بعد أن كانت تفاعلات الأزمة السورية وتداعياتها تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام الدولي والإقليمي على الأراضي السورية، بما تحمل من ترتيبات توزيع مناطق النفوذ بين الأطراف الدولية والإقليمية ووضع أسس لبناء منطقة (اسموها آمنة) بمحاذاة الحدود السورية مع تركيا، وما تخللتها من معاني العنف والمعارك التي دارت رحاها طويلاً سواء ضد التطرف والإرهاب أو ما حصل في ادلب من الاقتتال بين العديد من الأطراف المتصارعة، بدا اليوم وبعد الاعلان عن انتهاء الحرب في سوريا، وكأن المسار السياسي عاد الى الاستئناف من جديد، وبشكل أقوى مما كانت عليه، حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريش) عن إنجاز اللجنة الدستورية في 23 ايلول 2019 كمدخل للحل السياسي، وعلى أن تجتمع اللجنة 30 تشرين الأول 2019 في جنيف بغية البدء بالعمل على طريق وضع الدستور الجديد كأساس لمفاوضات جادة ومنطلق نحو الانتقال السياسي ومن ثم الانتخابات العامة في البلاد، ذلك عملاً بالقرار الأممي رقم 2254 تاريخ 18 كانون الأول عام 2015 وانسجاماً مع بيان جنيف1 الصادر بتاريخ 30 حزيران عام 2012 ، والنظام السوري بذل ما في وسعه لتعطيل تشكيل اللجنة أو عرقلتها بهذا الشكل أو ذاك، تارة بالطعن في شرعية عمل اللجنة، وأخرى بطرح دستوره لعام 2012 كمسودة لتعديله، ومرة بافتعال مشكلة تتعلق بآلية اتخاذ الرأي أو الموقف، وهكذا دواليك الى أن استقر الرأي على صيغة (وضع دستور جديد او تعديل احد دساتير سوريا) ومن الجدير ذكره أن غير بدرسون المبعوث الدولي إلى سوريا قد أعلن عن 7 قواعد أساسية لعمل اللجنة الدستورية أبرزها التوافق أو أغلبية 75% من الأصوات في اتخاذ القرار أو اعتماد الرأي أو الموقف، وعلى ان يراعي الدستور الجديد حقوق المكونات كافة بما فيها الشعب الكردي، على خلاف الدساتير السورية السابقة التي لم تأت على ذكر المكونات إطلاقاً.
ومن الجدير ذكره أن نسبة التمثيل الكردي قليلة، إلا ان المجلس سيبذل اعباء إضافية من الناحية السياسية والدبلوماسية تجاه الأطراف المتعددة بغية تثبيت الحقوق القومية لشعبنا الكردي ودوره الايجابي في سوريا المستقبل عبر نخبه السياسية والثقافية وفعالياته المجتمعية، ومساندة هذه النخب اليوم لممثلي شعبنا في اللجنة الدستورية لأنها معركة سياسية وقانونية في آن، وفرصة سانحة لإبراز حقوقه ودوره.
في هذا السياق، ورغم محاولات البعض التشكيك بجدوى تشكيل اللجنة الدستورية وعملها، إلا أن معظم الشعب السوري مشدودا في أنظاره ومترقبا بأمل لهذه اللجنة ونتائج عملها الإيجابي، وبالتالي التوجه بموجب الدستور الجديد نحو حل الأزمة السورية والتمهيد للانتقال السياسي على طريق انهاء مأساة الشعب السوري بكل مكوناته وانتماءاته القومية والدينية والسياسية، كون المجتمع الدولي متمثلا بهيئة الأمم المتحدة يسعى بجد نحو وضع دستور جديد لسوريا يكون السبيل الى الاستقرار وتحقيق طموحات الشعب السوري بكل مكوناته ومشاربه عبر توافقات سياسية وضمانات دولية لا تردد فيها.
وفي موضوع (المنطقة الآمنة) ورغم الاتفاق الأمني المعلن بين (أمريكا وتركيا وقسد) بهذا الخصوص، إلا أن تركيا ما تزال تهدد باجتياح المنطقة على غرار السيناريو التراجيدي في عفرين، والتهديد بإسكان لا يقل عن مليون مهجّر في المنطقة، بعد بناء العديد من المستوطنات على شكل قرى نموذجية، في حين أن المساحة المتفق عليها (5 الى 14 كيلو متر) لا تتسع لمثل هذا المشروع المريب الهادف الى تغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة، والمتوقع أن روسيا تدعم تركيا وتساندها في هذا الاتجاه، بعد أن اعلنت عن احتمال تخلّيها عن ادلب بذريعة وجود جبهة النصرة، ما يعني أن هناك احتمال عقد صفقة بين كل من تركيا وروسيا في هذا الصدد، والسؤال المطروح هنا هو ماذا سيكون الموقف الأمريكي في ذلك؟ هل ستدير الظهر كما حصل في عفرين؟ أو قد يكون بضوء أخضر منها؟ أم ماذا؟ بل كل الاحتمالات تشير إلى عدم رضى أمريكا في هذ الصدد.
وإيران، رغم العقوبات الاقتصادية المتوالية التي فرضتها أمريكا على إيران، لكنها لم تكترث، بل تمادت عبر المزيد من الاستفزاز لخصومها وخصوصاً أمريكا، إلا أن التهديدات العسكرية الحازمة التي أطلقتها الإدارة الأمريكية مؤخرا ضدها أثارت قلقها ما جعلتها تلجم عن استفزازاتها المستمرة والجنوح الى الحوار لتخفيف حدّة الصراع، لكنها بنفس الوقت عازمة على الاستمرار ضد أمريكا أو أن بينها وبين أمريكا حربا أسمتها سيبرانية أي عسكرية الكترونية، ومن المتوقع أن تلقى إيران صعوبات جمة بعد تهديداتها بعرقلة تدفق النفط في المعابر الدولية (مضيق هرمز وبحر العرب) وتدمير البنى النفطية السعودية بتدمير مصافي آرامكو المغذية للصناعات الأوربية وشرق آسيا، وعليه أصبحت إيران بسياستها تلك تزيد من الاستعداء ضدها، ذلك بما تشكل من المخاطر على سلم المنطقة والسلم العالمي برمته، لاسيما وأنها تمتلك برنامجا نوويا خطيرا تقترب بموجبه من صناعة القنبلة النووية، اضافة الى قيامها بعمل ايديولوجي مذهبي ضد العديد من الدول العربية في المنطقة، ما يعني أنها أمام أوسع معاداة في العالم.
والعراق، لاتزال حكومة السيد عادل عبد المهدي تتجه نحو حل المزيد من المعضلات الوطنية التي تعرقل تطور العراق وتقدُّمها، منها قضايا الصراع السياسي والدور الإيراني السلبي في هذا المضمار، رغم ما يعلنه السيد مهدي باستمرار أن حكومته لا تسير بتوجيهات إيران، وأنه يسعى بجد لتقليص النفوذ الإيراني في العراق، تجلى موقفه ذاك في العديد من اللقاءات والمناسبات وآخرها في زيارته الأخيرة للسعودية، كما أنه جاد في إعادة هيكلة الحشد الشعبي والحد من دور فصائله في اثارة الفتن والقلاقل، كما تسعى حكومة السيد مهدي الى تسوية المزيد من القضايا الخلافية مع حكومة إقليم كوردستان رغم كل المحاولات اليائسة التي تمارسها بعض الأطراف السياسية في افتعال الخلاف مع الإقليم وخصوصا في جانبي المال والنفط والمناطق المسماة المتنازع عليها، وهكذا جدية الحكومة في مكافحة الفساد المالي والإداري عبر تناول ملفاتها من خلال المختصين والخبراء في هذا المجال، في سعي للتخلص من مثل هذه المشاكل بغية التفرغ للعمل على توفير عوامل التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا على طريق البناء والتقدُّم.
وفي إقليم كوردستان، الرئاسة والحكومة تتجهان نحو المزيد من توفير عوامل تعزيز البنية التحتية للإقليم، والاهتمام المتزايد بقوات البيشمركة على طريق توحيدها، والمدارس والجامعات والمشافي، والمرافق الخدمية العامة والجانب العمراني، وكذلك الاهتمام المتميز بالجانب الثقافي والمعرفي والفني عبر اقامة المزيد من الفعاليات والمهرجانات في هذا الصد وآخرها مهرجان دهوك الدولي للسينما في الفترة من 7 / 9 الى 16 منه شارك فيه 72 دولة، هذا الى جانب تعزيز عوامل التفاهم والتوافق مع القوى والأطراف السياسية وخصوصا مع الاتحاد الوطني وكوران، وكذلك مع حكومة المركز عبر رئيسها السيد عادل عبد المهدي بغية انهاء قضايا الخلاف، ومن الجدير ذكره أن حكومة الإقليم قد الغت رسم دخول العراقيين الى كوردستان، كما اقرت الحكومة المشاركة في الانتخابات العراقية المحلية.
وفي كوردستان سوريا، لاتزال جماهير شعبنا الكردي ومعها المجلس الوطني تتابع بقلق بالغ الأوضاع المأساوية في عفرين والمدن والبلدات والأرياف التابعة لها ومعاناة السكان هناك على يد الفصائل المسلحة الحاقدة على شعبنا، من الخطف والاعتقال والقتل والتنكيل الى جانب عمليات السلب والنهب للأموال والممتلكات وطلب الفدية للإفراج عن المخطوفين، ورغم الجهود والمساعي التي بذلها المجلس الوطني الكردي في سوريا عبر لقاءات رئاسته ولجنة العلاقات الخارجية، ورغم وعود البعض ببذل الجهود في هذا الصدد إلا أن الوضع مازال يزداد سوءا، ما يقتضي المزيد من رفع صوت الاحتجاج عاليا على أسماع المجتمع الدولي والمنظمات الانسانية والحقوقية ومناشدة الضمائر الحية للتدخل السريع من أجل انهاء أو تخفيف معاناة شعبنا في عفرين ومناطقها.
وحول التطورات المرتقبة، وما ينبغي من التوافق ولو في حده الأدنى بين مختلف القوى والفعاليات السياسية وخصوصا المجلس الوطني الكردي في سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي، ورغم رغبات وجهود بعض الدول الصديقة في الوساطة بين الطرفين، إلا أن هذا الأخير مازال يمارس سياسة التفرد بالقرار السياسي ولا يبالي بمقتضيات المرحلة ومتطلباتها، ولا يولي اهتماما بوساطة الأصدقاء بل يتمادى في الغطرسة حيال المجلس وأحزابه ومناصريه وحتى جماهيره.
نحن من جانبنا، سواء في حزبنا (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا) أو في المجلس الوطني الكردي في سوريا، سنواصل احترام اصدقاء الشعب الكردي وسنسعى دائماً الى خدمة شعبنا وقضاياه المصيرية وخصوصا في هذه المرحلة الحساسة سواء عبر الحلفاء والأصدقاء أو من خلال الاعتماد على القوى الذاتية على طريق المساهمة في بناء سوريا المستقبل لكل السوريين بمختلف مكوّناتهم وانتماءاتهم القومية والدينية والسياسية من عرب وكرد وسريان كلد وآشور وتركمان وغيرها، وكل وفق خصوصيته، وبما ينسجم مع العهود والمواثيق الدولية.
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
قامشلو في 1 / 10 / 2019
القادم بوست
التعليقات مغلقة.