الكوردي بإعطائه الحقوق الثقافية.
من الجميل أن يكون هناك حوار مستمر بيننا وبين المكونات الأخرى من الشعوب السورية، إن كانت مع أطراف المعارضة العربية أو حتى مع السلطة، شريطة أن يسبقها القليل من التقدير للرأي الأخر، وأن تبنى الحوارات لغاية بلوغ هدف يسعد المجتمع السوري، ولكن للأسف معظم ما تم حتى اللحظة سبقتها مخططات للطعن في القضية الكوردية، ومستقبل الكردي ضمن سوريا القادمة، مثل الطرح الذي ظهر اليوم من قبل أحد أصدقاء الكورد وأتقياء المعارضة السورية (الدكتور كمال اللبواني) الشخصية المطعونة فيها، أو الذي طعن ذاته بذاته وللأسف؛ من خلال كلمته الموجهة إلى بشار الأسد، والذي كما يقال جاء ليكحلها فعماها، وليته لم ينشرها، على الأقل في هذه الفترة، فكيف بمعارض وطني يوصي المجرم بشار الأسد أن ينقذ ذاته، في الوقت الذي كان يجب أن يقول له أنه سيحاكم وسيعدم أينما حل، ومن الغرابة، هنا لن نتحدث كيف عاد إلى سوريا وهو الذي زار أمريكا وإسرائيل وأوروبا يحاورهم على تغيير النظام، وتم أطلاق سراحه في بدايات الثورة؟! )أنظر مقالنا ” د. كمال اللبواني من ضحايا سجون النظام“) المنشور في موقع ولاتي ما.
وتتبين هنا أنه يقوم بتصدير مفهومه الجديد الغريب (الفيدرالية الثقافية) وهو منطق شريحة من المعارضة، ونظن أنه لا هو ولا من يساندوه في الفكرة، يعلمون كيف ستطبق الفيدرالية الثقافية وكيف ستكون، لكنه بالمقابل يدرك أن الطرح خدعة سياسية لطمس الفيدرالية المطلوبة تطبيقها على الأرض. وفي الجهة الأخرى سنقبل هذه الفيدرالية شريطة أن تكون الحقوق الثقافية والإدارية للمناطق الكوردية مساوية لحقوق المكون العربي في دمشق أو أية منطقة أخرى، وهنا نكون قد شاركنا في بناء الوطن الواحد اللامركزي، وإلا فالمعروض نفاق سياسي لا أكثر.
ولربما لغيرته على قوميته، وهذا من حقه كعربي وليس كوطني، محاولة إعادة القضية الكوردية إلى المربع الأول أيام هيمنة المربعات الأمنية عندما كانوا يحصرون المطلب الكوردي كقومية ثانية في سوريا ضمن حقوق المواطنة، ورفعتها المعارضة السورية إلى الحقوق الثقافية، وبالتالي تكون سوريا القادمة قد سقطت في الهوة المميتة، وتم تمرير ما تريده المعارضة والسلطة معا، دون أن يواجهوننا أو يحاربوا القوى الكبرى على مشاريعها المستقبلية للدولة الوطنية الفيدرالية، والقيام بمحاولة الحوار معنا على الحقوق الثقافية للشعب الكوردي، وهذه تتبين من خلال معروضه التاريخي الذي تشدق به والمفتقر إلى معرفة مقبولة بتاريخ الجزيرة والمنطقة.
وعلينا ألا ننسى أن السلطة؛ والدول الإقليمية المحتلة لكوردستان، والمعارضة؛ والدول الداعمة لها؛ متفقة على كل هذه الطروحات، والخدع المتتالية، حيث التنقل من مشروع إلى أخر لإلهاء الكورد بالقضايا الثانوية، ويكونوا هم قد انتقلوا إلى عرض جديد، في الوقت الذين نكون قد ألتهينا ببعضنا ضمن حواراتنا السفسطائية، هل المطروح نابع من بعد وطني، أم أنها خطوة أفضل من عدمه، مقابل من يريد أن يذكرهم أن الوعي الكوردي ربما بلغ مرحلة أعلى من أن تعميها الخدع السياسية الخبيثة.
لقد تعود الكورد على الطروحات الصادرة من الشخصيات التي تعد ذاتها وطنية ولا تعادي القضية الكوردية، والذين يحملون بيدهم كلمة و (لكن) والتي يتم عرضها بعدما قد تم التوافق عليه في الأروقة السياسة للقوى المعادية للكورد.
وأول ما يتبادر إلى ذهننا هو أننا يجب ألا نرفض ما يقدمه البعض من أصدقاء الكورد ضمن المعارضة، وهنا تكمن الخدعة، فمن هو الصديق ومن هو المخادع؟
فمعظم الطروحات تعرض من الشريحة التي تفرز ذاتها أصدقاء للكورد، ولا يعادون المطالب الكردية، لكنهم لم يتقبلوها يوما ما من البعد الكوردي، ولم يتناقشوا على ما إذا كانت تتعارض والوطنية السورية، ولم يعترفوا يوما على أن مواقفهم من قضيتنا، ومنطقهم الجاري، نابع من الصور النمطية الخاطئة المترسخة في ذهنهم عن الكرد، ولا يتمكنون التحرر منها، وبالتالي تخرج حواراتهم وطروحاتهم مطعونة فيها من البعدين الوطني والقومي، لأن غايات ومقاصد جميعها إلغاء الوجود الكوردي، كمكون أساسي في سوريا، وبالتالي كشعب على أرضه التاريخية، وصاحب حق في امتلاك جغرافيته، وممارسة حقوقه كاملة مثلما يمارسها العربي في مناطقه.
من السهل التعامل مع المعارضة العنصرية العروبية التكفيرية والتي ترفض حقوق الشعب الكوردي، أو حتى الذين ينعتوننا بالصفات النابعة من خلفياتهم الثقافية، على الأقل هؤلاء أعداء واضحون، بعكس الأصدقاء المنافقون أو السياسيون المخادعون، والذين يلبسون لباس الوطنية، وهم دونها، وبها يعتمون على الأصدقاء الحقيقيين، وما أكثرهم رغم قلة ظهورهم على الساحة الإعلامية والسياسية، الذين ينورون الشارع العربي والكوردي معاً، ومكانتهم محفوظة لدى الشعب الكوردي.
التعليقات مغلقة.