أصغر مخلوق يرعب البشرية ” فيروس كورونا”..
فيروس، أقوى من جميع الأديان، وأرهب من كل الطغاة على مر التاريخ، سادت بأقل من أسبوعين على الكرة الأرضية وبدون منازع، جغرافيتها غطت على مساحات جميع الإمبراطوريات التي ظهرت على الأرض، رعبها تجاوزت جميع ما خلفته المنظمات الإرهابية منذ بدأ الخليقة حتى اليوم، رضخت لرعبها كل القوى العالمية.
ومن غرائب نتائج رعبها، لأول مرة في تاريخ الإسلام، ظهر تأويل ديني بررت فيه إغلاق أبواب الكعبة والمسجد النبوي طواعية، ولأول مرة منذ ظهور الإسلام، يناقض المسلمون قناعاتهم، فيفعلون عكسها، فبعدما كانوا يتمنون المؤمن الموت في ساحتها، أصبحوا الآن يهربون منها رهبة.
ولم يتعجب الناس ولم يمانعوا، عندما بدأت الدول تغلق أبواب جميع المراكز الدينية السماوية وغير السماوية، من الكنائس إلى السيناغوغات إلى المساجد، وكذلك المعابد الهندوسية والبوذية وغيرها، الواقع الذي كان سيعتبر ضربا من الجنون والخيال لو قيل إن المساجد والكنائس وغيرها ستخلى أيام الجمعة والأحد أو في الأعياد الدينية من البشر، أو أن الأقصى ومسجد البراق وساحة حائط المبكى ستغلق أبوابها وبرضى الناس من ذلك، ولربما، لولا الأوامر غير المباشرة من كورونا، لأدى هذا القرار إلى حصول مجازر على أبوابها. وقد يؤدي هذا إلى ظهور مفاهيم مغايرة لنوعية وطرق التقرب من الإلَّه في الأديان، ومسألة التقديس لمراكزها.
أغلق الفيروس مراكز العبادة على الأرض! فالفاتيكان ساحاتها خالية، والبابا في عزلة من زواره. الناس من جميع الأديان أصبحوا يمارسون طقوسهم بدون وسائط، حصرت عملية تقديم الشعائر بين المؤمن وربه، وكأن الفيروس قادم على نشر ثقافة نوعية مغايرة لكل ما بثتها الأديان للعبادة والإيمان بين البشر، ولربما قد يؤدي إلى خلق أساليب عصرية لتعليم التلاميذ والطلاب، فلأول مرة تفرض على أطفال الكرة الأرضية؛ البقاء بين الجدران والتحاور من خلال الإنترنيت، ويرتاح الآباء بعدم خروج أطفالهم إلى ملاعب الرياضة.
ليس هناك جبروت في الكون، مثل قوة هذا المخلوق غير المرئي، أستطاع أن يغلق جميع مراكز التعليم في معظم مناطق الكرة الأرضية، من الحضانة إلى الجامعات، وبدون احتجاج، ويوقف المباريات الرياضية في العالم، ويفرغ الملاعب بكل أنواعها، ويغلق الحدائق العامة، والشواطئ والمقاهي والمطاعم، وغيرها، ويوقف معظم الرحلات البحرية والجوية السياحية أو العادية، ويمنع كل تجمع يزيد عن مئة في الأيام الأولى لتخفض إلى الخمسين واليوم في أمريكا قرر ألا يزيد عن العشرة أشخاص، وبدأوا يفحصون كل داخل إلى البيت الأبيض بشكل كامل، ويتم فحص كل موظفيها من ضمنهم الرئيس ونائبه.
لم تكن هناك قوة على الأرض بإمكانها أن تجبر معظم رؤساء العالم على تقديم التقارير اليومية أمام الإعلام لشعوبهم، فترمب ومعظم إدارته أصبحوا يقفون كل يوم؛ قرابة ساعة ونصف أمام الصحفيين يتحدثون عن أخر المستجدات حول المرض وعمل المخابر ومراكز البحوث العلمي، والخدمات المتطلبة تقديمها للشعب، كالمستشفيات ومراكز الإسعاف وأعداد الأسرة الجاهزة أو المحتملة تطلبها. ومسار الحراك الاقتصادي المرعب في البلد، وغيرها من الإشكاليات التي خلقها هذا الفيروس. حرب عالمية غريبة تجري بين طرفين، جميع العالم في جهة وأصغر مخلوق على الأرض في الطرف الأخر.
ويُطمئِن دونالد ترمب الشعب، بشكل خاص؛ على أن المتاجر لن تغلق أبوابها، وبأنه أتفق مع رؤساء جميع المراكز الكبرى في أمريكا، بهذا الصدد، فهم والدولة سيعملون معا على تأمين كل المستلزمات، فلا داعي للقلق من احتمالية خلوها من المواد الغذائية أو الأدوية، بعدما ظهرت موجات من الشراء الجنوني لا مثيل لها في التاريخ. ولا يستبعد أن تكون هذه من أقوى الدروس لرؤساء العالم الحاليين، ويصبحوا على أثرها، أقرب إدراكا واهتماما لقضايا شعوبهم، ويعالجونها بمصداقية، وقد يؤدي هذا إلى ظهور مفاهيم جديدة للإدارات القادمة وتتحسن طرق تعاملهم مع مشاكل مجتمعاتهم، بل وقد تتغير نوعا ما العلاقات الدولية، على أثر العزلة التي تظهر، أو على خلفية أن العدو هو ذاته ويرهب الجميع، وبالتالي قد يتم نوع من التصالح على بعض القضايا.
هذه أول موجة من موجات عوامل الطبيعة، تجبر الإنسان على إخلاء الشوارع، والنظر أو التقارب من خلال الأبواب والنوافذ، دون أن تدمر البنية التحتية للمدن كما تحدث عادة في الحروب، وتفرض نوع معين من الترحاب بين البشر، بعدما تكون قد قضت على كل الأساليب السابقة الدارجة، كالتصافح، أو تقبيل الأوجه، وملاصقة الأنوف ببعضها، والأخذ بالأحضان، وهذه في حيز زمني ما قد يؤدي إلى ظهور عادات مغايرة للجاري، وأساليب جديدة من التعامل بين البشر؛ مستقبلاُ.
الفيروس الذي فرض على معظم السلطات العالمية أن تقدم الخدمات المجانية لشعوبها، وأجبرت بعضها على دفع رواتب لنسبة واسعة من الشعب، للبقاء في الدار، الغرابة هنا أنه في السابق كان الإنسان يحصل على راتب بعمله واليوم يرسل له الراتب لئلا يعمل. فأميركا خصصت تريليون دولار لها حتى اللحظة، وأول شيك تم إرساله للناس بلغ قرابة 250 مليار دولار. وكندا تقدم رواتب مع خدمات عديدة مجانية لأكثر من ثلاثة أرباع الشعب القابعين وراء الأبواب، ومثلهما العديد من الدول الأوروبية، بعدما كانت ترهق مواطنيهما بالضرائب، ونادرا ما كانت بعض هذه الدول تبالي بالشريحة المعانية. فالبشرية ستصطدم بتغيرات اقتصادية واسعة الأبعاد، مرعبة وغريبة الإشكاليات، لا يستبعد انخفاض الإنتاج في كل المجالات، لكن أن أستمر المرض طويلا قد تحدث كوارث اقتصادية.
لم ولن تكون هناك قوة في الكون على مقاس ما بلغته وستبلغه كورونا، رغم أن بعض الأوبئة في التاريخ قضت على قرابة نصف البشرية، لكن التطور التكنلوجي ساهمت على تضخيم انتشار رهبتها. فلولا الإنترنيت لما كان لهذا الفيروس كل هذه القوة، بل لربما تأثيرها كانت أقل من الأوبئة التي مرت على البشرية سابقا.
جميع الحروب والغزوات، ومن بينها غزوات المغول والعالميتين، وعلى مدى العقود الطويلة من الدمار والرعب، لم تفعل ما فعل هذا الفيروس خلال شهر واحد، بل ولربما لا يحق حتى المقارنة، فرغم أن الخسائر البشرية لم تصل بعد إلى ما تم حينها، لكن المادية والنفسية تجاوزتها بكثير.
لأول مرة في التاريخ، تقوم أكبر إمبراطورية على الأرض (الولايات المتحدة الأمريكية) بوضع حصارا اقتصادي وسياسي على ذاتها، بل ولأول مرة منذ تكوين الدول، ولربما لن تحصل ثانية، تقوم معظمها بمحاولة الإغلاق على نفسها وتطبيق الاكتفاء الذاتي، ولا تبالي بالخسارات الاقتصادية، ولا تهتم بعجز ميزانياتها بقدر ما تهمها ما سيكون عليه حالة المرضى والخط البياني لنسبتهم، ونسبة الذين يتعافون منه.
لأول مرة في التاريخ، البشرية تتقبل منع التجول برضى، وتطبقها دون إرضاخ، وتبتعد عن التجمعات العائلية أو الحفلات والسهرات برحابة صدر، بل سعداء بخلو الشوارع والساحات العامة والمتاحف والمراكز السياحية.
لأول مرة تخلى رفوف جميع المتاجر ومراكز الأغذية في كل العالم معا، من بعض المواد الغذائية والأدوية، وتظهر المدن، كبيرها وصغيرها، وكأنها تعيش حالة هجرة جماعية، تشبه أفلام الهوليود التي تبين وضع الإنسان على الكرة الأرضية بعد عقود من الحروب النووية، فلأول مرة تحدث مثل هذه التحشدات في ساحات المتاجر الغذائية ويظهر هذا التكالب على الشراء إلى حد التخمة، خاصة في البلدان المتطورة أكثر من بلدان دول العالم الثالث.
رغم الخسارات الهائلة للشركات العالمية، بدءاً من القطاع السياحي والنقل، والتجارة الخارجية والداخلية، والتي تجاوزت حتى هذا اليوم قرابة 5 تريليون دولار، ونحن لا نتحدث عن الشركات الصغيرة المتضررة، لا تتحدث الإعلام عنهم ولا تبالي بهم بقدر ما تهتم بالخط البياني لنسبة المصابين يوميا بمرض كورونا. علما يقال إنه على مدى الأسابيع القادمة ستتجاوز الخسائر العالمية 100 تريليون دولار، أي أكثر من الدخل الوطني للكرة الأرضية على مدى سنة كاملة.
في الواقع لا يصدق، بل وتم نفيه من قبل الرئيس دونالد ترمب، ما تم نشره على أن الجيش الأمريكي متهم بنشر الفيروس، أو أن البعض قدم تحليلات ساذجة على أن الصين فعلتها كلعبة تجارية من أجل تسويق شركاتها، وبيع أسهمها، أو شراء الشركات الخارجية الموجودة على أراضيها برخص، بعدما تخلت عنها دولها، وغيرها من التحليلات، ونتوقع أن عوامل بيولوجية بيئية تلاءمت وانتقال الفيروس من مخلوق ما إلى الإنسان، والتطور البشري والعوامل البيئية المتغيرة أدت في الماضي وتؤدي إلى ظهور أو اختفاء أحياء، والإشكالية هنا مدى تطور وقدرات الإنسان العلمية على مواكبة هذه التغيرات.
لكن ورغم كل هذه الرهبة التي تجاوزت قدرات الفيروس، والسوداوية التي تجتاح مخيلة البشرية، ومنها التوقعات التي تكاد تصل إلى حالة توقع الدمار الشامل للجنس البشري، ومعظمها نتاج الرعب من المجهول؛ الحاضر أو القادم. نتوقع وعلى الأرجح، أن كل هذا سينتهي بأفضل من الأوبئة التي اجتاحت العالم في القرون الماضية، بل في النصف الأول من القرن الماضي، فحينها كانت قدرات مراكز البحث، العلمية والتكنلوجية، أقل تطوراً من اليوم بكثير؛ وهذا ما سيؤدي إلى سرعة الحصول على الدواء اللازم.
كما وأن هناك تسارع بين الدول ومراكز البحوث لاكتشاف المضاد الحيوي، وكبريات الدول كأمريكا والصين والدول الأوروبية وروسيا جندوا معظم مراكز البحوث الطبية في هذا المجال، ففي أول طفرة وضعت أمريكا مليون ونصف عينه للفيروس ضمن التجربة والاختبار وسخرت لها أكثر من 50 مليار دولار، رغم أن أغلب مراكز البحوث المعروفة في عدد من الولايات الأمريكية بينت عن حاجتها لللعينات والمواد الخاصة لهذا الوباء. وفي الوقت الذين تتبين فيه أن الدول الأكثر تضررا منها وهي الصين، تتعافى قليلا من الصدمة، ليس باكتشاف المضاد، بل بأساليب الممانعة، بل ولربما في المستقبل ستكون قد خرجت باكتشافات علمية عظيمة لخدمة البشرية، والتي لن تبقى على سويتها، بل ستحدث تغيرات على مسيرتها قد تظهر بشكل واضح حتى بعد الحد من هيمنة الفيروس.
ورغم كل الرعب والمآسي الجارية، هناك بقع إيجابية تخلفها، منها إجبار الدول والإنسان على تنقية غير عادية للبيئة والساحات ومراكز التجمع البشري، وقد نشرت الأقمار الصناعية صور عن الاختلافات الإيجابية التي حدثت خلال الشهرين الأخيرين على خلفية الرهبة من الفيروس.
التعليقات مغلقة.