دخلنا الشهر الثاني من العام 2020، والوضع السوري نحو المزيد من التدهور، وما نشاهده في كوردستان سوريا، والوضع المتأزم الذي وصل إليه الشعب الكوردي من جميع النواحي، وتعد الخطوة العملية التي قام بها المجلس الوطني الكوردي من خلال فتح مكاتبه، بادرة حسن نية من جانب المجلس في اتجاه توحيد الصف والموقف الكوردي، والآن الخطوة التالية هي من الجانب تف دم وب ي د لفسح أرضية حسن النية والثقة.
في مناطق شمال غرب سوريا، ثمة تدهور خطير غير مسبوق، خاصة أمام الخلافات العميقة بين روسيا وتركيا، وما تمخض منها من دمار وقتل وتشريد الملايين من تلك المنطقة إلى الحدود التركية، ما يؤدي إلى أزمة انسانية كبيرة وخطيرة.
أمام ما يحدث، ببالنا مجموعة تساؤلات:
1- كيف ترون الخطوة العملية الذي قام بها المجلس الوطني الكوردي؟ وما المطلوب من الطرف الآخر لتحقيق أرضية الحوار والتوافق الكوردي؟
2- ما تحليلكم لكل ما يجري في ادلب؟
3- برأيكم هل ما يجري على الأرض السورية إن كان كورديا أو سوريا بموافقة أمريكا، أم لا؟ ولماذا؟
4- تداخل الخيوط السياسية والمصالحية على الأرض السورية وتشابكها، هل هو بداية نهاية الحل العسكري والتوجه نحو الحل السياسي، ولماذا؟
المطلوب لتوحيد الصف هو تقديم مشروع للنقاش حوله او بموجبه
تحدث عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين، بالقول: « تصريح المجلس بفتح مكاتبه ومقرات احزابه ليس سوى اعلان بذلك، لان المجلس على الدوام يتجاوب مع كل بادرة تخدم شعبنا الكوردي وقضيته العادلة، وهو من ينتظر الخطوات العملية من جانب “ب ي د”، كما ينتظر منه لخطوات عملية اخرى على طريق توفير عوامل الثقة بين الجانبين، ولكي يكون الحوار جادا ومثمرا، ينبغي ان يؤكد “ب ي د” على الشراكة الحقيقية بين الجانبين، ولا سيما في القرار والموقف السياسي، لان المجلس ليس المطلوب منه سوى قبول الحوار للوصول الى نتائج ايجابية تخدم الكورد وقضاياه المصيرية، وقد ابدى المجلس موقف القبول لمبدأ الحوار، لكن كيف الحوار وعلى ماذا ؟ ذلك هو المطلوب، اي ان المطلوب هو تقديم مشروع للنقاش حوله او بموجبه، كأن يتم التوافق على بنود اتفاقية دهوك مثلا، لتكون برنامج عمل للحوار او اي اتفاقية اخرى، او تقديم مسودة مشروع لاتفاق جديد ».
يتابع أمين: « ما يجري في ادلب هو صراع بين اكثر من طرف ( النظام السوري وبدعم روسي) من جانب، وتركيا وفصائل من المعارضة السورية من جهة اخرى، وهناك (جبهة النصرة) المصنفة على لائحة الارهاب الدولية من جهة ثالثة، روسيا وعبر اتفاقها مع تركيا بشأن المناطق الكوردية، كانت تأمل بانسحابها (تركيا) من ادلب، اي على شكل مقايضة بينهما (المناطق الكوردية مقابل الانسحاب من ادلب )، إلا ان تركيا ظلت متشبثة بإدلب دون انسحاب، لان في انسحابها كما تزعم يتم تدفق المزيد من اللاجئين الى اراضيها، وكذلك المجال يضيق ذرعا امام فصائل المعارضة، كما كان المطلوب من تركيا حل ( جبهة النصرة ) او توزيع قواها بين الفصائل العسكرية للمعارضة، وعليه ما زال الصراع عنيفا في ادلب، ويصر النظام وبدعم روسي على ضمها الى سيطرته، ويدل هذا الاصرار على ان النظام لازال يتبع خيار الحسم العسكري في حل ازمة البلاد ».
يضيف أمين: « ما يجري على الاراضي السورية لا شك بتوافق الجانبين الاساسيين ( الامريكي والروسي ) في الخطوط العريضة، لكن قد يحصل تباين او اختلاف بينهما في خطوات التنفيذ العملية، كما بدى ذلك من خلال الاتفاق الامريكي التركي والاتفاق الروسي التركي، ظهر ان الاتفاقين مكملان لبعضهما، وعلى ارض الواقع حصل الخلاف غير مرة لدرجة الاشتباك بالأيدي بين دورياتهما العاملة في المواقع العسكرية، لان التوافق الامريكي الروسي هو العمل وفق المسارين السياسي وعلى الارض، يتفقان من حيث المبدأ ويتنافسان في اسلوب العمل حيال ذلك، فالأمريكان يسيرون في المسار السياسي وفق مرجعية جنيف١ والقرارات الدولية ولا سيما القرار رقم (٢٢٥٤) وهو الاتجاه الذي يناوئه النظام وحلفائه، بينما الروس يسيرون وفق استانا – سوتشي، رغم ما تزعم روسيا ان مسارها مكمل للمسار الدولي وليس متعارض معه، وهذا ما يخدم الحل لصالح النظام السوري ورُؤاه، وهنا يتجلى التباين بوضوح ».
يختم أمين: « الواقع، ان تشابك المصالح وتداخلها بين القوى الاساسية على الاراضي السورية هو من بداية تدخلاتها العسكرية وليس الآن فحسب، كما ان الصراعات او المنافسات او الضغوط على النظام كل ذلك هو بهدف تعزيز المسار باتجاه الحل السياسي السلمي للأزمة في البلاد، لان خيار الحل السياسي هو المنشود وليس خيار الحسم العسكري الذي يتبعه النظام السوري وبدعم ومساندة حليفيه ( روسيا وايران )، لان الخيار العسكري اثبت فشله في الحل، ربما العنف قد ساعد احيانا لمقاربة الحل السياسي، وليس الحل بحد ذاته، وعليه فان النظام السوري قد يكون امام صعوبات اقتصادية وتحديات دولية كبيرة، يضيق المجال امامه اكثر، بل يكون امام احد الخيارين، اما القبول بالحل السياسي وفق مرجعية جنيف١ والقرارات الدولية ذات الشأن، او اقتياد البلاد الى مصير مجهول ».
قرار المجلس بفتح مكاتبه خطوة عملية ومقدمة حقيقية لتقارب كوردي كوردي
يتحدث المستشار القانوني، موسى موسى، بالقول: « منذ بداية الأحداث في سوريا فكر النظام أن يوجّه بوصلة الأحداث الى التسلح والعسكرة، لذلك لم يعط أهمية لبعض الإصلاحات، بل أثار الوضع نحو التصاعد العسكري الى أن اضطرت المعارضة والثوار من الدخول في ذلك المعترك، وبعد تصاعد وتيرة الاٍرهاب بدخول جبهة النصرة ومن ثم داعش كان لا بد لأمريكا من التدخل وتشكيل جبهة تحالف دولي لمحاربة داعش، وكان لا بد أيضاً من الاعتماد على جهات وأطراف داخلية بعيدة عن الاٍرهاب فكانت قوات حماية الشعب هي الطرف الأكثر تلائماً مع التحالف الدولي، فحظيت تلك القوات على الدعم وشاركوا معاً في هزيمة داعش، ومنذ ٢٠١٤ حاولت امريكا ومن بعدها بعض الدول الأوربية من اجل التقارب الكوردي وكانت نتيجتها اتفاقيات هولير1-2 ودهوك، وكان هذا الخيار خياراً دولياً استفاد منه حركة المجتمع الديمقراطي دون الطرف الآخر لعدم معرفة الأخير بالدافع الذي دفع حركة المجتمع الديمقراطي لعقد تلك الاتفاقيات، وتطورت الأحداث ودعوات التقارب الكوردي الكوردي وصدور بيان من هيئة الداخلية لشمال وشرق سوريا في ١٧/١٢/٢٠١٩ بعدم وجود عائق قانوني أمام المجلس الوطني الكوردي من فتح مكاتبه، وإسقاط الدعاوى القضائية بحق قيادات المجلس مما أدى الى صدور قرار من المجلس الوطني الكوردي بفتح مكاتبه كـ “خطوة عملية” ومقدمة حقيقية لتقارب كوردي كوردي وخاصة اذا ما رافقه عودة قيادات وأعضاء المجلس الى الوطن وإعادة نشاطهم، وهذا الامر يتطلب من الطرف الآخر البدء بتنفيذ خطوات أخرى لدفع العملية أكثر نحو التحقق ».
بشأن ما يتعلق في ما يجري في ادلب، يوضّح موسى موسى : « طبعاً ان محافظة ادلب هي تقع ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليه في لقاءات استانا، ومن المعروف سابقاً ان اغلب النازحين من مناطق خفض التصعيد في الغوطة والقلمون وحمص وغيرها من المناطق قد تجمعوا في ادلب، إضافة الى اغلب الفصائل والكتائب المتطرفة كهيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقاً)، ويبدو ان الكثير من تفاهمات استانا قد سقطت ولَم تُنَفّذ لذلك اشتد هجوم النظام والروسي عليها، ولكن ما يؤسف له هو ان النزوح والقصف كله ينال المدنيين دون الكتائب المتطرفة ».
يرى موسى: « ان ما يحدث في سوريا من الناحية الدولية يتم بتوافق وتفاهم أمريكي أو أحياناً بغض نظر أمريكي كـ “توافق ضمني”، لأن أمريكا هي الدولة الأعظم في العالم، ولا يمكن لروسيا وغيرها من القفز على امريكا، فأمريكا هي التي بيدها كافة المفاتيح، ولا يمكن لدولة من أن تطلق يدها في سوريا أو تأمر فصيلاً مسلحاً للتحرك ونسف الخطوط الحمر المرسومة لها دون توافق وتفاهم امريكي علني أو ضمني».
يختم موسى: « هناك أمر في غاية الأهمية يجب معرفته ألا وهو مجموعة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، فعند النظر الى الواقع نرى ان كل الأمور متشابكة ومتداخلة فيما بينها، دون أن يفهم أحد ما يجري لأن جميع الأطراف تتقاتل مع بعضها، فالروس والأمريكان على خلاف وأحياناً في صراع مسلح بينهما، كما ان ما يجري بين تركيا والروس بين مد وجزر، وما بين امريكا وتركيا خلافات وتناقضات، وبين النظام وتركيا كذلك.
أما بالنظر الى القرارات الدولية يخيل للمرء بأن مخططاً وضع للوضع السوري منذ ٣٠ حزيران ٢٠١٢ حيث ما جاء في بيان جنيف١ هو نفسه يتكرر في القرارات الدولية هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن المسعى الدولي ومن خلال اللجنة الدستورية تسير الأمور نحو الحل لولا العراقيل التي يضعه النظام السوري في عجلاتها، وعلينا أن لا ننسى ان روسيا وتركيا كانتا الداعمين الأساسيين لتشكيل اللجنة الدستورية، ومع ذلك ورغم سيطرة روسيا على النظام، برأيي ان لروسيا الدور الأساسي في الضغط على النظام للسير في العملية الدستورية، ومع ذلك نرى ان أمريكا تغض الطرف عن هذا الموضوع ولا تُمارس ضغوطاً من اجل إنجاح العملية الدستورية، ومن هذا يتبين بأن المصالح الدولية في سوريا ما زال في مرحلة مخاض عسير ».
فتح المجلس لـ مكاتبه خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح
يتحدث المحامي، لزكين خلف، بالقول: « أن ما تقدم به المجلس الوطني الكوردي من اتخاذ قرار بفتح مكاتبه في كوردستان سوريا يعتبر خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح لخلق بيئة ملائمة مما هو مطلوب من المجلس من اتخاذ خطوات بناء الثقة، لأن السياسة تتطلب المرونة وفقا للظروف والأوضاع السياسية دون التفريط بالثوابت، ومن ثم يبقى على الطرف الآخر اتخاذ خطوات مماثلة تتجلى في الشروع بالجلوس على طاولة حوار واحدة، وتشكيل لجان مشتركة بينهما يكون منطلقها الاتفاقيات السابقة المبرمة بينهما، وتفعيل فحواها لتكوين البنية الأرضية لوحدة الموقف الكوردي، سياسيا وإداريا وعسكريا، تجاه التطورات الحاصلة على الساحة السورية بشكل عام والساحة الكوردية والكوردستانية بشكل خاص، وبالتالي حلّ جميع المشاكل العالقة بينهما، والتي حينها يكون الطرف الكوردي قادرا على مجابهة المخاطر التي تهدد الوجود الكوردي في كوردستان سوريا، محلياً وإقليمياً، وبالتالي تحصيل الحقوق القومية الكوردية ضمن الجغرافية السورية، مستندا في ذلك على الحقيقة التاريخية التي مفادها أنه شعب على أرضه التاريخية ».
يعتقد خلف: « أن ما يجري في إدلب لا يخرج عن كونه سوى ترجمة عملية لما هو عليه الحال بين القوى الاقليمية والدولية الفاعلة في سوريا من توافقات تمت بينها خلف الكواليس، ولاسيما بين تركيا وايران وروسيا، وإن بدت تلك القوى مختلفة ظاهريا على الصعيد الإعلامي وفقا لسياسة المصالح المتبادلة، علاوة على أن إدلب غدت مرتعا للإرهاب من جبهة النصرة وغيرها من القوى المتطرفة الراديكالية التي لا تعرف سوى صوت البندقية والقتل والتنكيل بالجثث، ولا ترتوي إلا من دماء الأبرياء وانقلبت حتى على حاضنتها تركيا مع التنويه، في الوقت نفسه أن الضحية الأولى لتلك الهجمات ليست سوى ذلك الشعب الاعزل المكون من الأطفال والشيب والشباب الذي لا حول ولا قوة لهم، والذين نجدهم يفرون هاربين من جحيم البرد الشديد ونيران مختلف صنوف الأسلحة ».
يؤكد خلف: « إن الأحداث التي تجري في سوريا بشكل عام وما تشهده الساحة الكوردية من صراع للقوى الإقليمية والدولية هي من سيناريو وإخراج الولايات المتحدة الامريكية وبمساعدة روسية وأدوات إقليمية ومحلية في هذا الشأن وركيزتها الأساسية متمثلة في المصالح المتبادلة، وتوزيع مناطق النفوذ، بل ويمكننا القول أن ما يجري حاليا يعود في جذوره إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أثارته في التسعينات من القرن الماضي كونداليزا رايس, هذا المشروع الذي يطبخ حاليا بوقود أمريكية وروسية إلى أن تصبح الطبخة جاهزة وفقا للتواريخ المحددة لها أمريكياً وروسياً ».
يضيف خلف: « بخلاف ما يذهب إليه البعض بأن ذلك من مؤشرات قرب بدء الحلول السياسية، فإنني أجد أن الوضع السوري بشكل عام لن يجد حلولا سياسية لمشاكله في الأمد القريب، بل أن الدول الكبرى ستسعى إلى أن تبقي الدولة السورية على ما هو عليها دون حلول سياسية وعلى مدى طويل، بل وستعمد إلى إدارة الازمة، وستترك النزاعات تنهش من جسده لتبقيها دولة ضعيفة غير قادرة على النهوض بنفسها، فتكون ممرا آمنا لمصالحها من خلال تغذية تلك النزاعات بين الفينة والأخرى وإن أنتهى الصراع العسكري بشكل عام ».
ختاماً:
ان ما يجري على الساحة السورية ليست سوى تشابك للمصالح و تصفية للحسابات بين الدول الكبرى والاقليمية بأيدي أجنداتها على الأرض، والخاسر الوحيد هم الشعب السوري عامة والكوردي خاصة.
وما يواجه الكورد من تحديات ومآزق، لا يمكن تخطيها سوى التوجه بروح المسؤولية إلى توحيد الصف والموقف الكوردي، والحاجة إلى رص الصفوف وأضحت من الأولويات المرحلية، بدونه فمصير الشعب الكوردي في كوردستان سوريا إلى مستقبل مجهول.
التعليقات مغلقة.