مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كوردستان الجزء الأول
الاحتلال العربي لكوردستان من الغزوات الإسلامية العربية إلى مستوطنات الغمريين، مسافات زمنية سحيقة، وتحولات ديمغرافية دينية كارثية، تفصلهما القرون وتربطهما الثقافة والتكالب على المكان، النزعة العروبية فرضت عليهما بريادة مجموعات حاقدة عنصرية استولت على سلطاتهم، تكالبوا على الاجتياح والاستيطان في جغرافية غنية خصبة، سادت على مأربهم نزعة ثنائية أفسدوا بها حتى الثقافة الإسلامية، الطمع المادي ومنطق إلغاء الأخر، قبل أن يكون طموحا لنشر الإسلام أو لبناء العلاقات الوطنية.
ليعلم حملة راية الوطنية (فجأة) عندما يفرضون عليها العروبة تظهر مزيفة وموبوءة، والتبريرات التي يقدمونها، عن طريق شريحة من الكتاب العرب، لعمليات التعريب والاستيطان العربي في المنطقة الكوردية ويحاولون دعمها بالحجج، وإسنادها بأرقام وإحصائيات وتحليلات لا تخفي الحقيقة، ولا يمكن أن تعتم على المؤامرات المخططة للقضاء على القضية الكردية في جنوب غرب كوردستان، وتمييع تاريخهم، فكان الأفضل لهم كوطنيين كما يدعون، تبيان الحقائق، وإظهار ما كان يجري في الأروقة السرية، والاعتذار من الكرد عن بشائع سلطاتهم، وتبرئة ذاتهم من جرائم أنظمتهم، لا أن يقوموا بنشر مقالات ساذجة وكتب فاسدة وفيديوهات مبتذلة فكريا، يتهمون فيها الكورد بالعنصرية ومحاولة تفنيد الحقائق التي أصبحت أكثر من واضحة، يقدمها ليس فقط الكورد، بل العديد من الكتاب العرب الصادقين مع وطنيتهم، ومن صلب الواقع.
ومن الغرابة، ورغم الفارق الزمني الواسع، فأن هؤلاء الكتاب والباحثين وناشري الفيديوهات، لا يختلفون عن المجموعات الفقهية الذين سخرتهم السلطات الإسلامية العربية ما بعد محمد (صلى)، لإصدار تبريرات فقهية على تدمير الحضارات، ونهب الأوطان، وسبي الألاف من النساء، وبيعهم بفتاوي شرعية في أسواق النخاسة في المدينة ومكة. فمثلما استولى الأولون على كل ما طالت إليه أياديهم، يحتل الغمريون اليوم، إن كان بإرضاخ من السلطة أو لرغبة البعض في مليكة لأخصب الأراضي الزراعية في المنطقة، والتي تزيد على 300 ألف هكتار، تعود ملكيتها لقرابة 335 قرية من القرى الكردية في جنوب غربي كردستان، في الوقت الذي أصاب فيه التلف أكثر من 300 ألف هكتار في وادي الفرات بسبب التصحر والإهمال، وقد كان بالإمكان توزيعها على أكثر من 4000عائلة الذين تم استيطانهم في المستوطنات المعروفة اليوم بالغمريين.
سنقبل بالرقم الأخير، حسب الإحصائيات التي نشرتها سلطة البعث، وأوثقتها دعاة الوطنية بنشر كتب ومقالات متتالية لترسيخها، موزعين على 42 مستوطنة أصبحت عددها اليوم تزيد على 150 مستوطنة، يغرقون بمحاصيلها الأسواق الداخلية، ويجنون الأرباح من أملاك الشعب الكوردي، إلى جانب نهب الثروات الأخرى، النفطية والغازية، من أرض كوردستان، دون أن يقدم البديل إلا الشحة، علينا ألا نعتب بل نطالب، فهذا هو منطق المحتل وغاية الاحتلال. وهي لا تختلف عن بيع النساء السبايا ضمن أسواق النخاسة المكية في عصر الراشدين، وما تم بنسائنا وأطفالنا من شنكال. فمعظم السلطات من حينها وحتى اليوم وعلى مر التاريخ، اعتزت بثقافة الطغي، ومبدأ الغزو، لذلك حثوا وبشكل دائم مجموعات من المكون العربي على تبنيها، ليس حبا بشعوبهم بقدر ما كان طمعا بالهيمنة والسيادة، فكانت ولا تزال تلك من ضمن الأساليب المستخدمة لديمومة سيطرتهم.
في الغزوات الأولى سادت منطق نشر الديانة الإلهية، وبثوا ثقافة غريبة، على أن الغزو وتدمير الأوطان كانت نعمة ومنة على الشعوب، وعلى أثرها سميت الغزوات بالفتوحات. وللتغطية على الاحتلال الغمري نشرت مفاهيم الوطنية والعيش المشترك، وضرورات مرحلة ما بعد بناء سد الفرات المستفيد منه كل الوطن! وفي الحالتين عتمت على نزعة الاستيلاء على جغرافية كوردستان الخصبة، والأهداف السياسية العنصرية، بطروحات إنسانية اقتصادية وطنية، مثلما نشرها أحد الكتاب البعثيين قبل فترة، بمقال كديمومة لكتب ومقالات من سبقوه، يستند فيها على تحريفات الكاتب محمد جمال باروت، مع تأييد لمفاهيمه وتحليلاته، مع بيانات رقمية وإحصائيات استخدمها غيره، مركزاً على منطق الكاتب المذكور، أن الغاية لم تكن التغيير الديمغرافي! متناسيا أن القضية هنا ليست فقط التغيير في نسبة السكان الكورد ضمن الجزيرة بقدر ما هو احتلال لأرض كوردستان، حتى أن إحصائية نشر 4000 أسرة غمريه على المستوطنات تعتيم على الحقيقة، مثل نسبة توزيع الغمريين على المناطق الأخرى كالرقة ودير الزور، أو بقائهم حول السد، بنسبة 3% و9% و55% وغيرها، وهي أرقام غير مسنودة، وساذجة كقياسه للمسافة الممتدة ما بين ديركا حمكو حتى سري كانيه، والتي بنيت فيها المستوطنات، ب 35 كم! والأغرب هنا عمليات التلاعب بالأرقام حسب متطلبات الدراسة أو الهدف، فيقول أن نسبة المغمورين الذين استوطنوا في الجزيرة لم تتجاوز نسبتهم 3% من سكان الجزيرة، ويضيف على أنها لن تؤثر على نسبة الكورد ولا على التراجيديا المدعية، علما أن زملاءه من الكتاب البعثيين يؤكدون على أن نسبة الكورد في المحافظة لا تتعدى 30% وفي الحالتين يكون الهدف ذاته، الطعن في الديمغرافية الكوردية بتغيير أماكن الضحية والمجرم، والتعتيم على مسيرة الاحتلال المتمددة على مدى قرون، وهنا نلاحظ أن الحراك الكوردي أصبح متهما، لعرضه قضية بناء مستوطنات استعمارية واحتلال أراضي العائلات الكوردية وتوزيعها على الغمريين، فكما نعلم وبدراسات ميدانية، حصلت كل عائلة غمريه على مساحة وسطية تقدر بخمسين هكتارا، في الوقت الذي نقصت فيها ملكية الفلاح الكوردي ومالكيهم إلى ما بين عشرة وثلاثين هكتارا في افضل الأحوال، إلى جانب عزل عائلات عديدة من ملكيتها كلياً، تحت حجة الأجانب أو المكتومين، أو أنهم من المهاجرين القادمين من تركيا بعد ثورة الشيخ سعيد بيران أي بعد عام 1925م، أي بعد تقسيم كردستان الشمالية عن الجنوبية الغربية وتحديد أجزاء من حدود سوريا الشمالية بسنوات ثلاث.
يتبع…
التعليقات مغلقة.