جمهورية سورية الفيدرالية..
سوريا الفيدرالية اللامركزية، النظام السياسي المدرج ما بين جدلية الرفض والقبول، والمؤدي إلى طرح أسئلة ذات خلفيات شكوكية وساذجة؛ معارضة ومؤيدة، النظام المرفوض من قبل معظم الدول الدكتاتورية وبينهم الدول المحتلة لكوردستان، والمستند عليها جميع الدول الحضارية أو الراغبة في تطوير مجتمعاتها:
فلماذا لا يطرح بديل أفضل من النظام الحالي لسوريا القادمة؟ ولماذا لا تقتنع المنظمات والأحزاب السورية العربية على أن الفيدرالية هو النظام الأنسب للتعايش بين الشعبين العربي والكوردي والأقليات الأخرى في سوريا؟ ولماذا ترفضه شريحة معينة من المكون العربي؟ رغم إدراكهم ومعرفتهم لمزايا هذا النوع من النظام، أسئلة ترفض، السلطة السورية الحالية؛ الجواب أو الحوار عليها، ومعها شريحة واسعة من المعارضة العربية، ويتردد فيها مدعوا الوطنية؟ وجلها لعاملين:
أولا، لأن الكورد سيحصلون على مزايا الشعب؛ والقومية الثانية في سوريا، كالتي يملكها الشعب العربي، وسيتم الاعتراف بهم ضمن الدستور، رغم أنهم يدركون أن هذه ستؤدي إلى تكوين وطن حضاري ديمقراطي له مكانة مرموقة ضمن الهيئات العالمية، وستؤدي إلى استقرار بين المجتمع السوري.
والثاني، لأن السلطة ستخسر الكثير من استبدادها، وبالتالي ستحاسب ومعها المعارضة العروبية التكفيرية على ما أجرمت، وعلى التدمير والنهب والفساد، على الأقل في المناطق التي ستطبق فيها النظام الفيدرالي.
وفيدرالية جنوب غرب كوردستان، لماذا تخلت عنها الإدارة الذاتية كمطلب ضمن سوريا وفي المحافل الدولية؟ وتطرحها المجلس الوطني الكردي بضبابية، وبتواتر سياسي؛ ما بين حضورهم ضمن المجتمع الكوردي أو على إعلامهم، وفي جلساتهم مع الإئتلاف السوري والهيئة العليا للمفاوضات؟ ولم تتجرأ حتى اللحظة بعرضها على لجنة الدستور كبند رئيس للمطلب الكوردي؟
الأول، أي الإدارة الذاتية ستخسر البعض من مكتسباتها مع الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، وستخسر نفوذها مع شريحة من القوى العربية المتعاملة معهم، والأهم بهذه الخطوة عليها أن تتخلى عن إيديولوجية الأمة الديمقراطية، والتي على أسسها غبن الشعب الكوردي في جنوب غرب كوردستان كثيرا، كما وعليهم أن يتعاملوا مع المكون العربي (الغمريون) المستخدم من قبل البعث وسلطتي الأسد سابقا في مسيرة التغيير الديمغرافي لكوردستان، بواقعية وشفافية.
والثاني، أي الأنكسي، ستخسر الهالة المحاطة ذاتها به، أو ما قدمته لهم إقليم جنوب كوردستان؛ كممثل عن الشعب الكوردي؛ كما وستضطر لمواجهة المجتمع بشفافية حول علاقاتها الخارجية مع المعارضة السورية أو الدول المعنية بالقضية السورية، وستدخل في صراع مباشر مع الإئتلاف المعارض، مثلما ستخسر ثقلها السياسي مع القوى المعارضة السورية، والاهم أنها ستواجه احتمالية الحظر من الدولة الحاضنة للمعارضة وهي تركيا.
وفي الحالتين، وبعدم تبني الحراك الكوردي، بكليته ومن ضمنهم الطرفين المذكورين، هذا المطلب كمشروع رئيس، سيخسر الشعب الكوردي معظم مكتسباته، وبالتالي سيتراجع إلى ما ستمنى علينا الدول الكبرى كروسيا، ربما بإدارة ذاتية مصغرة ومحدودة الصلاحيات؛ في المناطق ذات الأغلبية الكوردية، بعد رضى القوى المحتلة لكوردستان، وستحصل هذه الخسارة على خلفية الخلافات والتهاون المبان من قبل الطرفين من الحراك الكردي الذين دعما خارجيا ليكونا ممثلي الشعب الكوردي (تف دم والأنكسي).
لن نبحث في المزايا التي سيحملها هذا النظام للمجتمع السوري، ولا عدد الدول التي تتبناها ومن بينها الكبرى في العالم، ولا عدد الشعوب والأقليات التي تعيش تحت الدساتير الفيدرالية، وحاصلة على كامل حقوقها كأمة دون أن تكون لها دولها، فهي معروفة للجميع، والكل على دراية بمدى ملاءمتها للواقع السوري، الوطن الذي يحتضن ضمن جغرافيتها موازييك متناقض من الشعوب والأديان والمذاهب.
بل سنتحدث عن سوريا، والفوائد التي سيجنيها الشعوب والأقليات المتواجدة ضمن هذا الوطن، في حال تم تطبيق النظام الفيدرالي فيه.
نادرة هي الأوطان التي على شاكلة سوريا من حيث التنوع القومي والمذهبي، رغم ظهورها وبالشكل المفروض علينا، بدون إرادة جميع مكوناتها، إلا أنها استمرت، كسوريا وطن للجميع، وظلت متماسكة وعلى مدى قرن من الزمن، وعرفت كوطن يحتضن شعوبا ومذاهبا يعاملون على درجات، إلى أن تحولت إلى سوريا العروبية، ويوم بعد آخر أزداد التآكل من الداخل، وتفاقمت الصراعات السياسية-الثقافية سنة بعد أخرى، إلى أن بلغت أوجها في عهدي الأسد الأب والابن، كامتداد للأحزاب والسلطات الشمولية السابقة.
ففي المراحل الأولى من تكوينها، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وظهور الاستعمار الفرنسي، كانت الديمقراطية لها موطئ قدم بين السلطات الثلاث، رغم وجود الأحزاب العنصرية العروبية كحزب الشعب والذي حكم في بدايات الخمسينات، إلا أن الشعب الكوردي والأقليات المذهبية كانت تملك شيئا ما من قدرة المحافظة على الذات، ونادرا ما كانت تتم الاعتقالات على الخلفية القومية أو المذهبية، بل وحكمتها رؤساء ووزراء كورد، ولعبوا أدوار مهمة في بدايات تاريخها، لكن المعادلة انقلبت وبفترة زمنية قصيرة، مع سيادة المفاهيم العنصرية خاصة بمجيء الناصرية، فغابت المطالب الوطنية أمام عنصرية القومية العربية، وأصبح الجميع يشككون بحقيقة الوطن، أو رؤية سوريا كدولة وطنية جامعة، فساهمت أفعالهم هذه بالمقابل وبشكل غير مباشر على ظهور القوى المناهضة، وبالتالي ظهور المطالب القومية والمذهبية، مقابل العنصريين العروبيين وحقد المكون الإسلامي السني، وتصاعدت مع الزمن وبقوة؛ رغم مظاهر الاستبداد.
المرحلة الأخيرة من الاستبداد العروبي، أدى إلى البحث في نوعية السلطة، وكيفية إعادة المفاهيم الوطنية المنهارة، وأصبحت من ضمن القضايا الأكثر اختلافا عليها في الشارع السوري، مع ذلك ظلت المطالب القومية أو الأممية أو الدينية ضبابية، ورؤية القوى السياسية الحاضنة لها غير واضحة بمشاريعها، حتى الحزب الشيوعي الأكثر وضوحا بأيدولوجيته لم يكن يملك رؤية واضحة فيما يريده من الشعب وما يجب أن يفعله؛ أكثر من نشر الصراع الطبقي بين المجتمع وخاصة بين الشعب الكوردي، مثلها ظلت الأحزاب الكوردية المتحيرة مترددة ما بين الحقوق الثقافية أو السياسية الثقافية، وغاب الوضوح في المطالب أو عدم الجرأة في نشرها، كالمطالبة بإدارة منطقتهم، إما النظام الفيدرالي ضمن سلطة لا مركزية، أو مماثلة لهذا المطلب كان في حكم العدم حتى قبل سنوات.
سادت هذه الضبابية بين الأحزاب الكوردية حتى بدايات القرن الحالي، ولعدة أسباب، منها عدم الوعي السياسي، والأهم عدم الجرأة على مواجهة السلطة الأمنية؛ وكان لهم في هذا حجة منطقية، إلى جانب هيمنة الحركة السياسية والثقافية العروبية بمفاهيمها على الساحة، ونشرهم الأفكار العنصرية المدعومة من الأحزاب التي تتالت على السلطة كالشعب والناصرية ومن ثم البعث، مقابل قلة الوعي الكوردي بقضيتهم وتاريخهم وجغرافيتهم، المؤدية إلى عدم الجرأة في طرح النظام الفيدرالي البديل عن الحالي حتى بعد مرور سنوات على الثورة السورية، وجرفها عن مسارها، وكانت هذه من بين الأسباب التي عارضت الأحزاب الكوردية المطلب الفيدرالي الذي قدمه المجلس الوطن الكوردستاني-سوريا، المتشكل بعد مؤتمري واشنطن والمؤتمر الختامي في بلجيكا عام 2006م، بل وبعد مشاركة الجميع في المؤتمر (باستثناء البارتي الديمقراطي الكوردي، وكانت على خلفية شخصية، إلى جانب رضوخهم لأوامر خارجية) كما ورفضت جميع الأحزاب تشكيل المجلس رغم أنهم اشتركوا في كتابة كل شيء حتى البيان الختامي، وكانت الفيدرالية السبب غير المعلن لابتعادهم عن المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا.
فالمرحلة السابقة للثورة السورية عندما كانت ثورة بشعاراتها، كانت المنطلق الذي توضحت من على عتبتها؛ لدى شريحة واسعة من العرب، مطالب الشعب الكوردي؛ المنطقية، ولكونها كانت تتعرض إلى الوطن الذي يجب أن يكون عليه سوريا القادمة وهي الفيدرالية، والمؤدية إلى ترهيب السلطات المحتلة لكوردستان، كإيران وتركيا، وهدم مصالح القوى المعادية للوطنية، ظهرت مواجهات حادة ضد المشروع والنظام الفيدرالي، وبالتالي ضد الحراك الكردي المطالب بهذا النظام، فكان المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا من بين أكثر الذين تعرضوا إلى التهجم، خاصة من الدول والأطراف التي عارضت النظام الفيدرالي كبديل عن النظام المركزي الشمولي.
رغم تتالي المراحل وبسرعة، وتداول المفاهيم الحضارية على الساحة فيما بعد، إلا أن التردد ظل مهيمنا على رؤية ليس فقط الأغلبية العربية بل وعلى البعض من الأحزاب الكوردية، خاصة عند حضور القضية الكوردية على مستوى النظام الفيدرالي اللامركزي، ومثل هذا الموقف لا يزال يهيمن على المكون السني عندما تحضر قضية المذاهب الأخرى كالدروز أو العلويين، أو الإسماعيليين أو على المسلمين عامة عندما تحضر مسألة حرية الأديان الأخرى، كالمسيحية أو اليهودية أو الإيزيدية، وغيرهم.
وبالتالي فبدون سوريا الفيدرالية اللامركزية لن يكون هناك وطن، سيستمر استبداد السلطات العروبية، والتمييز بين مكونات الوطن، وستظل الجغرافية معرضة إلى تدخلات خارجية، وسيتلاعبون بمصير شعوبها، وبالتالي لا نستبعد استمرارية الحروب الأهلية من حين لأخر، وستخلق مع مرور الزمن الظروف الملائمة إلى التقسيم.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.