المجلس الوطني الكوردي في سوريا

حول حديث بشار الأسد عن القضية الكردية على قناة روسيا 24. 2/2

129

لن يكون هناك سلام على الأرض السورية، ما دامت ذهنية ألغاء الأخر متسلطة على بشار الأسد وجماعته، أو أي مجموعة عروبية مماثلة ستسلم لها السلطة في دمشق، وسيستمر الصراع الجاري بين الشعوب القاطنة ضمن جغرافيتها، إذا لم يتحرروا من ثقافتهم الفاسدة، ويتعاملوا مع الشعب الكوردي وحراكه بمنهجية المساواة؛ واعتبارهم القومية الثانية في الوطن، والتخلي عن المعاملة الإلغائية التي ساقوها مع المعارضة السلمية عام 2011 والتي أدت إلى دمار سوريا.

 

وما دامت الأفكار العنصرية ستطرح بين حين وأخر؛ وستنشر على الإعلام، فلا يمكن تجاوز حالة الحرب في سوريا، ولن يكون هناك أمل في إقامة حوارات سياسية ديمقراطية، حتى وإن تمت فلن تنتهي إلى الأمان. وتغاضينا عن التصريحات الخارجة عن المسؤولية الوطنية، من رئيس الهرم الإجرامي، دون محاكمته وإدراجها ضمن جرائمه، حتى ولو كانت غيابية، والتي تعتبر من ضمن قبائحه وكبائره التي لم تعد تحصى، فقادم هذا الوطن لن يكون بأفضل من حاضره. فبما خلفه من الجرائم والبشائع بحق المجتمع السوري، والإنسانية جمعاء، حتى مع طائفته العلوية، رغم الأغطية العديدة من الخبث والدعارة للهيئات الإقليمية، خلفت تشوهات في صورة العربي والسوري عالميا إلى أبعاد مقرفة، دون أن يبالي، لأن جل همه الحفاظ على الإدارة والكرسي، واستخدامها كمنصة للعهر بالوطنية، ومن ثم إنقاذ ذاته والمحاطون به من منصات الإعدام.

 

فمن الواضح، من جهة أخرى، أن بشار الأسد وهيئته الإدارية نشفت منهم القيم البشرية، وهي التي مهدت فيه الانحرافات الفكرية وشوهت معارفه، عن تاريخ الشعب الكوردي والسوري أيضاً، كما ونمت فيه الصور النمطية الشاذة عن الشعوب الأخرى، بل وحتى عن الشعب العربي الأصيل، وأدت إلى ما هي عليه سوريا الوطن؛ أو العروبة اليوم كما يدعي، والتي يعد ذاته وعائلته منتسبا إليها، متناسيا أو جاهلا أنه لا علاقة له بالعروبة التي يتبجح بها، وجل هذا التكالب، هي للتغطية على خلفيته المشكوكة فيها، مثلما يتناسى التكوين الحقيقي لدولة سوريا الحالية، لقيطة مصالح فرنسا، والتي عمرها لا تتجاوز عمر أحدث القرى الكوردية في جنوب غرب كوردستان، وأبسط مثال قرية أجدادي (دوكر والتي عمرها قرابة 300 سنة الواقعة شرق قامشلو) ومثلها قرابة 80 قرية في المنطقة ذاتها والتي تم ذكرهم في اتفاقيتي أنقره 1و2 بين فرنسا وتركيا الكمالية قبيل تشكيل سوريا الحالية، في مرحلة لم يكن هناك وجود للمكون العربي كحضر أو قبائل رحل في كل شمال نهر الفرات، ونحن هنا لا نتحدث عن واقع مماثل في المناطق الكوردية الأخرى ما بين قامشلو وشرق الفرات، وغرب الفرات ومنطقة عفرين حيث هناك عائلات تملك بيوت عمرها تتجاوز 500 عام ومنها ظهر العديد من أعضاء البرلمانات العثمانية منذ سلطنة سليمان القانوني، والوثائق العثمانية والأوروبية عديدة في هذه بإمكان بشار الأسد والذين يلقنونه المنهجية الإلغائية الاطلاع عليها، عله يغير قليلا من صوره النمطية المشوهة عن تاريخ جنوب غرب كوردستان. ولربما من المهم كتابة تاريخ ميلاد سوريا الحالية كجغرافية، على الوثائق الرسمية التي تقدم له، ليتعلم شيئا من تاريخ الدولة التي أصبح المجرم الأكبر فيها، والمطلوب عالميا وداخليا كمجرم حرب، والذي ستلعنه الأجيال القادمة من الشعوب السورية وعلى مر التاريخ.

 

وفي البعد النظري، لا جديد في مواقف بشار الأسد اليوم، فحديثه عن الكورد ومن على قناة روسيا 24، تعكس منهجية البعث السابقة مضافة إليها مسيرة سنوات تسع من ثقافة الإجرام، وحيث عنجهية المنتصر على جثة سوريا، الحاصلة عليها على خلفية المساعدات الروسية السياسية العسكرية الطائلة، وخدماتها، والميليشيات الإيرانية الشيعية، فبهذا المنطق من مقاربة وضع الحلول لسوريا القادمة، ومعالجة القضية الكوردية، ومثلها قضايا سوريا الأخرى، سيكون من شبه المستحيل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا، بل وعلى الأغلب سيستمر في خلق عوامل جديدة لغرقها في الحروب الأهلية الجارية، وتمزيقها كوطن، وإفراغها من الديمغرافية المتبقية، وتدمير ما تبقى من اقتصادها، والتي جلها تكمن في المنطقة الكوردية، التي يرفض الاعتراف بشعبها وقضيته.

 

وفي البعد السياسي العسكري، حديثه يعكس الموقف الروسي في صراعها مع الأمريكيين في شرق الفرات، مستخدما الهجوم على الكورد كحركة استباقية لما بعد الانتهاء من منطقة إدلب. فقد كانت روسيا حتى قبل شهور تسخر تركيا لإرسال نفس الرسائل إلى الأمريكيين، وبالطريقة ذاتها، وبنفس النبرة الكلامية، ففي الوقت الذي كانت روسيا تطعن فيه التحالف الكوردي الأمريكي، كانت تتحفظ على تقديم نفسها كحليف لأي طرف من أطراف الحراك الكوردي بديل عن أمريكا.

 

واليوم وبعدما أنتهى الدور التركي، بدأت روسيا تستخدم بشار الأسد وشخصيات من إدارته لإرسال نفس الرسائل إلى الأمريكيين عن طريق الطعن في الكورد كقضية وشعب، وبأبشع الأساليب، مستهتراً بألاف الشهداء والجرحى والتضحيات الجسام الذي قدمه الشعب الكوردي، في إنقاذ، ليس فقط المنطقة الكوردية من الإرهاب، بل قرابة نصف جغرافية سوريا.

 

فالنظام وكذلك روسيا يدركان تماما أن الكورد اليوم أصبحوا قوة ويمثلون طرف مهم في المعادلة الدولية ضمن سوريا أو حتى في العلاقات السورية الدولية، خاصة وأن حليفهم هي أمريكا، رغم الإنكار المتعمد ضمن المحافل الدولية وفي المؤتمرات التي تعقد من أجل سوريا، ويتعاملون مع حراكنا من منطق الخداع على منهجية السيادة والموالي، وعنجهية المركزية والتابع، فعلينا جميعا كحراك كوردي الانتباه إليها، والرد من منطق المساواة والتعامل بالمثل، فالذي لا يبالي بهذه التضحيات ويستمر في التعامل معنا كمواطن من الدرجة الثانية، ويستخدم نفس منهجية الأنظمة الشمولية السابقة، وأساليب مربعاتهم الأمنية، ويردد مصطلحاتهم، رافضا الاعتراف بوجود قضية كوردية، أو شعب كوردي، ويصنفنا مواطنون سوريون ما بين مهاجر إليها ومن سكنها تاريخيا كهارب من الكوارث، وتقسيم حراكنا، ما بين الخيانة والموالي، حسب مصالحه كنظام شمولي مجرم، يكاد يكون من شبه المستحيل الحوار معه بدون ضمانات روسية أمريكية مؤكدة، تتقدمها مشروع كوردي يرتكز على النظام الفيدرالي اللامركزي.

 

فتركيز بشار الأسد في حديثه على الوجود الأمريكي في المنطقة الكوردية، واعتبارها دولة مستعمرة لسوريا، يبين ذاته صاحب سوريا الأول، وعلى أساسها يقوم وبشكل غير مباشر بتهديدنا، واتهامنا بالخيانة والتعامل مع المستعمر، وهي تعكس بشكل مباشر على أنه لا يقبل الحوار مع الكورد، مادام الأمريكيون موجودون في المنطقة، والغياب الأمريكي تعني عدمية الوزن الكوردي، فلا نظن أن روسيا ستفضل القضية الكوردية على استراتيجيتها مع السلطة، والتي قدمت الكثير لها ماديا وعسكريا خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى الأغلب بشار الأسد وضح منهجية البعث حول القضية الكوردية وبدون مواربة، بعدما اعتبرها “عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب” والجرأة التي يتحدث بها، كما ذكرناها، جاءت على خلفية الموقف الروسي من الوجود الأمريكي.

 

ولا يستبعد أن تكون الغاية من حديثه الحالي عن قضيتنا وتاريخنا المتناقض كليا مع سابقاتها، بعد التعتيم الطويل، هي محاولة لفرض منطق الإملاءات الذي كان دارجا على مدى القرن الماضي، على الحوارات المتوقعة حدوثها مستقبلا، والأبعد، وعلى خلفية الانهيار الاقتصادي الحاد للنظام بعد توقف المساعدات الإيرانية، وقبل احتمالية تطبيق أمريكا لنظام سيزر ( أي توسيع الحصار على سوريا) العودة للسيطرة على منابع النفط في المناطق الكردية والتي حررتها قوات قسد من داعش وهي بيد الإدارة الذاتية بسند أمريكي، أو بيد الأمريكيين من خلال الإدارة الذاتية.

 

وهنا نطلب من حراكنا الكوردي عامة (خاصة الذين يتوقعون الحوار معه) الرد بتصريح مماثل، وبشكل رسمي، ويجب أن ينشر على الإعلام، وبموقف حاسم منه، على أننا رغم محاولة فتح أقنية للتحاور لإنقاذ الوطن من الكوارث، لا يعني أننا نبرئه كنظام مجرم، برقبته دماء أكثر من نصف مليون سوري، ويجب أن يعلم أن الحوار معه، وهو على هذه المنهجية، غير مجدية بل ويجب أن تكون مرفوضة كورديا، وإن فرضت بإملاءات خارجية، لا بد من أن تعقد بشروط مسبقة وضمانات دولية، خاصة الكورد يملكون قوة ضاغطة مناسبة، وكمرحلة مسبقة لأي حوار يجب أن يتراجع بشار الأسد والأخرين من إدارته عن تصريحاته بحق الشعب الكوردي، بل وعن الأطراف الوطنية من المعارضة العربية، وفيه يتم توضيح مطالب الشعب الكوردي، مع تقديم مشروع يعكس حقوقنا كشعب يعيش على أرضه التاريخية، ويقبل العيش مع الشعب العربي والأقليات الأخرى ضمن سوريا كوطن يجمعنا دستور ديمقراطي، ونظام لا مركزي فيدرالي.

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.