المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: موقع الكرد في الصراع الأمريكي الإيراني..

171

من الصعب تقبل منهجية العلاقات بين أمريكا وإيران، في البعدين الأخلاقي والإنساني، ومن السهل قراءتها في الحيز السياسي، فما يقدمانه لبعضهما من خدمات، كثيرا ما يستصعب للأصدقاء تحقيقه، فعلى خلفية حدة العداء القاتل، وتصعيد الخلافات، تجري مباحثات غير مباشرة بينهما على المستويين السياسي والدبلوماسي، بعدما كانت الاتصالات العسكرية شبه دائمة على الساحة العراقية، والتي يظن أنها أبعد من فترة محاربة داعش في العراق وسوريا.

 

رسائل متتالية تتبادل، على الإعلام، ومن خلال الأروقة الدبلوماسية، يخدعون بها شعوبهم قبل القوى والدول التابعة أو المتحالفة معهم، فلأول مرة يقدم الرئيس ترمب في خطابه الأخير، تهديدا مرناً، بمنهجية سياسية، أرفقها بتبريرات عدم الرد على القصف الإيراني للقاعدتين، متوعدا بتوسيع وتشديد الحصار الاقتصادي، والمتممة لعملية تصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ومساعديهم، بتوقيتها ونتائجها، علما أن سليماني موجود على صفحة الإرهابيين منذ عام 2005م وتم طلب تصفيته من الرئيسين بوش الأبن وأوباما والأثنان رفضا الطلب، وخلال السنتين الماضيين من عهد ترمب كان سليماني عراب مقتل العديد من الجنود الأمريكيين، وعدد من مخططات القصف والتفخيخ على السفارة الأمريكية، وغيرها من العمليات الإجرامية، كتشكيله مجموعات لقتل المتظاهرين في بغداد ومهاجمة المتظاهرين في لبنان، ونحن هنا لا نتحدث عما فعله في سوريا واليمن وغزة وغيرها من المناطق الساخنة في شرقنا الاوسط.

 

الصراع والحروب الأهلية الذي أصبح يقضي على كل ما هو إنساني في المنطقة، أصبح مرفوضاً بكل أعذاره من قبل أغلبية شعوب المنطقة، مع ذلك تصعدها الأنظمة الشمولية الدكتاتورية لتخلق مبررات وجودها، صعدتها النظام الإيراني في هذه المرحلة، لتسخيرها ضد معارضتها، وبالمقابل جاءت لصالح إدارة ترمب، فمثلما ساهمت التصفية في امتصاص غضب الشارع الشيعي، خففت من حدة الضغوطات الإعلامية على الجمهوريين، ويبقى الفرق ما بينهما، ومدى فائدة حدة التوتر والتصعيد، لكل منهما؟ لإيران أهمية إستراتيجية منها، وهي ترسيخ نظام ولاية الفقيه في إيران والمنطقة. أما بالنسبة لإدارة ترمب فهي آنية، جلها لكسب الانتخابات القادمة، إلى جانب الحفاظ على مصالح شركاتها العالمية، لأن هيمنتها كإمبراطورية أوسع بكثير من مجرد الدخول في صراع مع دولة على مستوى إيران.

 

على مدار شهور لم تتمكن إيران وأذيالها من تهدئة شوارع العراق ولبنان، رغم القتل والاغتيالات المباشرة للمتظاهرين، بل تصاعدت موجة الرفض والكراهية للتدخلات الإيرانية، وهيمنة شيعة أئمة ولاية الفقيه على المسرح السياسي، فلا الجنرال قاسم سليماني ولا الحشود التابعة له من الحشد الشيعي وحزب الله وتوابعهما، تمكنوا من حصر المد العدائي المتصاعد لإيران، لكن أمريكا استطاعت إخمادها بيوم واحد، ويقال ما لم يتمكن سليماني من فعله في حياته أستطاع تحقيقها بمماته.

 

كما وأن تصفيته خففت حدة الانتقادات الموجهة لترمب وإدارته، وأبطأت مسيرة محاكمة العزل المنتقلة من قاعة مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، في الوقت الذي لم تتمكن أعلام حزب الجمهوريين في الولايات المتحدة تحقيقه على مدى السنتين الماضيتين. فعملية قتل سليماني، بعكس قصف القاعدتين الأمريكيتين، أخذت أكثر من ثلثي زمن الإعلام الأمريكي، وبالتالي تنفس الجمهوريون وترمب وإدارته القليل من الهواء النقي، إلى درجة تكاد أن تنقلب المعادلة، فبعدما كانت كل الأصابع موجهة للرئيس وإدارته، أصبح الجمهوريون يوجهون أصابع الاتهام إلى الديمقراطيون على ما قدموه من خدمات لإيران في الماضي، ويتهمونهم على أن رخاوتهم فتحت الأبواب للإرهاب بالتمدد، مثلما ساعدت السيولة المادية التي أعطتها إدارة أوباما لإيران تقوية منظماتها الخارجية، وشبه احتلال لأربع دول عربية، والاستمرار في مشروعها النووي، وبالتالي أصبح الشارع الأمريكي على مقربة من تبيان الرجحان لمرشح الجمهوريين القادم وهو الرئيس الحالي دونالد ترمب، وعملية العزل أصبحت أكثر من ضعيفة، ومجرد روتين قانوني لن يكون له تأثير على مستقبل الانتخابات القادمة، بل بالعكس إيران ساهمت في زيادة الأصوات لصالح ترمب.

 

كيف تفهم هذه التناقضات، ما بين أسلوب الإدارتين الأمريكيتين؟ وكيف يفهم هذا والصراع بينهما على أشده؟ فعند مراقبة ما كانت عليه هيمنة إيران وأئمة ولاية الفقيه في فترة التهدئة مع الديمقراطيين وما هم عليه في مرحلة التصعيد، والتي أصبحت بلا منازع، سندرك ما تستفيد منه إيران في مراحل التصعيد والتوتر، رغم أنها ترزخ تحت ضغط حصار اقتصادي هائل متصاعد بين فينة وأخرى، ويجري الحديث في الأروقة الخلفية أنها على حافة قبول ما ستفرض عليها من شروط، لكنها تجاهد للحفاظ على هيمنها في مناطق شيعتها، وبالمقابل إدارة ترمب ستفرض شروطها على أية مباحثات محتملة، ولكنها في الأونة الأخيرة تبحث عن مخارج مقبولة لإيران، وقد فعلتها سابقا، من خلال التغاضي أو دعم الحشد الشعبي يوم أحتلت كركوك، العملية التي لم تتمكن القوات العراقية تنفيذها، وكدعم لها رفضت عملية الاستفتاء على استقلال جنوب كردستان، التي لم تستسيغها إيران وتوابعها في العراق.

 

رغم كل هذه الخلافات والتهديدات، هناك نقاط تقاطع واضحة في المصالح بنيهما، الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح أن يسيطر الجانب السني على المنطقة، إن كانت في العراق كما في زمن صدام حسين، أو على الشرق الأوسط، وإيران تعي هذا تماماً، وتتذكر أن أمريكا هي التي قضت على هيمنة السنة، والتي كانت حلم إيران وشيعة العراق، وهي من ساهمت في صعود الهيمنة الشيعية، وهي التي تحافظ على هذا التوازن في المنطقة، وبشك ما وفي حالات عدة أدرجت الكرد ضمن عملية التوازن حتى ولو كانت تدرس من خلال أبعاد الصراع بين دول المنطقة، في البعدين السياسي والعسكري، وعلى الأغلب أن الكثير من المكتسبات التي أعطيت للكرد من قبل الدول الكبرى جاءت على خلفية توازن مماثل، ومن المؤلم أننا كحراك كردي خسرنا كثيره في الوقت الذي كان من المفروض توسيعه وترسيخه، والأسباب متنوعة.

 

إيران مثلها مثل غيرها من الدول المحتلة لكردستان، تدرك أن التوتر بين أنظمتها الشمولية، وتصعيد الصراع مع الدول الكبرى وخاصة أمريكا، بشكل أو أخر تميل لصالح الشعب الكردي، ولهذا فقضيتهم حاضرة على طاولة جميع المؤتمرات المتعلقة بالمنطقة، وبين الدول المحتلة، وقد أدت هذه الصراعات على النهوض بالحركة الكردية وأوصلتها إلى الفضاء الدولي، والذي كان حتى عقود ماضية محصورة ضمن الحدود الجغرافية السياسية للدول الأربعة المحتلة، كما واقتحمت الأروقة العالمية من أبوابها الواسعة، والنظام الإيراني منتبهة؛ على أن أحد أهم نقاط ضعفها مع أمريكا أو غيرها هي القضية الكردية.

 

لذلك فأغلب المحللين السياسيين يتوقعون حصول معادلة، في شرق كردستان، مشابهة لنهوض القضية الكردية في جنوب غربي كردستان، في حال توسع الصراع بينها وبين أمريكا. خاصة وهي تلاحظ ما بلغته صدى القضية الكردية من مستويات في الإعلام العالمي، ولدى القوى السياسية الدولية والمنظمات العالمية ونسبة الذين يبحثون في القضية الكردية في السنوات الأخيرة، المتوقعة، فيما لو استمرت على هذا الصعود، وأصبح الحراك الكردي على سوية حملها دوليا، أن تعرض كبند رئيس على جدول أعمال هيئة الأمم، وعلى مجلس الأمن.

 

ولا يستبعد أن هذه الإشكالية هي أحد أخطر النقاط التي تتحذر منها إيران وتركيا وشيعة العراق والنظام السوري، أثناء صراعهم مع أمريكا، وتبين هذا من خلال تويتر للسناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، (ماركو روبيو) وهو من احد أقطابهم، عندما كتب أنه ” لربما حان الوقت للكرد أن يحصلوا على استقلالهم” وذلك مباشرة، بعد مطالبة البرلمان العراقي خروج قوات التحالف من العراق، والمعني كانت القوات الأمريكية، والكل يعلم أنه كان قرارا شيعيا مذهبيا صرفا، وتويتر السناتور كانت رسالة مباشرة موجهة للحكومة العراقية الشيعية، ولإيران وفي الواقع لتركيا بالمثل، ورغم أنها تقرأ كتويتر، لكنها مكتوبة بتخطيط وبمنهجية من قبل الحزب الجمهوري ذاته الذي تحفظ على استفتاء جنوب كردستان قبل سنتين لا أكثر.

 

وفي حال تزايد التوتر، يحتمل أن تتوسع الرسالة، وتدرج ضمن قائمة متطلبات إدارة الجمهوريين، كورقة ضغط مضافة إلى الأوراق الأخرى المستخدمة، بل لربما ستكون أقواها وأثقلها على النظام الإيراني. وعلى الأرجح، وعلى خلفية الحصار الاقتصادي المدمر وحضور القضية الكردية الدائم، بشكل رئيسي، أيران في النهاية، ستقبل بشروط ترمب وستعود إلى طاولة المفاوضات، من باب عمق خبرة التاريخ السياسي قبل أن يكون اقتناع بالرضوخ للأمر الواقع، وبعدما قدموا للبعض ما يكفي من خدمات، مع الحفاظ على ماء الوجه، بديمومة العداء بينهما، كما ولا يستبعد أن الملايين الذين خرجوا لتوديع جثمان قاسم سليماني سيخرجون في القادم من الزمن لمناهضة نظام أئمة ولاية الفقيه.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.