ثورة جياع هبت مطالبة بالعيش الرغيد للشعب والكرامة للوطن فتحولت إلى صراع نفوذ ونتقاسم مكاسب وحروب بالوكالة تضحي بالشعب لأجل تحقيق ما ترنو اليه .
هذا حال الأزمة السورية التي بدأت بعصيان مدني في محافظة درعا السورية مطالب بمحاسبة مسؤول أمني تطاول واهان مواطنين سوريين، لتتطور الأحداث وتتواكب مع ما سمي بالربيع فرفعت سقف المطالب من المحاسبة إلى تحسين الوضع الاقتصادي ورفع الحصانة عن الأجهزة الأمنية ومحاسبة اللصوص وتفاعلت الجماهير معها لتمتد وتشمل كافة المحافظات والمناطق وتطالب بإسقاط النظام، تحولت الأحداث في غضون اقل من شهر من عصيان إلى ثورة شاملة تتطلع إلى التغير الجذري في السياسة القائمة رافضة الأوضاع العامة في البلاد، وسط رفض تعند من النظام القائم وإصرار الشعب تحولت ثورة الجياع السلمية إلى تمرد مسلح وعسكرة بفعل فاعل، لتتأزم الأوضاع اكثر فأكثر.
استغلت الدول الإقليمية الطامعة بالخيرات السورية والمتطلعة إلى إلى الاستحواذ بها، فتدخلت من خلال خلاياها ونجحت في تغير مسار الثورة من مطلب شعبي مشروع إلى صراع قوى وحروب بالوكالة يتسايق فيها الفصائل المتناحرة للاستيلاء على مقدرات وموارد البلاد وبات هدفها الرئيس المناطق الغنية بالنفط.
يعتبر البترول المكتشف في ستينيات القرن الماضي من اجود انواع النفط وربما يعتبر من اغزر الحقول في منطقة الشرق الأوسط.
استخرج النفط لأول مرة في سوريا عام ١٩٦٨ من آبار كراتشوك وفي حينها لجأ حزب البعث الحاكم إلى التحفظ على كمية الإنتاج واخفاء الأرباح وعدم ادراجها في ميزانية الدولة ليقبى ما تدره من أموال حكرا على الحاكم وحاشيته والمقربين منه..
كوردستان سوريا او ما تسمى بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا تسبح على بحر من النفط ذو الكثافة والجودة العالية والقريب من سطح الأرض، وجود النفط وبعض الثروات الاخرى إضافة إلى طبيعة المنطقة خلقت هواجس لدى نظام البعث فعمد إلى إقصاءها ومنع إقامة اية مشاريع حيوية فيها وتهميشها حتى لا يلتفت إلى مدخراتها.
تنقسم المناطق النفطية حسب الموقع الجغرافي إلى ثلاثة مناطق وهي :
اولا ٪ منطقة آليان وتضم
١_منطقة حقول الرميلان :في منطقة آليان الكوردية وتضم اكبر وأكثر الابار النفطية التي تصل إنتاجها اليومي إلى ما يفوق 90 الف برميل يوميا من النفط الخام الثقيل.
٢_ حقول كراتشوك او كر زيرو او السويدية وتضم عدة آبار نفطية ذو الكثافة والجودة حيث يصل إنتاجها اليومي إلى 100 الف برميل يوميا.
٣_مجموعة آبار نفطية ممتددة ومتوزعة من منطقة تربسبية (قبور البيض) إلى حدود ديريك (المالكية) ويقدر إنتاجها اليومي بنحو 20 الف برميل.
ثانيا _منطقة الشدادة : وتعرف باسم حقول الجبسة وتضم مجموعة حقول هي ( غونة _ البية _تشرين _ الهول) كذلك تنتج النفط الثقيل ولكن جودتها اقل ويقدر الإنتاج اليومي فيها بنحو 30 الف برميل
ثالثا _منطقة الفرات وتضم :
١ _حقلي التيم والعمر ويصل إنتاجها إلى 60الف برميل يوميا وإنتاج من النفط الخفيف ذو الجودة العالية .
٢._حقل التنك وينتج ما يقارب 30 الف برميل يوميا
٣ _ حقل الجفرة ويصل إنتاجه اليومي إلى 27.الف برميل يوميا.
هذا بالإضافة إلى وجود مكثفات المعامل والجيوب الغازية، ويقدر الاحتياطي السوري بنحو مليارين ونص المليار من النفط الخام، دون الاخذ بعين الاعتبار الاحتياطي الجيولوجي والذي يعادل عشرة أضعاف هذا الرقم، إلا أن تكتم حزب البعث الحاكم عليها و قلة الخبرات والافتقار إلى التقنية يحول دون الاستفادة منه حاليا ، وكانت سوريا تصدر ما يقارب ال 150 الف برميل يوميا إلى دول أوربا الغربية منها إيطاليا وفرنسا والمانيا وإسبانيا، حيث كان النفط يمثل 22٪ من موارد البلاد ويقدر مواردها بنحو 5 مليارات دولار سنويا اي ما يعادل 45٪ من مجمل صادرات البلاد، وهذا ما لفت اليه الانظار وتوجهت الأطماع للسيطرة على هذه المناطق مستغلة ما آلت اليه الأوضاع، ولهذا تدخلت الول الإقليمية بكل ثقلها واغدقت الأموال على مواليها ونجحت في تغير مسار الثورة وحولتها إلى صراع دام يتسابق فيها كل فئة للوصول إلى النفط انطلاقا من النظام ومرورا بالمعارضة وداعش ووصولا إلى قسد لتتعداه إلى روسيا وامريكا، نظرا لما تدره من أموال، فهي قادرة على تغطية وتمويل تكاليف الحرب لأي جهة مسيطرة.
تناوبت الفصائل المسلحة في السيطرة على المناطق النفطية فبعد انسحاب النظام في عام ٢٠١٢ من منطقة الفرات استولت المعارضة عليها ولكن لم تستطع استثمارها والاستفادة منها بالوجه الامثل لقلة الخبرات وانعدام التقنيات ، وفي عام ٢٠١٤ استطاعت داعش طرد المعارضة وانفردت بالسيطرة على الابار وبدأت بتسويقه إلى مناطق النظام بموجب اتفاقيات ابرمت عبر وسطاء اهمهم حسام احمد القاطرجي عضو مجلس الشعب السوري لدى النظام وكذلك باعت النفط إلى مناطق المعارضة وصدرت إلى تركيا، في حين كانت قسد قد تمكنت من الاستيلاء على مناطق آليان عبر اتفاقات مع النظام السوري واستطاعت في بدايات ٢٠١٦ من التمدد وحصر داعش وبغطاء ودعم أمريكي واستخوذت على المناطق النفطية بشكل شبه كامل مع بدايا ٢٠١٨ لتكون هي أكبر المستفيدين، فابرمت اتفاقيات عبر وسطاء محليين لبيع النفط الي مناطق النظام، واستفادت كذلك من وجود خط أنابيب قديم كان يستخدمه نظام صدام حسين للتصدير نفطه إبان العقوبات الأمريكية عليه، ممتد من كوردستان العراق إلى الأراضي السورية فضخت عبره النفط إلى إلى إقليم كوردستان ليتم تكرير قسم منه ويعاد للاستخدام المحلي ويصدر الباقي إلى تركيا الدولة الاشد عداء لقسد.
العمليات التركية الأخيرة في مناطق نفوذ قسد خلطت الأوراق وما زاد الطين بلة هو اعلان الرئيس الأمريكي عانسحاب قواته من سوريا مما دفع بقسد للالتجاء إلى النظام مقابل تنازلات اهمها التخلي عن كافة المناطق واتدماجها في الجيش السوري في سبيل بقائها، من خلال اجتماعات جمعتها باقطاب النظام ورعاية روسية والذي تمخض عنه اتفاق الهدنة لوقف إطلاق المبرم بين روسيا وتركيا، وهذا ما دفع بأمريكا لمراجعة حساباتها والتراجع عن قرارها بالانسحاب وعودة قواتها لحماية المناطق النفطية لمنع روسيا وحلفائها من الاستفادة منه بشكل كامل، فدعا الرئيس الأمريكي كبرى الشركات للاستثمار في سوريا رغم وجود اتفاقات لشركات عالمية مبرمة قبل ٢٠١١ ومن الممكن عودتها في حال هدأت الأوضاع.
في خضم صراع القوى والاطماع وما خلفته من دمار وقتل وترويع يبقى الخاسر الوحيد في هذه المعمعة المواطن البائس الذي لا حول له ولا قوة، واكبر المستفيدين منها تجار المبادى وامراء الحروب وما يعرفون بزعماء الاحزاب والكتل المتاجرين بالدم والبشر.
التعليقات مغلقة.