المجلس الوطني الكوردي في سوريا

مَنْ المواطن المهاجر في الجزيرة السورية؟ 2/2

136

مَنْ المواطن المهاجر في الجزيرة السورية؟

2/2

هجرات الكورد من وإلى الجزيرة؟

بنى دعاة الهجرات الكوردية منهجيتهم على صفحات التاريخ المحرف، البالغة أبعاد أصبح المحرفون ذاتهم يقتنعون بها ويصدقون ما دونوه، ونسوا الحقائق، وكما قيل ” التاريخ مرآة الشعوب” فهذا الكم الهائل من التشويهات تعكس ذهنية من نسخوها، الذين تناسوا، أنه بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وصعود المفهوم القومي العروبي، كيف ركزت السلطات العروبية وخاصة البعث والأسدين على تطبيق النهجين الرئيسيين العنصريين ضد الكرد:

1-     كتابة تاريخ المنطقة بمهنية ملتوية؛ خالية من المصداقية، قدر ما تمكنوا.

2-     التعتيم المطلق للتاريخ الكوردي ووجودهم كشعب على أرضهم الملحقة بسوريا الحالية.

وسخروا لإنجاح هذا الفعل إمكانيات ثقافية وسياسية واسعة، وتمادوا فيهما قدر ما استطاعوا، ومعها تم ردع الحراك الكوردي؛ وخاصة الثقافي منه، ونجحوا إلى حد ما، لأن جميع أدوات النشر والإعلام كان محاصرا، وبيد القوى الأمنية، في مرحلة كان الحراك الثقافي الكوردي لا يزال في بداياته، والموجود كان مراقبا من قبل الدوائر الأمنية، وكان يمنع عليهم النشر والكتابة في المجالات المتعلقة بالكورد، أي كان الموضوع.

والأهم من كل هذا استخدمت السلطات وبتركيز؛ منطق إلغاء الوجود الكوردي، فعلى مدى نصف قرن وأكثر لم يذكر أي من رؤساء سوريا أسم الكورد إطلاقاً، في خطاباتهم أو تصريحاتهم أو حواراتهم، ولم تستقبل أية دائرة من دوائر السلطة أو مسؤولا مدنيا؛ كرديا بصفته القومية، ولم تنشر مراكز الدولة كلمة عنهم في الصحافة السورية والإذاعة والتلفاز، وعوملوا كأنه لا وجود لهم في سوريا.

وبالمقابل، كانوا في الواقع العملي، يتحدثون عن الشعب الكوردي، ويذكروننا في اجتماعاتهم الحزبية والحكومية السرية، لغايات عدة:

1-    حصرنا سياسيا، داخليا وخارجيا.

2-    تنفيذ مخططات الحصار الاقتصادي، وطبقت عدة مشاريع تدميرية وعلى مراحل زمنية متتالية.

3-    تحجيم الحراك الثقافي؛ حتى عندما كانوا يعملون في مجال الدوائر الثقافية العربية.

4-    والأهم القضاء على ديمغرافيتنا، والتي على أسسها بدأوا بالإحصاء الاستثنائي الأخرق، والتهجير، وترسيخ ما تم من عمليات الاستيطان العربي قبل وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، بعد الثلاثينات من القرن الماضي، عندما ساعدوا القبائل العربية المهاجرة؛ وعلى مراحل؛ من شمال شبه الجزيرة العربية من منطقة (حائل) واستوطنوهم في المناطق الكوردية، ونحن هنا نتحدث عن مرحلة انتقالهم من  جنوب مجرى نهر الفرات وبادية الشام إلى شمال نهر الفرات، ولا نظن أن أي من الباحثين العروبيين أو المستعربين، يمكن تقديم مصدر أو وثيقة ذات مصداقية أو موثوقة تثبت وجودهم في شمال الفرات ما قبل هجرتهم بعد نكسات ثورات حائل في شمال شبه الجزيرة العربية.

أستمر التعريب وبناء المستوطنات، واستخدام النهج العنصري بدون رادع، إلى أن ظهرت ثورة الإنترنيت، وتحررت الحركة الثقافية الكوردية من قيودها بعض الشيء، وتمكنوا من البحث والنشر وتصحيح تاريخ الجزيرة ونقدها، ورغم صعوبة الصراع، إلا النتائج بلغت سويات لا بأس بها، تلقفتها الهيئات الثقافية العالمية، وتبينت للمحافل الدولية ما فعلته السلطات العروبية بتاريخ الشعب الكوردي.

في هذه المرحلة كان لا بد لهذه السلطات وأدواتها من إيجاد البديل عن تحريفاتهم وعن التعتيم على الوجود الكوردي في الجزيرة، وعن مسيرة التعريب الواضحة، بإتباع أساليب وعرض دراسات تتلاءم والعصر، فقاموا بدعوة الأكاديميين والباحثين العروبيين، وعقدوا مؤتمرات سياسية ثقافية سرية، لإنقاذ الموقف، فخرجوا بعرض مقترحات، بعضها بنيت على نشر أكاذيب وبعضها الأخر على الاتهامات والتلفيق والتهجم على الحراك الكوردي، بعضها ظهرت بمهنية عالية، ومنها تعكس سوية ثقافية ساذجة وبتقصد، لتظهر وكأنها مفاهيم العامة، وجلها بتخطيط مبني على دراية.

1-    الكذبة كانت بنشر الدعاية على أن الكورد في الجزيرة السورية، مهاجرون قدموا من تركيا، وجند لهذه الخدعة التاريخية مجموعة من الباحثين والأكاديميين، خصصوا لهم ميزانية، وفتحت لهم جميع الأبواب حتى الأرشيف السري للمربعات الأمنية وحزب البعث ومراكز الجمارك، إلى جانب الوثائق التاريخية الخاصة بالهيئات العليا للدولة. وتم توظيف لجان مساعدة لكل باحث لصنع الوثائق، وتلفيق وتحريف المتعلقة بهذه القضية، وعرضوها كمصادر تاريخية، كما وأتبعهم مجموعة من الكتاب الصغار المجندين، لكتابة المقالات الساذجة، أو مؤيدة للكتاب الكبار، لترسيخ المفهوم ذاته، وبطرق متنوعة.

2-    استمرت السلطة السورية على هذا النهج إلى أن ظهرت الحرب الطائفية، وهروب مجموعة الأكاديميين العروبيين والمستعربين، فتلقفتهم دولة قطر، وأنشأت المركز المذكور، برئاسة الفلسطيني المستعرب، عضو الكنيست الإسرائيلي، عزمي بشارة، مع مجموعة من أساتذة جامعة دمشق، وبعض البعثيين أمثال محمد جمال باروت، الذي كان يحمل معه مخطوطات كتابه المكلف به من قبل سلطة بشار الأسد، منذ سنوات، والذي يبحث في تاريخ الجزيرة وكذبة هجرة الشعب الكوردي من شمال كوردستان إلى سوريا، لا يزال هؤلاء مستمرون على إثارة هذه الإشكالية إلى أن أصبحت من البنود الرئيسة المعتمدة لدى المعارضة السورية العروبية ومعها التكفيرية الإسلامية المتفقون وسلطة بشار الأسد في هذا البعد، ولذلك فعلاقاتهم ورؤيتهم للكورد في جنوب غرب كردستان متشابه ومتقاربة، وهي تتبدى في مواقفهم من البنود المتعلقة بحقوق الكورد في الوطن عند كتابة الدستور القادم.

لا ننكر أن الشعب الكوردي كان ولا يزال يهاجر من منطقة كردستانية إلى أخرى، على خلفية صراعاتهم مع الأعداء المحاطون بهم ومنذ قرون عديدة، وخاصة بعد الاجتياح العربي الإسلامي، كالهجرة التي يتحدثون عنها، وأخرها الهجرة من جنوب غرب كوردستان إلى جنوب كوردستان وشمالها، ولكنهم لم ينتقلوا يوما إلى الأراضي العربية أو جغرافية أية قومية أخرى، باستثناء الهجرات التي تمت بالقوة على خلفيات عدة منها: إما للتغيير الديمغرافي لمنطقة من مناطق الثورات الكوردية، أو لإسكان قبائلهم في المناطق الكردية الخصبة، أما غيرها فهي لم تتجاوز جغرافية كوردستان.

وهنا علينا ألا ننسى ما رافق هذا التحريف وطرق الطعن في الوجود الكوردي في الجزيرة، أساليب التعتيم على هجرة العشائر العربية في عام 1910 أي بعد ثورة حائل، المذكورة سابقا إلى المناطق الكوردية ومن ضمنها إلى الجزيرة أي شمال نهر الفرات، وذلك على خلفية خسارتهم أمام قبيلة عنزة، برئاسة أل السعود. وفي الواقع تم قبلها تحريف معظم التاريخ الإسلامي والعربي، وبدايات خروج العرب من شبه الجزيرة العربية وأول ظهور لهم في مناطق كوردستان.

3-    جندت السلطات العروبية والمستعربة، شريحة من كتاب الدرجة الثالثة والرابعة، لملاحقة كتابات الكتاب الكورد، في المواقع الإلكترونية، وخاصة العربية، والتركية، وبثوا مفاهيم ساذجة عن التاريخ:

أ‌-       كقضية الفرمان الأرمني، واتهامهم للكورد بما جرى للأرمن للتغطية على الجرائم التركية. ونحن هنا لا بد من التذكير أنهم عتموا على ما فعله الأرمن تحت غطاء الجيش الروسي بالكورد في مناطق شمال كوردستان،

ب‌-   أو أنه لا يوجد كوردستان بل هي أرض مملكة الأشوريين، وغيرها من التفاهات التاريخية. والتي بعضها لا تزال تنشر كتعليقات على مقالات الكتاب الكورد، والغريب أن جل تعليقاتهم لم تكن لها صلة بمواضيع المقالات، والديباجة هي ذاتها وبشكل دائم، وكانوا ينشرون التعليقات تحت أسماء أرمنية أو أشورية، وتبين فيما بعد أنه لم يكن بينهم أي أرمني أو أشوري، فقط كانوا مجموعة من الذين جندتهم السلطات العروبية، وقد تابعناهم، واكتشفنا منابعهم، وكتبنا فيهم مقالات نشرتها نفس المواقع التي كانت تدعم أو تتغاضى عن تجاوزاتهم، كموقع إيلاف وأورينت، وغيرهما، وتم الرد والرد المعاكس من هيئة تحريريهما، ومن نفس المعلقين المرتزقة، وبعضها جاءت من المركز العربي للإستراتيجيات، ومن بعض الكتاب المحسوبين على المركز، إلى أن حصل خلاف بيننا وبين الموقعين بالتحديد وامتنعوا عن نشر مقالاتنا، وتبين فيما بعد أن بعض أنصاف الكتاب هؤلاء والمعلقين كانوا من بعثيي منطقة الجزيرة، وبالتوازي مع المقالات، قمنا بنشر تعليقات على تعليقاتهم، وجرت بيننا حوارات، من خلالها أثبتنا منابع تجنيدهم وارتزاقهم، وقمنا بتعريتهم وتعرية السلطات الداعمة لهم، بمقالتين نشرتا في الموقعين دون أن ينتبها ثانية في البداية، وبالمناسبة واحدة منها في موقع إيلاف حصلت على قرابة 75 ألف قراءة.

4-    ولمدى تأثير هذا التحريف على الساحة الثقافية، سقط فيها البعض من باحثينا الكورد، ومنهم من أستخدم كتاب محمود جمال باروت كمصدر لدراساته، في الوقت الذي كنا قد أثبتنا أن معظم مصادره مطعونة فيها، بل وأن البعض الأخر من كتابنا حتى وعندما طعنوا في تحريفه إلا أن تذكيره والاعتماد عليه كمصدر ناقصة لا يغفر لها.

5-    كما ولخلفيات مشابهة، ولأسباب جلها سياسية، غضت معظم المواقع الكوردية في جنوب كوردستان، وبعض مواقع الإدارة الذاتية الطرف عن مقالاتنا، ودراساتنا.

هذه القضية تعتبر اليوم من بين الإشكاليات الرئيسة التي يجب عرضها، عند الحوار مع الأطراف السورية، حول القضية الكوردية في الجزيرة، وعرض الفيدرالية كنظام لا بد منه لقادم سوريا قبل المنطقة الكوردية، وعند الحديث عن التغير الديمغرافي الكوردي في الجزيرة أي محافظتي الرقة والحسكة، أو في الباب أو جرابلس أو عفرين. ويجب، عند كتابة دستور لسوريا القادمة، إحاطة الجميع بهذه الإشكاليات، ومحاولة إقناعهم بمجريات تغيير التركيبة البشرية، ولا بد من الاعتراف أن الجزيرة الملحقة الآن بسوريا، كانت ولا تزال كوردية تاريخيا، وجغرافية هي جزء من كوردستان، حتى ولو كانت الآن تدرج ضمن سوريا كوطن.

 

 

التعليقات مغلقة.