المجلس الوطني الكوردي في سوريا

جدلية المثقّف / الأكاديمي والاحزاب – الحركة الكوردية في سوريا أنموذجاً

150

كعادة بعضهم وكجدلٍ وفي خلطٍ متعمّدٍ و – كفضفضة – أشبه ما تكون بترفٍ فكري من جهة ! وكقناعٍ انتهازي للتهرّب من استحقاقاتٍ نضالية تستوجب معها أشكالاً من التضحيات ، ينحى بعض من حملة الشهادات في العودة إلى طرح جدليةٍ رافقت بدايات تأسيس اول تنظيمٍ سياسي كوردي في سوريا ، والذي كان د . نورالدين زازا على رأس الحزب وكان قامةً أكاديمية ومن حوله أيضاً حملة شهاداتٍ ومحامون وو و… إضافةً لخليطٍ من الوجاهات ومن عامة المجتمع ، ومع ذلك لم ينجُ الحزب من إنشقاقاتٍ عديدةٍ لا تزال تستولد وبقوةٍ أسبابها ، وعليه فإنّ الدافع للعودة إلى هذا الموضوع المتكرّر ، هو ما يطرحه – بعضهم – بزعم – هجرة المثقفين و الأكاديميين ! – للحركة السياسية ، وذلك في خلطٍ غريبٍ و عجيبٍ ، لا بل و إرباكٍ صريحٍ للحقيقة ، و كذلك المزج المتعمّد و بنزعةٍ تبريرية للقصور الشخصي ، أو كقناعٍ – اعتبره تضليلي – للتهرّب من الاستحقاق القومي – المجتمعي بذرائعيةٍ فجّةٍ ، فيسعى إلى الخلطة تلك ، الأمر الذي سيدفعنا أيضاً إلى تساؤلاتٍ عديدة : هل كلّ أكاديميٍ مثقّفٌ؟ وهل كلُّ مثقّفٍ يفترض به أن يكون أكاديمياً ؟ . وقبل الخوض في هكذا نقاشٍ – أرى وبالضرورة – الإرتكاز على معايير توصيفية التعريف بمفهوم المثقّف وصفاته وبالتالي المنتج الثقافي ، وشخصياً وفي انحيازٍ واضحٍ لمقولة غرامشي الصريحة في ماهية المثقّف العضوي وفق تعبيره حيث يكثّفها في مقولته : ( .. كلُّ جماعةٍ اجتماعية يظهر لها وجود على الأرض الأصلية لوظيفة أساسية في عالم الإنتاج الاقتصادي، تخلق بنفسها عضوياً، طبقةً أو أكثر من المثقّفين يمنحونها تجانساً ووعياً بوظيفتها الخاصة ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن أيضاً في المجال السياسي ) ١ ، وسنلاحظ لاحقاً هنا كيف أنّ غرامشي يستخدم مصطلح المثقّف بشكلٍ واسعٍ : ( .. ليشير إلى كلّ أولئك الذين لديهم دور تنظيمي / ثقافي/ إيديولوجي في المجتمع، فعلى سبيل المثل معلمو المدارس، وتقنيو ومديرو المصانع، موظّفو الخدمة العامة … إلخ. مثلًا رجل الأعمال الرأسمالي يخلق إلى جانبه التقني الصناعي، والمتخصّص في الاقتصاد السياسي، ومَنْ يقومون بتنظيم ثقاقةٍ جديدة ونظامٍ قانوني جديد إلخ… ) المصدر ١ . وعليه فإنه يحدّد طبيعة المثقّف العضوي المستمدّة ( .. أولاًً من النواحي التقنية للوظائف الإنتاجية الأساسية، ثم يشارك .. في .. تطوير وبناء نمطٍ معيّن خاص بالطبقة التي ينتمي إليها .. فالمثقّف العضوي، هو المثقّف الذي ينتمي إلى طبقته ويمنحها وعياً بمهامها، ويصوغ تصوّراتها النظرية عن العالم، ويفرضه على الطبقات الأخرى من خلال «الهيمنة»، ويدافع عن مصالحها، ويقوم بالوظائف التنظيمية، والأداتية لضمان تقسيم العمل الاجتماعي داخل الطبقة من ثم استمرارها… ) مصدر ١ . في حين نرى أنّ فوكو وبذات الخصائصية له وحهة نظر أخرى حيث يؤسّس لمفهوم المثقّف المتخصّص كمقابلٍ للمثقّف الكوني الذي مثّلته الماركسية، والوجودية، وهو يمتاز بصفاتٍ تمحورت كلها حول التخصّصية المهنية – الأكاديمية . ١

 

وباختصارٍ : نرى أنّ توصيف غرامشي هو الأدقُّ .. ( .. إنّ ما يحكم تعريف المثقّف ليس الخصائص الجوهرية لنشاطه الذهني فحسب، بل الوظيفة الاجتماعية التي يؤدّيها المثقّف لمجتمعه .. ) ويستكمل غرامشي : .. ( .. فالمثقّف الحقيقي هو مَنْ لا يكتفي بالتنظير الفكري – وهو ما يقوم به معظم مَنْ يعتبرون أنفسهم مثقّفين – وإنما عليه أن يمارس فعلياً دوراً سياسياً فاعلاً من شأنه أن يوجد سلطةً أخرى في مقابل سلطة الدولة إذا جنحت (وهي تجنح دائماً)، أي أن يؤسّس لحالةٍ من التوازن بين السلطات. ) ٢ .

 

وعليه فإنْ اختزال غرامشي وتحديده لتعريف المثقّف العضوي وما يميّزه ، أنه بما يمتلكه من علمٍ ومعرفة، يمثّل حالةً متقدّمةً في الوعي ضمن المجتمع .. ( .. إنّ وعيه المتقدْم على أفراد مجتمعه، يحمّله باستمرار، مسؤوليةً تاريخية، تتمثْل في الإسهام، في تجديد الفكر، بما يخدم مشروع التقدّم والنهضة في بلاده …

 

دور المثقف هو عدم الانكفاء، والتشرنق بالأبراج العالية، بعيداً عن مجتمعه وآماله وتطلّعاته، وأيضاً عن موروث هذا المجتمع والتقاليد والأعراف التي صنعت تاريخه .. )٣

 

ويسير بنا غرامشي إلى خلاصةٍ تحليلية قادته إلى نتيجةٍ مهمّةّ: وهي ضرورة الهيمنة الثقافية ( .. إنّ تفوّق مجموعةٍ اجتماعية معيّنة يظهر بطريقتين اثنتين، كسيطرةّ وكقيادةٍ فكرية .. ) .. ونصل مع غرامشي إلى عصارة توجّهه المتمثّل بأهمية الهيمنة الفكرية في تثبيت وضمان السلطة والقيادة .. والآن ، وفي العودة إلى واقع الحركة السياسية الكوردية في سوريا وذلك الخصام المفتعَل الذي يمارسه بعضهم ، وكما اسلفت أعلاه ! والذي يمكن النقاش فيه ! ولكن ؟ . ماهي آلية أو معيارية التوصيف والجدل ؟ ومن ثم آلية الجذب والنبذ الحزبوي – السياسي ونقطة انطلاقة الجدل زمنيا إلى ما قبل وما بعد ٢٠١١ ؟ والأهمّ : ذات المعيارية ومقاربتها بذات الفئات المنخرطة ضمن أطر الحركة السياسية الكوردية في سوريا ؟ فهل سيسقط أصحاب هذه النزعات صفة الأكاديمي – المثقّف وبقرارات أشبه ما تكون بمحاكم تفتيشٍ عن ايّ واحدٍ منهم ؟ ام سيراها نقيصةً – دونية كونها لا تتوائم مع نزعته كأنتليجنسيا مافوق مجتمعية ؟ وبالتالي تناقض البناء والحالة السايكولوجية ، كون الملتزم يدرك بأنه مُعرّضٌ لاحتمالاتٍ متعدّدة ، عكس الآخر الذي يسعى إلى مهادنةٍ داخلية مستخدماً كلّ السبل و التبريرات ؟ والسؤال الصادم ؟ بأيّ حقٍّ يمنح وتحت أيّ توصيفٍ لقب مثقّفٍ – أكاديمي ؟ أو ليست هي سنين التعليم والدراسة التي قد تصل إلى ٢٠ سنة أو أكثر ؟ .. أسئلةِ تحتاج فعلاً إلى وقفةٍ وليس جدل وذلك ببساطةٍ شديدة ! لكفّ مساعي الهيمنة المقنعة والصعود إلى أعلى الأبراج العاجية وتصنع ممارسة القيادة والسيطرة ولكن بمخيالية بكلِّ أسفٍ ؟! . وكمثالٍ شخصي هو أشبه بردٍّ على بعض الإنتقادات المترفة ، بحثاً عن هدوءٍ شخصي – أعتبره تهرباً حقيقياً من النضال – وعليه وبتجرّدٍ كما وبالإستناد على أرضية تضامني مع الحزب الذي اعتُقِلت وأنا في صفوفه سنة ١٩٩٢ ولازلت أرى فيه أقرب الأحزاب لي واتضامن من خلاله مع قضية شعبي ولكن من دون أيّ ارتباطٍ تنظيمي ؟ وأعني بذلك حزب يكيتي الكوردستاني – سوريا ! فهل سيعتبرها – المتهرّب – نقيصةً ؟ الأمر الذي سيدفعني وأمثالي إلى التساؤل ؟ منذ كم سنةٍ أو هل دخل هؤلاء لأيّ حزبٍ سياسي ؟ وثانياً : وهل الأحزاب السياسية تنظّم وفق مبدأ التعليب ؟ وثالثاً وهذا هو الأهمّ ؟ نحن مَنْ نجلس في الصالونات ونتفرّج على الحركة السياسية كمباراة ريال أو البرشا أو أيّ مسرح باليه أو حتى حفلةٍ لنانسي عجرم ؟ ماذا قدّمنا أو بالأحرى ماذا لدينا اساساً أو فكّرنا أن نقدّم ؟ . والسؤال المؤلم حقاً ؟ مقابل هذه النرجسية في مواجهة الحركة السياسية ؟ هل لديكم أيّة إلمامٍ بتاريخ الحركة ؟ حالات الاعتقالات وموجاتها مثلاً؟ أسباب الإنشقاقات وتغوّل يد الدولة الغميقة ؟ أهمية كوردستان سوريا كنقطةٍ وعمقّ جيوسياسي في إمكانية بناء دولةٍ كوردستاتيةٍ ، التاثير السلبي أو بصورةٍ أوضح : لماذا اختلف نمط تعامل ب ك ك مع كوردستان سوريا بنقل لا النضال الكوردي وإنما ترانسموسفير للكورد وقضيتهم إلى كوردستان تركيا ؟ لن أطيل : جردة حساب لما قدّمته الحركة السياسية قبل هيمنة ب ك ك هل يستاهل التوصيف أعلاه ؟ الذي ينطبق على بعضهم ؟ ولكن ؟ أو ليس تصفير الجميع لا بل وإلى مادون الصفر حتى اوغلو ذاته فشل فيها .. لا نريد احتراماً لبسطاء مثلنا ولكن تذكّروا نورالدين ظاظا وعثمان صبري ورشيد حمو ودهام ميرو وكنعان عكيد ونذير مصطفى وقاماتٍ نضالية ضحّت كثيراً ومع كلّ ذلك ؟ سنتجاوز هذه الأمور ونسأل ؟ .. هاتوا بدائلكم لا سفسطة وشهاداتكم التي لا تختلف حتى في ضبضتها عن شهادات العديدين من امثالكم .

 

وطبيعي أنّ هذا الأمر سينطبق على مفهوم المثقّف وعطالة الأكاديمي أو العكس ، وبالتالي حصرها في فئةٍ دون أخرى ؟ وسأختصر هنا ! هل المهندس المنظَّم هو غيره المهندس غير المنظَّم ؟ وهل ميّز المتحزّبون والموالون للحركة السياسية – حسب رؤيتكم – بين الأكاديمي في كليته والمثقّف ؟ وذات السؤال ؟ هل كلُّ أكاديميٍ مثقّفٌ ؟ وكلُّ مثقّفٍ أكاديميٌ ؟ وبالرغم من تكرار هكذا نقاشات لمراتٍ عديدة ولكن يبدو أنّ المطلوب هو إما ان يفصّل أحزاباً على مقاس هذه الشريحة أو أن نخلط بين العمل الأكاديمي التخصّصي والحزبي السياسي مع ميٌلان الكفّةِ وكبدعةٍ لصالح الفعل الأكاديمي كمرتبة شرفٍ وإنْ كانوا في الواقع يستحقّونها بجدارةٍ ، وسيكون من حقّ الآخر أيضاً أن يتساءل أيضاً والحالة هذه ؟ هل الأكاديميون هم فئة ما فوق الأحزاب أم هم شريحة مطوّقة وككتلةّ منفصلةٍ عن المجتمع وشرائحه ؟ .. وبالتالي : فإنّ كلَّ مصطلحٍ سيقودنا إلى تعريفٍ و توصيفّ ؟ مَنْ نعني بذلك الأكاديمي ؟ تعريفه وهل هو موجودٌ لينظر عن بُعدٍ أم لينخرط في الواقع ؟ ولكن شرط أن يقود أم أن ينتقد فقط وليثبت بأنه – أكاديميٌ في الفيزياء التطبيقية أو النووية مثلاً ؟ .

 

وفي الختام لن أملّ من تكرار تساؤلاتي لهؤلاء – المثقّفين – وكما يحلو لهم في توصيف ابتعادهم وتململهم الذاتوي كشريحةٍ في الإنخراط الواعي داخل الأطر الحزبية وتصحيحها من الداخل ؟ . في الختام ومع انحيازي التام لتعريف غرامشي ووصفة المثقّف العضوي ؟ – أرى – أنّ على الأكاديمي والمثقّف أن لا يصعد برج توفيق عبدالحكيم العالي وينظر من الأعلى بقدر ما يفترض به أن ينخرط في العمل الميداني ؟ وحينها وفي العكس من ذلك ؟ ألا يحقُّ لنا تذكيرهم بتوصيف غرامشي حول الانتهازية ؟ .. او الفاست فود ، لابل وحتى ركوب الأمواج بعد جهوزيتها من قبل غيرهم .

……..

هوامش :

١ – المثقّف بين غرامشي وفوكو موقع المحطة ١٧ / ٨ / ٢٠١٨ – بقلم : محمد الخياط .

٢ – المرجع جريدة الأنباء ( مفهوم المثقّف عند غرامشي ) ١٨ / ١١ / ٢٠٠٩ ..

٣ – المرجع : جريدة الخليج يوسف مكي ٢٧ / ٤ / ٢٠٢٠

٤ – بوابة الهدف الإخبارية ١/٨/٢٠٢٠ .. طرابيشي ..

التراث والماضوية والحداثة والمفكّر وجدلية تابعية المثقّف

 

التعليقات مغلقة.