المجلس الوطني الكوردي في سوريا

ديرسم اسماعيل حمه :القضية الكوردية.. و الموازين الجديدة

113

 

بعد مرور مايقارب العقد منذ بداية ثورات الشعوب الشرق اوسطية تغيرت ملامح المنطقة بشكل جذري عما كانت عليه على مدى العقود العدة السابقة ،فكما تخلخلت أسس المنظمومات الأمنية الحاكمة في هذه المنطقة بدأت أسس عقائدية قديمة كانت قد غُرست في وجدان الشعوب الشرق اوسطية منذ مايقارب القرن وكانت قد مرت بفترات من النشاط وأخرى من الركود والصمت المريب بالعودة إلى النشاط الحركي الفعال فكرياً وعملياً على أرض الواقع .
لو قمنا بجولة ذهنية في خرائط النفوذ الحالية على طول خريطة هذا العالم الشرق اوسطي المشرذم وتمعنّا في خصائصها وفوراقها لتوصلنا إلى نتيجة حتمية في أنه محصلة مايوجد اليوم من صراعاتٍ وتجاذبات ما هي إلا إنعكاس مثالي يناظر ما مرت فيه المنطقة طوال القرن الماضي من أحداث و وقائع غيرت المفاهيم والأفكار وغيرت معها شكل المنطقة ككل سياسياً وجيوسياسياً و إجتماعياً وديمغرافياً.. وهذا ماسيؤدي بنا إلى حتمية ضرورة العودة لدراسة الماضي القريب لنتحلى بالمرونة لنتدبر ونواجه ما يحصل وسيحصل في المستقبل القريب بناءاً على أسس سليمة .
فلو فكرنا على سبيل المثال لا الحصر في معطيات الصراع السعودي(الإماراتي) -التركي(القطري) القائم اليوم سنجد انه ليس صراعاً على جغرافيا ولا صراعاً اقتصادي وقد لايكون حتى سياسياً في معظم جوانبه بل هو صراع عقائدي بحت بين أفكار واحدة المنشأ والهدف يتفاوت بين المد الإخواني من جهة ووليده المهجن من التيار السلفي من جهة أخرى، ولو تابعنا وقائع الصراع الإيراني من جهة والخليجي المصري من جهة أخرى سندرك انه صراع متمثل في تضارب فكر الثورة الخمينية الشيعية مع التيارات من “الخوارج” على فكر معلمها الخفي حسن البنا مؤسس التيار السني السياسي والحراكي وفي مواجهة مايمكن قد بقي من حاملي راية الفكر الناصري العروبي القوموي المتشرب في منظمومات العسكر بمختلف تشكيلاتها بل وقد يدلنا نوعا ما على جزئية تبين لنا إحدى أرضيات التفاهم التركي الإيراني المعلوم على رأس الأشهاد ، وما هذه الحالات إلا أمثلة بسيطة وطفيفة عُرضت للقارئ بغرض التوضيح لا أكثر والتتمة مطولة بحيث لايمكن عرضها في أي مقال متفرد .

لكن مايهمنا طرحه كشباب ثوري كوردي هو الحالة الكوردية قبل أي شي، والتبحر في ملابسات هذه الحالة المعقدة ضمن إطار المحيط المتوتر ولكن دون تجريد هذه القضية الفعالة من تميّزها و انفرادها في العديد من خصائصها الذاتية البحتة ،وربما أكبر خطأ يقع فيه الباحثين الكورد هو قيامهم إما بالتعاطي مع القضية الكوردية بوصفها حالة متفردة قائمة بحد ذاتها دون التأثير الإقليمي والعالمي عليها عدا التدخل العسكري الأمريكي و الأوروبي أو في جهة مقابلة يقومون بالعكس من خلال تمييع القضية الكوردية كونها جزءاً عضوياً ضمن أطر القضية الشرق اوسطية الكبرى ولايمكن حلها إلا بحل العلة الأساسية في كل المحيط الإقليمي الشرق أوسطي، وفي إطار وجهة نظرنا كلا الحالتين ورغم أصحية جزيئات منهما إلا أنهما تشكلان قصر نظر موضوعي في التفاعل المعرفي لدراسة هذه القضية الحقة .
كما لايخفى على اي أحد.. فأن القضية الكوردية اليوم وبعد إنطلاقة شرارة الثورات الشرق أوسطية ومالحقها من متغيرات كبرى دخلت في مرحلة جديدة كلياً تختلف عن ماكانت عليه طوال المئة عام الماضية ،فالكورد اليوم في كلا الجزئين الجنوبي والغربي من الوطن الكوردستاني الأكبر باتوا في تطور غير مسبوق في المجالات العسكرية والمالية و الدبلوماسية وهذا بطبيعة الحال يلقي بظلاله على متغيرات الأحداث والأفكار في كلا الجزئين المتبقيين مما يشكل قلقاً عظيماً لدى كل من تركيا وإيران اللتان تحتلان هذين الجزئين، ولذلك بالمقابل تبدأ جميع الدول المتضررة من ازدياد النفوذ الكوردي بالبحث في مواطن الضعف ضمن المجتمع الكوردستاني لضربه من الداخل قبل الخارج و تفتيته بحيث لايمكن أن يبني في جغرافيته أمة موحدة مستقلة تملك لنفسها نظرة موسعة لمستقبلها ومستقبل المنطقة ككل .
وبطرحنا لإشكالية مواطن الضعف في داخل المجتمع الكوردستاني يجدر بنا طرح بعض المواطن ضمن أطر بعض العلل الأساسة المذكورة في بداية المقال فيما يخص بعض أعمق التحديات لإقامة أمة كوردية مستقلة وقائمة بحد ذاتها والتي تقوم الدول المعادية بدراستها بعمق واستغلالها استغلالاً مفرطاً تجسد بشكل مثالي آخر مرة في كل من حادثة الاستفتاء في إقليم كوردستان وما لحقها من تغيرات ومجاذبات بالإضافة إلى نكبة عفرين المستمرة والمتفاقمة إلى اليوم؛ وفي إطار التمعن في هذه المواطن الإشكالية ضمن بنية المجتمع الكوردي فلعل أهم هذه الإشكاليات هو عدم قدرة الكورد وخاصة الطليعة السياسية والباحثة منهم وتجاوز طبيعة شخصية المجتمع الكوردي القبلية – الرعوية ومحاولة الباحثين الكورد في معظم الأحيان تجاوز هذه الحقيقة والتجاوب معها كما يجب.. ولعل أبرز ماتفهمه الدول العدوة للوجود القومي الكوردي هو هذه الشخصية بخصائصها المتعددة والشبيهة شبهاً عميقاً بالشخصية القبلية – الرعوية العربية وخصائصها والتي تمت فيها دراسات إجتماعية أهمها وأولها في نظري كانت في ” مقدمة ابن خلدون” وافضلها وصفاً في مؤلفات المفكر المصري ” الدكتور سيد القمني” لمن يريد العودة لقراءة هذه المؤلفات الرائعة واستشفاف مايمكن من افكار في هذا المجال منها ومن غيرها من عشرات الكتب والمؤلفات، العصبية القبلية مازالت تحكم المجتمع الكوردي وتجعل منه تجمعاً كونفيدرالياً اجتماعياً بعيد بعداً بالضرورة عن أن يكون مجتمعاً متناسقة مستقلاً متماسكاً خارج عن اطارات المناطقية والقبلية والعشائرية تجعله لايقدر على فهم واستوعاب مفهوم الوطنية الكوردستانية بشكل واضح وحقيقي.. وهذا يشكل اول عائقٍ عظيم في سبيل تشكل أمة كوردية مستقلة ومستقرة بما تشمله كلمة الأمة من مفاهيم ومضامين.. ومن ابرز تجليات هذه العصبية القبيلة على سبيل المثال القائها بشكلها و مضمونها في الانتماء الحزبي الضيق الذي لايماثله اي انتماء سياسي وحزبي في اي مكان في العالم حيث أن الانتماء لأي تيار سياسي وحزبي في الحالة الطبيعية يكون على اسس القناعة بمفاهيم ومشاريع هذا التيار لكن ضمن المجتمع الكوردي يكون الأمر على شاكلة أن من يجد ابائه واجداده في تيارٍ فكريٍ معين.. يدخل في منطقة العيب والعار الذي قد يلاحقه لسنوات بتهمة التجرد من الأصل لمجرد تفكيره بخطأ هذا التيار او الشروع بتركه وخاصة في حالة الانضمام إلى تيار فكري اخر ربما يشعر بقناعة اكبر تجاه مشاريعه و مفاهيمه ، ووجوب التمسك والدفاع عن حزبه وجماعته حتى وإن كان على علم وقناعة بخطأ ماقد يمارسه هذا الحزب على أرض الواقع ( على مبدأ هذا ماوجدنا عليه ابائنا واجدادنا)، كما أن هذه الإشكالية المتعلقة بالعصبية القبلية تؤسس لإشكالية كبرى ثانية ألا وهي الشتت في مفهوم الهوية والولاء لدى الفرد الكوردي حيث انه ولليوم اذا سألت مجموعة من الأفراد الكورد عن انتمائهم ستحصل على أجوبة متفاوتة مابين من سينسب نفسه وولائه إلى عشيرته ومن سينسب نفسه إلى المدينة الذي هو منها ومن سينسب نفسه إلى المجموعة اللغوية الذي هو منها كالكرمانج وهناك من سينسب نفسه للمحافظة الذي يسكنها وهناك من سينسب نفسه إلى منطقة مسقط رأس والده او جده وهكذا دواليك.. فمن الصعب جداً الحصول على أجوبة قومية شاملة بدون تلقين مسبق لتحدد الانتماء الفعلي والحقيقي وهذا مايشكل العائق الثالث في محاولة ترويض شخصية الراعي القبلية التي لاتستوعب مفهوم الوطن والأرض بل مفهوم الكلأ والملأ لتكون مرتبطة بارض و امتداد جغرافي وطني تؤسس عليه امة واحدة مستقلة ومستقرة بما تشمله كلمة الأمة معاني و مكونات ، وهذين الإشكالات المقدمة ماهم إلا غيض من فيض ومناقشة هذه الإشكالات وتوصيفها بشكل مستقل و متعمق يحتاج لدراسات وبحوث مطولة تختص في هذا المجال ولن تسعفني مقالة واحدة على ذكرها ومناقشتها كلها او حتى بعضها.

في النهاية يجب على الكورد العمل على إعادة بناء المفاهيم والتصورات واليقين التام بأن اي محاول لطرح حلول متفردة مثل الأممية او الاشتراكية أو الليبرالية القومية او الديمقراطية أو الإسلاموية لن تنتج حلولاً مجدية وقابلة الإستمرارية بل ستؤدي في النهاية إلى زيادة طين الإشكالات والمشاكل القائمة بلة ، بل يجب أن يكون الحل نابعاً من صلب الأمة الكوردستانية والمجتمع الكوردي قائماً في بدايته على اسس فلسفية وفكرية راسخة تبدأ من الإجابة على ابسط الأسئلة وتصل إلى وضع تصورات حياتية شاملة حتى وإن كان هذا الحل في بعض جزيئاته مستمداً من بعض المنظموات الفكرية السابقة كما هو الحال في جميع المعارف الإنسانية القائمة على اخذ الأفكار السابقة و تطويرها والإضافة عليها بما يخدم الغاية المرادة.. وينتهي بتطبيق الحل حسب ماتقتضيه معطيات الواقع عبر تنظيم وجماعة حركية من الشباب العقائدي المؤمن يتم تشكيلها وإعدادها مع الوقت بشكل دقيق وتكون هي الصفوة وهي الأمة الكوردستانية المصغرة حتى تنفيذ الحل الكوردستاني في الواقع وإنشاء الأمة المستقلة والموحدة، و بناءاً عليه يجب على الكورد اليوم وبشكل ضروري استوعاب طبيعة الصراعات القائمة في الإقليم المحيط ودراستها ومناقشتها بشكل اكاديمي ومكتبي وليس بشكل شفاهي واجتهادي كما هو الحال اليوم وبالتالي تعلم عقد التحالفات المرحلية المناسبة بدون اي اعتبارات غير اعتبار المصلحة القومية العليا في الأوقات المناسبة وبعيداً عن مفهوم “الصراع الصفري” القاضي بوجوب انتهاء واندثار احد أطراف الصراع على حساب انتصار وهيمنة الطرف الآخر انتصاراً مطلقاً بل على اسس ديناميكية سليمة تكون قادرة على التكيف مع أحلك الظروف كما مع ارغدها ، وعلى الكورد اليوم وبشكل حقيقي وعاجل السعي لإحداث أدنى حالة ممكنة من التوافق السياسي يخاطبون فيها العالم ككورد وليس كمناطقيات او أحزاب او تشكيلات عسكرية ، كما أن عليهم عدم التصديق بحتمية الخلافات مابين الاطراف الإقليمية على سبيل المثال كالمملكة العربية السعودية و تركيا وايران ومن يدور في افلاكهم من التيارات العقائدية و الحركية المرتبطة بهم، فعدم فهم طبيعة الخلافات القائمة بينهم فهماً اكاديمياً واقعياً صحيحاً قائماً على اسس المعرفة والدراية والبحث سيؤدي إلى تحالفات مشبوهة تسعى اليوم هذه الأطراف إلى عرضها كلٌ من جهته على الاطراف الكوردية المتفرقة و المختلفة ستُضَم إلى مسلسل التحالفات الخاطئة الطويل التي مابات احدها يخبو حتى تحل كارثة الآخر على مر المراحل الماضية السابقة .. كما وانهظ اعتماد اي حالة خارجة عن الإطار القومي الكوردستاني بشكل متفرد ستؤدي بصاحبها و بالقضية الكوردية إلى دهاليز صعبة ودموية من جديد يكون الخاسر فيها هو الفرد الكوردي اولا واخيرا .

اليوم العالم يريد مساعدتنا.. ويجب أن نكون اهلاً لإستثمار هذه المساعدة بعقلانية وفكر حر وطاقة شبابية مؤمنة بعقيدة قومية راسخة للنهوض بأمتنا الى مصافي الأمم نحقق من خلال هذه الأمة العظيمة ذاتنا وكينونتنا ونعيد من خلالها لم شملنا في وطنٍ جامع ننتمي اليه وينتمي الينا .

التعليقات مغلقة.