المجلس الوطني الكوردي في سوريا

في محراب اللغة الكوردية 1/2

126

ما بين اللغتين الكوردية والإنكليزية تقاطعات، كالتشابه بين بعض الكلمات ومخارج الحروف وأجزاء من القواعد، فكما هو مؤكد من قبل جميع علماء اللغات على أن جذورهما مشتركة وهي الهندو- أوروبية، إلى جانب المسيرة التاريخية، بعد تجاوز المسافات الزمنية، والمقدرة بقرن ونصف، من حيث حضورهما ومرتكزات نشوئهما إلى مراحل تطورهما، فالعوامل التي كانت تهز بنيان اللغة الإنكليزية في بدايات القرن التاسع عشر وما قبلها، أي قبل ظهور قاموس أكسفورد الإنكليزي الهائل بمحتواه، وسيرة كتابته والتي تعد واحدة من أغرب القصص في تاريخ الأدب؛ سنأتي على ذكرها لاحقاً، هي ذاتها التي تنخر اليوم في جسم اللغة الكوردية، بمقاييس تكاد تكون متقاربة ومتشابهة، والتي من خلال دراستها يمكن أن نستخلص تجارب لمستقبل لغتنا الكوردية.

فالواقع والمسيرة التي كانت عليها اللغة الإنكليزية من بدايات تلك المرحلة إلى أن بلغت ترسيخها بقاموس أكسفورد الرائع، والذي يعد المرجع والركيزة لبنيانها، رغم وجود قاموسين سابقين له، ورغم ما قدمه عظماء الكتاب الإنكليز لها ولأدبهم، قبل ظهور القاموس الأسطورة، أمثال الشاعر والمسرحي الإنكليزي والعالمي المعروف وليام شكسبير(1564-1616م) ورائد الشعر الرومانسي اللورد بايرن(1788-1824م)، وغيرهما الكثيرون، من الأدباء والعلماء، الذين قدموا للمكتبة الإنكليزية والعالمية أمهات الكتب الأدبية والفلسفية والعلمية، وأصبحت جلها مرجعا لغويا لتحرير القاموس المذكور، تكاد أن تتشابه والخلفية التاريخية اللغوية الواقفة عليها الآن لغتنا الكوردية، وتنبهنا إلى الإشكاليات التي تواجهها وضروريات معالجتها.

 

فما تذخر بها مكتبتنا من حيث الإنتاج الأدبي واللغوي؛ كاف لإنتاج قاموس كوردي متكامل الأبعاد، رغم اختلاف الظروف بين ما كانت عليه واقع اللغة الإنكليزية حيث الدعم السياسي والإداري، واللغة الكوردية التي واجهت الكوارث والويلات من كل النواحي، وعلى مدى قرون طويلة إلى اللحظة، تسندها اليوم العديد من العوامل الإيجابية المناسبة، كالتطور التكنلوجي، مثل الأنترنت حيث سهولة الحفظ والتنقيح والمراسلة والمشاركة من قبل المتطوعين الراغبين بالمساهمة في المشروع وما أكثرهم، ومن ثم النسخ والطبع وغيرها، والتي ستختصر الفترة الزمنية لتحرير مثل هذا العمل، فقط ما نحتاج إليه هو الاتفاق السياسي بين أطراف الحراك الكوردستاني.

 

قبل ظهور قاموس أكسفورد، يقول المؤرخون أن اللغة الإنكليزية كانت في شبه فوضى من حيث كتابة الكلمات ومعانيها، وتهجئتها، فقد كان كتابها على خلاف، في قضايا عدة، إلى جانب نشأتهم ما بين منطقة وأخرى، ومثلها بين لهجاتهم، وظلت كذلك إلى أن ظهر القاموس المذكور، فجمعهم على قواعد محددة في كل الأبعاد، وحصرت اللغة الإنكليزية وكتابها ضمن حدود صارمة، إلى درجة أصبح البعض منهم يمتعض من صرامة فارضيها، فأصبحوا ينتقدونه، دون القدرة على تجاوزه.

 

كما ووصفه البعض من الأدباء الإنكليز خاصة الذين ينتقدونه، بالمؤسسة الوطنية، وعلى أنه محصن من النقد مثل الملكة البريطانية، الحصانة المبنية على غزارة الكلمات، وتحديدها للقواعد المبنية عليها اللغة، رغم اللهجات الإنكليزية العديدة، والتي رسخت الصرامة في اللغة الإنكليزية، وكونت الخيمة الأدبية الواحدة، فلم يتمكن أي أديب من تجاوزها أو تغييرها، وكل إضافة كان إغناء لأبعاد القاموس، وظلت المهيمنة رغم صدور قواميس أخرى أسهل للاستخدام، لكن لم تحاول أية واحدة أو جهة تجاوزها، لأنها إلى جانب عمقها اللغوي تعد أوسع وأهم مجموعة من ضمن مصادر المعرفة للغة الإنكليزية في التاريخ.

جلنا ننتبه إلى أن اللغة الكوردية، رغم غناها وغزارة كلماتها، المستقاة من اللهجات الأربعة الرئيسة، وتوابعها، والتي تمد كلية اللغة بذخيرة غير عادية، من حيث عدد الكلمات لمادة واحدة، تحتاج إلى مجمع لغوي يشمل الكل، قائم على (الحروف اللاتينية) الأقرب من حيث اللفظ ومخارج الأصوات والحروف إلى اللغة الكوردية، ليرسم الحدود الصارمة والأسس التي يجب أن ترتكز عليها كل الأبعاد الأدبية في اللغة، إملائيا وقواعديا وصرفا للكلمات وغيرها، وتكون خيمة شاملة، تحتضن كل المناطق، وتهيمن كلغة أدبية علمية مشتركة على اللهجات، مصادرها من كل الأجزاء الكوردستانية، إلى أن يصبح سهلا استخدام أية كلمة من أية لهجة دون أن يظهر خلاف أو عائق معرفي للتفاهم أو للمعنى، أو في قواعدية كتابتها أو الصيغ الإملائية للكلمة أو الجملة، وغيرها من المقاييس التي تستند عليها اللغات العالمية، وخاصة الإنكليزية؛ حيث تاريخ ترسيخ مرتكزاتها ليست ببعيدة.

 

لبلوغ مثل هذا النجاح في مجال اللغة الكوردية؛ أو المشابهة لما بلغته الإنكليزية في تلك المرحلة الزمنية، ولتصبح لغة كوردستانية تحمل عوامل التقارب في المجالات الأخرى، بعكس ما هي عليها الآن، والتي تكاد تكون من أحد عوامل الخلافات العديدة بين أجزاء كوردستان المحتلة، ومنها، السياسية والاجتماعية والثقافية، رغم ما تقدمه (القنوات الإعلامية) بكل مجالاتها من خدمات جليلة لردم الشرخ الموجود بين اللهجات.

 

ولنستخدم قدرات لغتنا المخفية أو التائهة بين اللهجات، وتصبح لغة أدبية علمية شمولية، يتوجب على الجهات الكوردستانية المتمكنة من حيث القدرات المادية والإدارية؛ أخذ العبرة من الجهود الضخمة التي قدمتها جامعة أكسفورد في هذا المجال، والقيام بعمل مماثل أو مشابه لما قامت به إدارتها في بدايات القرن التاسع عشر والتي امتدت قرابة 70 عاما، بدأتها من عام 1857م وحتى إصدارها الطبعة الأولى في عام 1927م.

 

لا نظن أن الإدارات الكوردية ستواجه جزء من الصعوبات التي واجهت مؤسسة جامعة أكسفورد التي كلفت لغويا مغموراً مع عدد من المختصين على تحرير القاموس الركيزة للغة الإنكليزية الحالية، فلربما الاطلاع على حوادثها قد تقوي العزيمة في إداراتنا السياسية للقيام بعمل مشابه، فقط يجب أن تسبقها توافق سياسي، وتشكيل لجنة أدبية بعيدة عن التوجهات الحزبية.

 

قصة كتابة قاموس أكسفورد حسب رواية (سيمون وينشستر) (البروفيسور والمجنون) والتي كتب فيها الكثير بلغات عدة:

حاورت إدارة جامعة أكسفورد المئات من المتطوعين الراغبين القيام بالمشروع المعلن عنه، وجميع الذين تم قبولهم اعتزلوا العمل لصعوبته وقلة الإمكانيات المادية والعلمية، باستثناء البروفيسور المغمور (جيمس أغسطس موراي 1837-1915م) الذي ظل محافظا على شرف المهمة، وكان قد كلف بها ليس على خلفيته الأكاديمية، بل لمعرفته بتاريخ اللغة الإنكليزية وإتقانه وإلمامه بعدة لغات أخرى. فالرجل رغم تركه الدراسة في سن الرابعة عشرة من عمره، على خلفية العوز المادي، ظل يدرس ويتعلم ذاتيا، وخاصة في اللغويات، إلى أن أجاد إلى جانب إبداعه بلغته الإنكليزية، اللاتينية والفرنسية والإيطالية، وأصبح يلم باللغة العربية والأرامية، ويفهم البرتغالية والروسية، وفي الوقت ذاته كان يعمل كمصرفي في أحد البنوك، قبل أن تكلفه جامعة أكسفورد بالمهمة وتخصص له ميزانية توفي بكل المستلزمات المادية والتقنية مع ثلة من الموظفين والاختصاصيين لكتابة القاموس، وبعد استقراره في الوظيفة ناشد البريطانيين، عن طريق إعلان عام، طالبا منهم التطوع لمساعدته ومراسلته حول أصول ومعنى الكلمات الإنكليزية التي يعرفونها.

 

تخللت مسيرة جيمس موراي العملية مطبات عديدة، فقد تم عزله مرات، أو أنه أعتزلها على خلفية بعض المعارضين له من ضمن مجلس إدارة الجامعة. مع ذلك تمكن، وبعد سنوات عديدة مضنية من العمل على إصدار أول مجلد في عام 1880م أي بعد 23 عاما من تكليفه، وكانت الأولى من بين اثنتي عشر مجلد تم تحريرهم لاحقاً، فحصل أثناءها وبعدها على شهادتي دكتوراه فخريتين. وللأسف حراكنا الكوردستاني وإداراتنا تريد الحصول على مثل هذا الإنتاج في سنوات قليلة أن لم تكن في شهور.

 

يتبع….

 

التعليقات مغلقة.