المجلس الوطني الكوردي في سوريا

خلطة نرجسية بنكهة ثقافية..

154

( بعد احداث ١١ إيلول في نيويورك ، قال برنارد لويس الأستاذ في جامعة برستون الأمريكية : … في عام 1940 كنا نعرف من نحن ، ونعرف العدو ، كنا نعرف الأخطاء والنتائج ، أما اليوم اختلف الأمر ، لا نعرف من نحن ، ولا نعرف القضايا ولا التبعات ولا نعرف طبيعة العدو .. ) ٢ .

 

منذ عقود طويلة دخل علم النفس كحقل تكوين إن للسلوك الإنساني او بناء سايكولوجيته وأصبحت واحدة من أهم العلوم الإنسانية المساعدة والمهتمة بدراسة وتحليل كما تقويم السلوك البشري ، وقد لاحظ علماء النفس منذ زمن بعيد مظاهر عديدة تتقاطع كما وتنعكس على سايكولوجية الأفراد إن في الجذب أوالنبذ – وكمثال تبسيطي – ظاهرة تقليد الصغير للكبير والضعيف بتمسكه بجلباب القوي ، كما المخطئ الذي يبرر فعلته بمقارنتها مع من ذي حظوة او وجاهة أكثر منه ، ولعلها من أبشع الممارسات في هذا المجال هو حينما يوبخ احدهم طفلا لقيامه بفعل ما ، فيرد عليه الطفل ؟ ولماذا يفعلها فلان إذن ؟ . هذه المظاهر نلمسها في السياسة أيضا كممارسة طفولية للعمل السياسي وبعقلية تبريرية حيث تضفي قداسة على الأخطاء بدل تقويمها ، وتعلل التبرير لتمريرها حسب توصيف المفكر نعوم تشومسكي حيث يقول : ( … المثقف هو الذي يتجرأ في قول الحق بوجه القوة … و : الحقائق قد لا تمنع بقرارات ولكن يمكن حجبها بمنعها الوصول الى الإعلام بمساعدة وتواطؤ من مثقفين يبررون هكذا أمور بذريعة المصلحة العامة واستنادا الى هذا يتم تبرير كافة أشكال الرقابة وقمع الحريات !! .. ) ، ورغم ذلك ، وفي سياقية اخرى تتماس هي أيضا مع ذات المغزى ، لتؤكد لنا وببساطة شديدة ما تفرزه من حيثيات يمكننا البناء عليها والقول بأن أنظمة الإستبداد مهما تغولت فأنها ستسقط لا محالة وذلك لسبب بسيط : أنها تهدر نصف وقتها في صناعة الكره لذاتها ، والنصف الآخر من الوقت تبذله في تطوير وسائل وادوات مارسة القمع لكارهيها . هذه السلوكيات التي تتراكم في الأصل وكنتاج ينمو أساسا بالإرتكاز على أشخاص يبقى هدفهم الأساس هو تضخيم الذات المتوهمة والبناء عليها ، ولن نستغرب على الإطلاق مما ينتجونه – وأيضا – في الأساس وكإنعكاس عملي بما يتوائم ونزعتهم النرجسية التي تنمو وتتضخم في الذات وبسطوة فظيعة لا تلبث ان تتجبر وتتعمم كسلوك ومع الزمن تتقاذفه الأخطاء ومن جديد : كنتاج طبيعي لتلك النزعة النرجسية ذاتها ، وليحاول وبذات النزعة يسخر لها كل امكاناته ليعمم نتائجها على قاعدة تلك النرجسية ، وكطقس جمعي يتلقفها التابعون بتبجيل وبرعونة ورهبة كما وبقداسة . إن أمثال هؤلاء النرجسيين ممن تغولوا وطوقوا قناعاتهم بجدران كاتمة وعلى قاعدة هكذا نماذج أنجزت عقائد دائرية محوطة ومغلقة كما وصفها السيد طوني فرنسيس في جريدة الحياة صفحة ٩ تاريخ ٢ _ ٥ _ / .. في العقائد المقفلة يسهل القيام بأي شيئ يخون الآخر ويحكم عليه بالنبذ والإقصاء أو بالعزل والموت فيها يمكن تبوؤ أرفع المسؤوليات ويكفي لحصول ذلك التمرس بالعقيدة نفسها حفظا ورواية وشعائر ثم اتقان المزاودة فيها وإذا قدم الآخرون جملة لتدعيم موقف يصفعون بنص كامل وإذا لجأوا إلى مرجع جيء لهم بعشرات المراجع المهم ترويض الآخرين كل الآخرين وتدجينهم إرهابا وغسيل دماغ وفي هذا السبيل تهون كل الوسائل تلك التي اكتشفها مكيافيللي أو تلك التي ابدعها غيره على مدى أزمنة الصراع على السلطة .. / . وهذا ما يمكن ملاحظته عند بعض من مجموعاتنا – الكوردية – التي تسعى وبإصرار الى ضخ العطالة سواء بحزبه ، او ومن خلاله الى مجمل الحركة السياسية وبالتالي كل المجتمع ، هذا التوصيف الذي جسده الروائي الفرنسي الراحل جول رومان في رواية – الرفاق – الذي كتبها منذ أكثر من قرن وقد تحول الى فيلم سينمائي والرواية ابطالها هم سبعة أصدقاء ثائرون وغاضبون يكرهون حلقات وقواعد العيش في مدن الريف الفرنسي فيقررون أن يعاقبوا مدينتين يزرعان فيها الفوضى … / .. وهكذا يتوجه الرفاق اولا الى مدينة أمبير.. ويتقاسمون العمل يتنكر بعضهم في أزياء ضباط الأركان زاعمين بأنهم آتون من العاصمة كي يشهدوا مناورات عسكرية .. / وتجرى على حساب رعب السكان من دون ان يجرؤ احدهم على الاعتراض .. و / .. بعد أيام يضطر كاهن المدينة .. الى التنحي عن مكانه في عظة الأحد لوفد رجال دين كبار قادمين من الفاتيكان ويمكننا ان نخمن بأن الوفد مؤلف من الرفاق أنفسهم ولنا أن نتخيل الفوضى التي سادت أمام عظات خيل معها للمواطنين أن ثمة ثورة في الفاتيكان تتجلى في الدعوة الى افعال وعلاقات ومواقف لا علاقة لها بالكاتوليكية … ومع هذا لا يجرؤ أحد هنا مرة أخرى على الإعتراض وعلى التساؤل عن حقيقة ما يجري كما وعن حقيقة هؤلاء الناس / .. وبعد اشباع رغبتهم من المدينة الأولى يتوجهون الى مدينة إيسوار مع مناسبة احتفال العمدة وكبار مسؤولي ووجهاء المدينة بإقامة تمثال ضخم أنعمت به العاصمة .. / .. يمثل الشخصية التاريخية القومية / فرسيجيتوريكس / وعندما يزاح الستار عن التمثال وسط صخب الموسيقى والضجيج يذهل الناس مرتين : الأولى حين يكتشفون جمال التمثال وكم أنه يصور الشخصية حقا ، والمرة الثانية ، حين يتحرك التمثال ويبدأ بالحديث متوجها اليهم بكلام ماكان أي واحد منهم ليتصور ان ذلك الصرح التاريخي يمكن أن يقوله يوما … وطبعا لم يكونوا يعرفون أن التمثال ليس سوى واحد من الرفاق وان اللعبة كلها مدبرة لنسف هذا التاريخ الفرنسي الساذج .. / . ٣

وفي العودة الى النرجسية وفوبياها المنتجة كإنعكاس لفقدان الثقة بالنفس وكتراكم ممنهج تم تضخيمها ومن ثم ضخها بنيويا في الذات الحزبية الكوردية منذ اوائل ستينيات القرن الماضي بالترافق مع حملة الإعتقالات العنيفة الاولى بحق التنظيم الكوردي الفتي كان بعد ، وكان لهول وفظائع التعذيب وتكثيف الملاحقات والإهانات التي تمنهجت سلطويا ايضا ، قابلها ممارسات وكتوجيهات حزبية ما ارتقت مطلقا الى حجم المسؤوليات ، والتي اعتمدت – ببساطة – على مبدأ ترهيب العضو الحزبي بدل تقديم الدعم المعنوي ، كل ذلك وكتوكيد – تم زرعه أصلا – لفرضية انهياره _- الحزبي – المحتم في التحقيق ، وعليه فقد رسخت فيه عقلية التقوقع مثل القنفذ ينكمش ولكن برعب داخلي ليس إلا ، ولتتحول حالة الرعب تلك الى رهاب كردة فعل طبيعية على حزمة المحاذير التي حمل به كخطوط دفاع ووسائل تمويه فسرت على انها نصائح كما وخطوط دفاع وحصانات لمواجهة أساليب المحققين ، هذه الثقافة التي أثرت وبسلبية كبيرة على سايكولوجية الكوردي إن في حالات الإستدعاءات او استجوابات الإعتقالات ، وبات غير الكوردي مهما كانت سويته الفكرية وحتى الوظيفية عمليقا يتلعثم امامه خيرة قادتنا اثناء التحقيقات . وباختصار وفي تلخيص بصيغة أسئلة لما ورد اعلاه ؟ افلا يحق لنا التساؤل ؟ عن معنى ان تعتبر أية مجموعة – تنضوي تحت أية مفهومية / حزب ، كتلة ، منظمة / – شخصيتها الإعتبارية وشخوصها الفعليين وبمنظومتها الفكرية جميعها كلية الصوابية ، ونصوصها كما ممارساتها وحلقاتها وبالأخص قادتها معايير تفوق القداسة الدينية !! .. عندما تطوب / تقدس / اية مجموعة سياقية مجموعتها وتطوطم عقيدتها بقادتها وتعتبرهم / رينجبر، ريبر ، بيغمبر – حكماء ، رسل ، أنبياء – / فهي تنحى بذلك نحو جمود عقائدي ينخر فيه التسوس ويفتك به بلا هوادة .

إن من يخلع نزعة الأنسنة عن كل قناعاته الوضعية ويعتبرها – فوق بشرية – ويدعو المحيط للإنخراط فيها – كما الطرق الصوفية – الى حلقات الجزب ، وما خلا ذلك ! فأن أي جدال معه سيكون مجرد مضيعة للوقت ، ولايصنف مطلقا تحت بند النقاش أو حرية الفكر والرأي وفق ما راكمتها القيم الإنسانية التي يفترض بها ان تكون مافوق راقية …

 

….

١ – المقال بحد ذاته خلطة متداخلة .

٢ – .عن ج الشرق الأوسط ع 13747تاريخ 18.7.2016

٣ – .. نقلا من جريدة الحياة / الأربعاء / ٣ أيار ٢٠١٧ صفحة ٨ عدد ١٩٧٥٢ ..إبراهيم العريس .

 

التعليقات مغلقة.