وليد حاج عبدالقادر : “العماء الآيديولوجي”.
لأرسطو الفيلسوف مقولة رائعة اختزل فيها قضايا كثيرة حينما قال : ( إن الانسان عدو ما يجهل ) ، هذا الجهل الذي تعددت فيه المجالات والمسارب التي يتدافع فيها الناس فرادى وجماعات ، يبنون عليها تصورات ورؤى يتشبثون بها ، لابل ويوسمونها بطوباية ترتقي الى القداسة ، التي قد تكون لشخصية مخيالية او حقيقية ، وربما قيمة – نمط – فكرة ، فتتجاوز كما – المسلمات القطعية – كفكر يرتقي ويسمو على الاهداف ، ومبادئها تعبر الأحزاب وقوانين كما ومنطق الثورات ، فتفرز كفرض واجب خرائط بحدود وخطوط عريضة لآراء تتزركش بهالة وتطوب بقداسة تتجاوز في ارشفتها ، لتلغي كل قداسة سابقة او معاصرة ، لابل وتتحوط بكل السبل ، في الحد من أي مجال تحديثي حتى في بنية القداسة ذاتها ، هذه القداسات نعني بها وبالتأكيد ، الصيغ الوضعية من أفكار وأطر حزبية بمذاهبها المتعددة . نعم ! لقد أفرز الفكر البشري رموزا فكرية تركت بصمتها وأسست لرؤى جريئة تصدت لجملة من القضايا التي شغلت البشرية ، وعلى أرضيتها تأسست نظريات فتحت آفاقا رائعة في الوعي المنهجي لترسبات كانت قد تكلست عميقا في الذهنية المجتمعية بآفاقها الواسعة ، وان بقيت بكل أسف في إطارها النظري !! . وباختصار وفي واقع الحركة الكوردية ، وفي ظل تقسيم كوردستان وإلحاقها الجبري بدول اربعة ، وبخاصية الولاء كورديا – أقله في الجزأين السوري والتركي – نرى ان مسألة الولاء هي من القضايا الهامة التي لاتزال تثير كثيرا من الجدل السياسي ، وتفرز معها اجتهادات بقيت بعضها وان كانت اساسية في طور التهميش وقدمت عليها امور ثانوية ، ارتبطت بداية بجدية الأطر التنظيمية الكوردية من ناحية ، وقابلية التطبيق من عدمها من ناحية أخرى ، ولتستعيض عن كل ذلك بإيجاد البديل الموازي كقيمة معيارية يضخم ليتجاوز في الاهمية كل القيم الأخرى ، وتتحوط بمصطلحات ومعايير مختلطة ككوتيل فكري من مؤثرات ماركسية ودينية او ليبرالية وإن بدت – معظمها – كغطاء ، وتوجهات أخرى قد تكون فيها نوع من الإجتهاد ، وان لم ترتق الى الغاية المطلوبة منها كما متلازمة النضال القومي والطبقي ، وكذلك المعيار الوطني والقومي . أن اهم المظاهر المحيرة في وقتنا الحالي والمربكة ايضا ، هي ظاهرة الولاءات البديلة والجديدة !! مثل الولاء للحزب وتكريس ذلك الولاء كرافعة هيدروليكية لفرض وترسيخ قداسة الشخص / القائد ؟! .. وليصبح القائد في الحالة هذه ! هو الحزب ! الذي هو / الحزب / أهم من الوطن والشعب !! .. هذه الظاهرة التي ترسخت فكرا وممارسة في ذهنية أطر سياسية – حزبية عديدة مثل pkk وحزب البعث ، الأمر الذي استوجب تساؤلا مشروعا عن الولاء وماهيتها ! ولمن ستكون ؟! للقضية أم الحزب ؟ ام لعله القائد ؟ وبالتالي التضحيات ؟ لأجل ماذا ؟! .. لقد أثبتت التجارب ، بأن الأنانية المفرطة في التحزب ، كما وتطويب العقائد الى درجة فرضها بالقوة ، والأسوأ فيها ، وكتقليد فج لنظم الإستبداد التي طورت أنانيات مفرطة ، أدت الى تبني ولربما ايضا نمط إعادة انتاج أساليبها ، التي تؤجج في ذات الوقت تلك النار الكامنة تحت رمادها ، والأمر الأصعب هنا ، بالنسبة لبعض القوى ، التي تباهت دهرا وهي تنقل ولائها مباشرة ، او مواربة ، فتوضح وببساطة ذلك الفرق الكبير في التطبيق العملي ، ومعه الفرز الحقيقي بين الممارسة كقناعة ، أو رؤية خاصة بحزب أو نظرية ما ! او قد تبدو للعامة وكأنه امرا ينفذ كإملاء لا أكثر ؟ . وهنا وفي الخاصية الكوردية ، عندما تتبلور ملامح مرحلة جديدة ، وبآفاق منفتحة على حلول مزمنة نرى تلك الحركات المؤدلجة التي تستنفر وتسخر كل امكاناتها لعرقلة الحلول ونسفها ؟!! … هذا الامر الذي خلف أكثر من سؤال ولاكثر من ظاهرة : لماذا هذه السطوة وبسعي استبدادي لفرض الذات العقائدية وكجبر الهي ؟! …أن من عمل عقائديا على حساب قضية شعبه ثبت وبالتجربة أنه جعل من قضيته القومية مرتكزا بنى عليها وعلى حسابها عقائده . إن الإنكماش القوموي وتقليصها كتطويع لعقائديات ما ، هي في واقع الأمر الغاء مبطن لصالح طوباويات وضعية ، وهي في ذات الحال ، تجهز مقاصل لكل من لا يلتزم بقداسة تلك الطوباويات ، وذلك لأنه لايستاهل العيش فيها . إن الجهد الذي يبذله كوادر ومنظرو هكذا أحزاب ومجموعات ، لتأسيس هكذا منهجيات بديلة عن القضايا الأساس ، يدورون فيها المبادئ والقضايا الى درجة ان الحفاظ على بقاء الحزب بحد ذاته يصبح هو الهدف الأساس مهما كانت الخسائر والتضحيات ، وكل الهزائم والنكسات تتحول الى انتصارات كونية لطالما ان الحزب لايزال في بقعة الضوء ، وهذه العقلية هي نتاج. جهد متعوب عليه كثيرا ، ولم تفت مطلقا من متابعة كتاب عالميين مثل آرثر كوستلر الذي تصدى لها في روايته المعنونة ب ـ ظلام عند الظهيرة : ( .. إن الحزب لا يخطئ أبدا أيها الرفاق . يا رفيقي ، أنا وأنت يمكننا أن نخطئ ، لكن الحزب لا يخطئ ، الحزب هو شيء أكبر مني ومنك بكثير ، وأكبر من ألف مثلك وألف مثلي . الحزب هو التجسيد العملي للفكرة الثورية في التاريخ والتاريخ لا يعرف شيئا اسمه الضمير أو شيئا اسمه التردد . الحزب متماسك دائما ولا يقهر أبدا . يسير كالسيل نحو هدفه . وهو عند كل منحنى في مجراه يلفظ الوحل والطين الذي كان اصطحبه ، كما يلفظ الجثث التي كانت قد غرقت فيه والتاريخ أيها الرفيق ، يعرف طريقه ، وهو لا يقترف أية أخطاء خلال تلك الطريق ، أليس كذلك أيها الرفيق ؟ . )* .
وباختصار : ان التطرف الأيديولوجي ، هو في الواقع تحنيط ذهني يحوط الوعي بسلاسل تطوق ملكات التفكير ، وتستلب الوعي الحقيقي ، سواء في فهم القناعات العامة واسقاطها على قناعات الآخرين ، ولتصبح عند المؤدلج ، ظاهرة مرضية تؤسس في بنية المجموعة / الحزب ، على أنها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة ، وأن اي شخص او مجموعة لا يقر بذلك ، ولاينخرط في صفوفه مجرد أبله ، خائن ، يستحق النبذ والعزل المجتمعي ، الامر الذي يفرض حتما محاكمته ، لابل وحتى تصفيته ..
….
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.