جبرية عصفور وعقلية عرسان..
افرزت نضالات حركات الشعوب التحررية مع بدء انطلاقتها كم هائل من المصطلحات وأخذت تتسرب الى مفاصلها بدقة ، وما لبثت أن تحولت الى استهداف متقصد خاصة بعد أن تشبعت بنزعات بنيونية ، وبتوصيفات محملة بجينات متعددة مركبة ، لا كتعاريف أو خلاصات لنظريات مجردة بل كخامات متشظية تقاطعت وخلقت تماذجا مشوها بين التعريف والمصطلح كثقافة من جهة ، وكحامل لصفة ايضا – أية صفة – تشير أو تلمح للمثقف ؟ ولنعود من جديد الى ذات النتاجات الذهنية بخاصياتها التي – وكحالة طبيعية – إنحازت وتأطرت لتلتقي مع حاملي ذات الجينات المتطابقة ، والتي – ربما – قد ترتمي – ارتمت في احضان السلطة ، فتتجرد من كل قناعاتها التي ستنكشف على انها كانت مجرد أقنعة مدوكرة ، ومع الإنغماس في لذة السلطة ومعها المكانة المكتسبة ، قابلها أيضا بالتفريط المتدرج تنازلا في القناعات ، وتعليبها توضيبا إرشيفيا بعد تفريغها من جميع مفاصلها ، وكنتيجة لذلك تضخمت الأجسام وتكلست القناعات ، والحلقات تفرعت فيها الى شلليات ، وذلك في تجاهل لأبسط جزئيات القضايا التي ترهلت أصلا ، ومع الزمن تحولت إلى إرث ثقيل توجب التخلص منها بالكامل . وهنا ! هل سيقر المصدومون بتلك الهالة النمطية التي انكشف عليها حامل ذلك التوصيف ؟ ، واعني بذلك عبارة المثقف ؟ وكمجموعة ! هل سيقرون بخطأهم ؟ وهنا ؟ أفلا يستدل من الأمر إذن بأن لا احد منا يخلو من طوطمية باطنية بغريزة نرجسية ؟ وعليه ؟ كيف وبماذا تتجسد هذه الطوطمية أصلا ؟ وهل ستتأطر قوميا وعلى جغرافية وطن تحوط في وعي الغالبية كحلم انتقل وفرض ذاته بالتوارث الجمعي ؟ أم ستجتزأ كما عملية فصل لتوأم سيامي ؟ فيتم فصل الشعب عن الوطن ؟! وكتواتر جدلي : على أية حقيقة هنا يجب الإرتهان ؟ ورغم كل الخيارات المتاحة ؟ هل يمكن التوافق مثلا على قيمة معيارية ما ! كمقياس للإستدلال على الحقيقة ؟! أسئلة مركبة كثيرة ستتوارد ؟ . إلا إن المصيبة ستظهر ككمون ساكن في جدل سفسطائي بعد إعتلاء قمة البرج العاجي ، ومن عليها يتم تأمل أنماط الحيوات وينظر لها وبذات الذهنية الفوقية ، فيتعامل مع اسم – غرامشي – ككلمة لا كإنسان ، وحتى لو أقر احدهم بإنسانية غرامشي ؟ لكنه سيعلل وبجهد أفضلي لشخصه بأن المدعو غرامشي لم يتعمق في أبعاد الوعي حتى يستعرض آفاقا تثقيفية مزعومة ، فيرتكز عليها طرابيشي ؟ ، ولندخل في دوامة بعض من جهابذة الوعي المخيالي على أن ( غرامشي وطرابيشي ) ما اشتغلا أصلا في – على الوعي الثقافي ، وكذلك من قبلهما الكواكبي وإن غاص مصطفى حجازي من بعدهما عميقا في سايكيولوجية غالبيتهم .
إن الهوة الفظيعة بين الكتابة المنمقة بفحواها ، كما هاجس تناقضاتها في الممارسة التطبيقية ، وتدرجات انكشافاتها ، حتى إلى لحظات سقوطها كهالة ، وما يلي ذلك بين الفينة والأخرى من مظاهر ندم داخلي ! لكنها تبقى دائما هي ذات الأقلام التي ارتضت – بعد أن تتلمذت أصلا على يديه – أن تتقمص ظاهرة علي عقلة عرسان و تستحضر ثقافيا مسلكية وزيره أحمد سلمان ؟ . وكان قد مضى وقت طويل حين استدركوا بأنهم كانوا يضخون ضحالات تحت بند النضال الديمقراطي مع تقيات أخرى ، وانحصر هاجسهم الأهم فقط في ايجاد مبررات تشرعن آلية تحول رؤوس اقلامهم الى فوهات بنادق ، وأوراقهم الى محاضر تحقيق ، وأياديهم تتقن وسائل التقييد وكم الأفواه ، وايجاد – اختلاق آليات توصيف محاكة بقوة في تعميم صفة التخوين وبعباءة عبثية بمكياڤيللية عقدية لا عقائدية ، وبإختصار ! إما أن تنسجم مع القطيع أو ستقمع ! وتذل لتخرس ؟! .
إن من أهم عوامل الجمود العقائدي هي متلازمة النخر الأيديولوجي الذاتي بنيويا ، ومعها نرجسية الصواب الذاتي المطلقة ، والزعم بإمتلاك كل الحقيقة ، والأهم هو صرف جهد كبير من فائض القوة لترسيخ مفهوم عبثية وجود المختلف وفظائع أخطائه المتقصدة ، وكأسباب كافية تبرر وتجيز فرض الحجر الكلي على غالبية الرفاق ومؤيديهم ومؤازريهم ، وبالتدرج في استنباط وسائل وأدوات الضغط الممارسة والتي قد تتصل الى القتل او الإخضاع ، ورغم كل ذلك ! لا يفوت المهجن فرصة الإحتفاظ برصيد من نقاط احتياطية يستفيد منها ذات يوم حتى لو كان متهما بالخيانة .
إن من أبشع درجات السفاهة هو : حينما يلعب – مثقف – دور رجل أمن ويستميت ايضا في قلب الحقائق ودعم الأخطاء فيقدم المسوغات ويسعى بكل قوة لايجاد – صيغة – يرمي بها كل فشل جماعته على المختلف ؟ . هذه القاعدة ستقودنا إلى أولى مقدمات الإستبداد المتمثلة بإعلان احكام الطوارئ وتعليلها تحت بند كل شيء من اجل القضية ؟! وذلك لضبط المجتمع وسهولة اقتيادها ؟ ورغم كل ذلك ؟ . سيبقى هناك السؤال الأهم ؟ عن أية قضيةأو معركة نتكلم ؟. وإن وجدت معارك ! أفلا تستوجب السؤال ؟ لماذا نخوضها لهذه المعارك ؟! . وتبقى الغاية من كل هذه الإستفهامات وكأنموذج كوردي : حالات التهرب الصريح من الإستحقاق القومي وبذرائعيات تغلب عليها سفسطة جدلية تخلط وبتقصد بين التكتيك والإستراتيجيا ، في تقصد واضح للعقول واستغبائها .
إن السعي الممنهج لترويج تهمة تخوين الآخر ، والعمل على إظهارها كمجموعة افراد فاقدة الحس والمسؤولية وإلصاق أبشع الصفات بها وفق ميكانيكية ما مارسته قوى الظلام في القرون الوسطى ، هذا الأمر له أكثر من دلائل على مدى تلبك وضعف قناعة الجهة الممارسة ومنظريها بتصوراتها كما والدفاع عنها . وعليه ، أن تقوم أية جهة بتبرير فشلها وكل ممارساتها الخاطئة وتبني عليها تهما ترميها على عواهنها ، فهي لن تخفي جملة المغالطات والصفقات المدمرة لها مهما برع مصفقوها – ثقافيا ! – في تبريرها ، إن كترويج باهت أوكتفسير لمراوحة عقائدية يقدمونها كتقية على حساب القضية القومية ، ويبنون عليها سياسة التخوين الممنهج لتكثيف الضغوط من جهة وتطويق الأزمة البنيوية كواحدة من إفرازات العقديات ، وكنتيجة حتمية للفرط في قضايا كثيرة التي تفترض بدل الإستمرارية في تخوين الآخر !! القيام بمراجعة نقدية صريحة وواضحة ، ويفترض بها الا تقف عند فرط قداسة الجغرافيات وتنتهي بالآيديولوجيات سيما أولئك العابرين لفضاءات الشعوب والقوميات ، كما عند دعاة أخوة الشعوب والأمم الديمقراطية ، إلا إذا كانت تلك الشعارات بحد ذاتها بدعة متحولة .
إن المعادلات السياسية على أرض الواقع كما في أية مسرحية او رواية ، تتمظهر في خواتيمها التي تجرجر ذاتها فتتقاطع مصالحها وتتسارع لتخلق صراعا بين الفئات المتلاحمة زعما وبباطنية متناحرة ، فتنكشف حجم التابعيات المتفرعة لمتناقضات عديدة خاصة حين الفرز و سعي كل فئة / جماعة في البحث كما وتحديد المفيد كنتيجة حتمية تراها وكثمن لما استثمرته في تلك المجموعات .
إن التلون الخاصوي وأساليب التمييع في اللعب بالتصريفات الحقوقية ، كانت هي في الأساس مقدمات حقيقية لابل وكعهدة عمرية متفقة عليها ومنح على شاكلة صك ضمان يبرز حين الطلب ، ويغلف بعبارات باتت صعبة التمرير والتبرير في زمن المعلوماتية والوجبات السريعة ، لابل ومعطلة لسرعة ملاحقة الأحداث ، قد تكون في ذات الوقت سهلة التمرير عبر مرياعية متفننة ولقطيعية تعودت ان تكن عيونها دائما مغمضة او متجهة الى الأمام فقط . وكتوضيح لما ذكرناه يمكن ان نستخلصها ببساطة عند قراءة واحدة من اجمل روايات الكاتب الألباني اسماعيل كاداري / فجوة العار / والتي تتقاطع مع أشهر روايات القرن العشرين للكاتب جورج اورويل بعنوان ١٩٨٤ وكان قد كتبها عام ١٩٤٨ . هذه الروايات الفاضحة جدا لأنظمة الحكم الشمولية … / …. ومن ناحية ثانية صورة مؤلمة للكيفية التي تمحى بها أمة بكاملها عن خريطة العالم .. وهي كيفية تبدو هنا تدريجية الحدوث حيث يتم أولا محو فكرة الثورة ضد المحتل من أذهان هذه الأمة ، ثم محو ثقافتها الوطنية بكل ما فيها من فنون وأفكار وأدب وعادات وصولا الى محو اللغة ومن بعدها الذاكرة الوطنية ككل ، فهل يذكر هذا الكلام قارئ اليوم بشيء أو بأمة محددة ٢ ؟! .
وكتكثيف للطوباوية التي يسعى مجندو عقديات الإستبداد وتابعية المراييع هي تلك الترنيمة بأهزوجتها الباهتة حينما يرددون :
إنهم الرفاق .. نعم الرفاق ؟! .. أمعقول أن يخطئ الرفاق ؟! ..، لا لا مستحيل ؟! مستحيل أن يخطئ الرفاق ؟! بل هم الأعداء والخونة .. المتآمرون على الحزب ، والرفاق يخطؤون ويرتبونها في وضعية ليثبتوا وكأن الرفاق هم من أخطأووا ؟! كم انتم جبناء وتستحقون السحق وانتم تلصقون تهم الخطيئة بحق الرفاق !! .. الرفاق لا يخطؤون ايها المخطؤون ؟! .
…
١ – جبرية عصفور نسبة للكاتب المصري جابر عصفور الذي سقط في شرك السلطة كأنموذج قبل التوزير في آخر حكومة لحسني مبارك ، وعقلية عرسان نسبة للكاتب السوري البعثي الذي حول اتحاد الكتاب والادباء السوريين لفترة طويلة الى ما يشبه فرع امني ..
٢ – …. نقلا جريدة الحياة العدد١٨٥٩١ صفحة ١٠ تاريخ ٢٧ / ٢ /٢٠١٤ .. ابراهيم العريس .
التعليقات مغلقة.