القوة هي المشهد المسيطر على الوضع في سوريا والمناطق الكوردية خاصة، فالدول الكبرى والقوية تسيطر على الدول الأقل قوة والدول الأقل قوة تسيطر على الجماعات والفصائل الأقل قوة وهكذا تندرج القوة إلى ان تصل إلى المكونات المنهكة الموجودة داخل المشهد السوري.
سوريا البلد الذي أبيح فيها كل ما هو غير منطقي، جعل الكثيرين مراجعة تصوراتهم وتحليلاتهم، وحتى وصل الكل لحد في عدم إعطاء تحليلاتهم لأي مستقبل قريب أو بعيد لسوريا.
ما يحصل خلال سنة 2019 ضَرَبَ المنطق والواقع في عرض الحائط، فمنذ بداية هذا العام إزداد الحديث وكُثفت التحركات السياسية والدبلوماسية على مستويات دولية رفيعة حول إنشاء المنطقة الآمنة في المناطق الكوردية، ورجالات السياسة الأمريكية من بومبيو وجيمس جيفري وغيرهم في جولات مكوكية إلى الدول المعنية بالشأن السوري وبالأخص تركيا، لوضع الخطوات الأساسية في البدء بتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة، وتصدر هذا المشروع المشهد السوري العام، وكأنَّ الحل السياسي السوري بات قريبا من خلالها، وبعد أخذ و رد , والعديد من الإجتماعات، لم يتم التوصل إلى أي إتفاق نهائي حول كيفية تطبيق تلك المنطقة المزعومة، وعدم التوصل إلى حل ليست في تلك الحجج الذي يطلقونها والإتهامات التي يتبادلون بها، بل في عدم وجود إرادة دولية هذا أولا، وثانيا ان هذه الاساليب هي من سياسات الضغط ضد بعضهم البعض، وتتبادل صدارة المشهد السياسي بينها وبين منطقة إدلب المعقل الأخير للمعارضة، وبدأت المناورات والاتهامات بين الدول، والعمليات العسكرية الروسية والنظام على مناطق المعارض المدعومة من قبل تركيا.
أما في الفترة الحالية، فهناك تحركات مكثفة على صعيدين :
أولاً، فيما يخص اقامة منطقة آمنة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا، بين كل من أمريكا وتركيا، إجتماعات مكثفة في وضع التفصيل النهائي لتلك المنطقة، دون العودة إلى إرادة مكونات المنطقة وخاصة الكورد، والتوصل إلى إتفاق حسب ما أعلنوا عنه بعد الإنتهاء من المباحثات بين الطرفين، هذا الإتفاق الذي يغلفه الكثير من الغموض.
ثانياً منطقة إدلب، وجولات أستانا 13 بين كل من روسيا وتركيا وإيران، والتي لم تحقق أي نتائج حقيقية سوى موضوع واحد وهو إتفاق الجميع كما جاء في البيان الختامي على أن سورية هي الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها، هذا تصريح واضح على إتفاقهم على الكورد، ووصفهم بالإنفصاليين.
وإذا ما قارنَّ بينهما نجد أن هناك قاسم مشترك وهو تركيا، التي تتفاوض في الجهتين، مع الأمريكان من جهة على المنطقة الآمنة، ومن جهة أخرى مع الروس وإيران حول منطقة ادلب.
ونحلل، ’ن هذا القاسم المشترك- تركيا- هي من تتحرك بين قطبي الصراع الرئيسيين أمريكا وروسيا لتحقيق توازنٌ يُرضي الطرفين ودون المساس بأذرعهما وأجنداتهما، وما الأزمة الحاصلة في الخليج إلا وهي ضمن تلك التحركات التي تضمن تلك التوازنات.
واهمٌ من يقول أن هذه الدول أتت لإنقاذ الشعب السوري، وواهم أيضاً من يقول أنهم جاؤوا لترسيخ الديمقراطية وحقوق الشعب السوري، فالتاريخ خير مثال، عندما قامت الثورة الصناعية في أوروبا، لجؤوا في البحث عن خامات لتلك الصناعات وأسواق لتصريف منتوجاتها. وكذلك ما يحدث الآن، فالدول المتداخلة في الشأن السوري ليسوا سوى ذئاب ينهشون في جسد الفريسة، وكلٌ يحاول نهش أكبر قدر ممكن من تلك الفريسة. والكورد هم الفريسة الأكثر سهولة للإنقضاض عليها ونهشها، فالقطيع عندما يكونون مجتمعين يصبحون المسيطرين على الوضع ويُدخِل الخوفَ والذعرَ في قلوب الوحوش المفترسة حيث يحسب ألف حساب قبل الإنقضاض، بينما إن خرج أحدٌ ما من بين ذلك القطيع فسيكون عرضة للوحوش المراقبة من بعيد لإفتراسها.
وكذلك الشعب الكورد، التشتت والتشرذم كان سببا لفتح المجال أمام الطامعين للإنقضاض عليهم، فقوة ووحدة الكورد هي خوف ورعب الأعداء، لذا كلما كان الكورد في تفرق كلما كان الأعداء أكثر قوة وأكثر جرأةً للقضاء عليهم، فتضامن وتراصص الكورد يجعلهم سيد الموقف، ومن خلالها، هم من يحددون مصيرهم ومصير مستقبلهم، فلنكن يدا واحد وصفا وموقف واحد، وندخل الرعب في نفوس الأعداء، ونبني مستقبلنا.
*المقالة تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
التعليقات مغلقة.