المجلس الوطني الكوردي في سوريا

التقرير السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، عن شهر شباط 2020

146

يوما بعد آخر تتجلى أكثر مرام وأهداف الدول المتدخلة في الشأن السوري، وكل واحدة تزعم خدمة سوريا ووحدة أراضيها، والمساهمة في حل أزمتها، فروسيا ترى في دفاعها عن النظام السوري دفاعاً عن مصالحها بشكل مباشر استناداً الى اتفاقها المبرم مع النظام لعقود قادمة، والنظام يستند الى الدعم الروسي والإيراني ليختار الحسم العسكري بدل الحل السياسي للازمة الذي ينشده المجتمع الدولي برعاية الأمم المتحدة وعلى قاعدة مؤتمر جنيف1 والقرارات الاممية في هذا الشأن (القرار 2254 والقرار2118 ..الخ ) وأمريكا فضلا عن دعمها للتوجه الدولي نحو الحل السياسي للأزمة السورية ترى في الترتيب اللازم على الأرض هو مساهمة في تقريب وجهات نظر الدول المعنية من جهة وضغط يدفع بالنظام للمثول لذاك الحل السياسي من جهة أخرى.
وعليه، كانت حتى الأمس القريب المنافسة قوية بين العديد من الأطراف المعنية ولاسيما محور (سوتشي- آستانا) من جهة، والمجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة والدعم المباشر من التحالف الدولي من جهة أخرى، لكن يبدو أن المعادلة في هذا الصدد قد تتفكك أولا بأول، فالصراع اليوم في أوجه بين كل من روسيا وإيران مع تركيا تشهدها ساحات المعارك في ادلب، في حين كان المتوقع ان تنسحب تركيا من ادلب مقابل وقوف روسيا واتفاقها مع تركيا (حول المنطقة الآمنة)، لكن يبدو ان تركيا تزعم أن في انسحابها ذاك خسارة لها وتراجعاً في دورها، ما يعني بزعمها تدفق المزيد من اللاجئين السوريين الى أراضيها، كما تفقد الثقة أمام المعارضة السورية، فضلاً عن أنها تسعى لتعزيز تواجد المعارضة هناك بحكومتها المؤقتة الى جانب تنشيط فعالياتها على أرض الواقع.
في سياق متصل، تتجلى أكثر خيوط وتشعبات سياسة التحالف الدولي وفي المقدمة منها أمريكا، حيث تسعى لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة، بعد أن كانت توحي أو تصرح غير مرة بالانسحاب منها، ولم تتردد في وضع يدها على منابع النفط والغاز ومعظم المناطق الغنية بثرواتها الطبيعية سواء في سوريا أوفي العراق، كما تبدي رغبتها لتمكين تركيا في ادلب عبر محاولات دعم قوات حلف الناتو لها، في سعي لعودة حليفتها الى حاضنتها من جديد، بعد أن تزعزعت عوامل الثقة فيما بينهما، ليتم ترميم العلاقات التي تصدعت حيناً من الزمن، على أمل الترتيب معا لمرحلة جديدة نحو خدمة المصالح المشتركة ولو لفترة زمنية محددة، لأن قضايا الخلاف بين الجانبين متشعبة ومتفرعة ان كان على الصعيد الدولي أو الإقليمي أو في جانب بعض الدول العربية ومنها قطر وليبيا.
تركيا، تزيد من وتيرة صراعها العسكري في ادلب ضد النظام السوري المساند من روسيا وإيران، ورغم الاتفاق الهاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب اردوغان على بضع نقاط، إلا أن النظام السوري لم يلتزم، ويصر على الحسم العسكري في استعادة ادلب الى سيطرته، ما يعني ان هوة الخلاف تزداد بين موسكو وأنقرة، وقد تصل الى حد الأزمة المستعصية، خاصة اذا تلقت تركيا نوعا من العون الأطلسي ( حلف الناتو)، وبالتالي قد يزداد الوضع شدة في صراع سياسي مباشر بين دول استانا (روسيا وايران من جهة) وتركيا من جهة أخرى، وقد تتسع دائرة الصراع إلى أبعد من ذلك لتشمل دول غربية أخرى تمارس هي الأخرى دورها لتساند تركيا في هذا المضمار، خاصة أن أمريكا ربما تزيد من ضغوطها في المنطقة على النظام السوري وإيران أو حتى على روسيا عبر تنفيذها قانون سيزر (قيصر)، ما يعني أن المنطقة برمتها أمام مرحلة جديدة من الصراع سياسياً وعسكرياً.
إيران من جانبها ترى دعمها للنظام السوري من أولى أولوياتها، إلا أنها قد أثقلت كاهلها بأعباء إضافية عبر صراعاتها المتشعبة في المنطقة فهي في احتدام مستمر مع العديد من القوى الإقليمية والدولية، لها دورها الواضح والمتميز في الأزمة اللبنانية واليمنية والعراقية بالإضافة الى الأزمة السورية، كما أن صراعها مع المجتمع الدولي وخصوصا أمريكا مستمر دون توقف، هذا إلى جانب معاناتها الوضع الداخلي بأزماتها المتفاقمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فضلًا عن الصراع داخل مؤسسات النظام الإيراني نفسه ولاسيما الاصلاحيين والمحافظين، تجلى ذلك في حجم الاقبال الضعيف على التصويت في الانتخابات الأخيرة، ما يعني أن نسبة الاقبال على التصويت لم تتجاوز الـ 25% من مجموع الناخبين، ذلك هو المعيار الحقيقي لمدى تقبل الجماهير الشعبية للنظام القائم في إيران، أي ان النظام الإيراني يسير نحو الإفلاس الجماهيري يوما بعد آخر، نتيجة معاناتها من النظام سواء لجهة القمع والتنكيل الدائم لأي صوت معارض، أو الاقتصادي والمعيشي ..
العراق، تزداد الأزمة العراقية استفحالاً، فالاحتجاجات الجماهيرية ماتزال مستمرة، والرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة مازال يبذل الجهود والمساعي للتوفيق بين الاعتماد على الكفاءات المستقلة وبين ارضاء الكتل السياسية، في حين هذه الجماهير المحتجة لا ترى تلك المساعي معبرة عن إرادتها بدعوى أن المكلف بتشكيل الحكومة لا يرتقي إلى مستوى طموح المحتجين أو أنه غير مستقل، فضلا عن أن بعض الكتل السياسية لم تعلن عن موافقتها بشكل علني وصريح، في حين المطلوب هو ارضاء المحتجين بتلبية مطالبهم المشروعة بما هي توفير الخدمات الضرورية وتوفير فرص العمل وتأمين العوامل الأساسية للمعيشة ..الخ، هذا الى جانب مكافحة الفساد المالي والإداري، ومحاسبة المسيئين والذين ارتكبوا جرائم قتل المحتجين، وبالتالي دون المساس بدستور العراق، كل هذه القضايا والمسائل وغيرها العصية عن التحقيق، أو التي تقتضي تضافر الجهود على قاعدة التفاهم الوطني بعيدا عن دور العوامل والمؤثرات الخارجية ولاسيما دور إيران السلبي في هذا الوضع المتأزم.
إقليم كوردستان، فيسير بخطى حثيثة نحو المزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويحظى بمزيد من احترام الأصدقاء إقليمياً ودولياً، تجلى ذلك بوضوح عبر لقاءات رئيسي الإقليم والحكومة في المحافل الدولية الأخيرة بالعديد من زعماء وقادة دول العالم.
ويذكر أن الإقليم سيأخذ مكانه قريباً في هيئة الأمم المتحدة بمقعد مراقب، ومن الملفت أن المشروع القومي الكردستاني المبني على نهج الكردايتي نهج البارزاني الخالد والذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني يتقدم يوما بعد آخر، ذلك لحكمة القيادة وتفاهم القوى السياسية الكردستانية ووجود نوع من التجانس والتنسيق بين الرئاسات الثلاث (الإقليم والحكومة والبرلمان)، ولئن اعترضت أحيانا بعض السلبيات هنا وهناك، فذلك يدرج في سياق عثرات المسيرة التي لابد منها، والتي يذللها الحوار والنقاش والتفاهم باستمرار، ويبقى الجانب المتعلق بالمركز أو الحكومة الاتحادية قيد التشكيل، يكون مرهوناً بأوقاته المناسبة.
كوردستان سوريا، إن حزبنا (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا) الى جانب المجلس الوطني الكردي في سوريا، يولي أهمية خاصة لوضع المناطق: (عفرين، كري سبي، سري كاني) ومعاناة أهلها وسكانها، حيث بذل المجلس عبر رئاسته ولجنة العلاقات جهوداً حثيثة باتجاه تخفيف أو انهاء المعاناة تلك، سواء مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو عبر اللقاءات مع ممثلي العديد من الدول إقليميا ودوليا، وقد حظيت اللقاءات تلك بتجاوب تلك الدول، ونالت اهتمامها.
وفي جانب الدعوات والمساعي من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية على طريق وحدة الموقف والخطاب السياسي، وخصوصا بين المجلس الوطني الكردي و (ب ي د) فالمجلس مازال عند موقفه المتجاوب مع الدعوات تلك، لكنه يرى بنفس الوقت أن الطرف الآخر مازال بعيداً عن تفهم الحراك الدبلوماسي أو يتجاهله، أو أنه يبحث عن الذريعة للتنصل من دعواته تلك.
إننا في الوقت الذي نؤكد عزمنا بالتفاهم على شراكة حقيقية بين الأطراف المعنية، نرى بأن الجانب الآخر أيضاً معني بإقرار وقبول تلك الشراكة بعيداً عن اختلاق الذرائع والحجج للتهرُّب أو التنصل من تلك الدعوات والمساعي.

المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
قامشلو 1 / 3 / 2020

التعليقات مغلقة.