الحلّ السياسي المنشود للأزمة السورية قد يتأخّر أكثر، أو أنه يأخذ حيّزاً واسعاً من الزمن، لاعتماد النظام السوري حتى الآن الخيار العسكري للحل، يتجلّى ذلك في بعض المناطق ولاسيما محافظة ادلب، حيث الحملات المتواصلة عليها وبدعم ومساندة كلٍّ من روسيا وإيران وغضِّ الطّرف من تركيا، أو أن الأزمة السورية مرتبطة بعموم أزمات المنطقة، أو بسبب الصراعات القائمة والمستمرّة على مناطق النفوذ بين مختلف القوى الدولية منها والإقليمية، حيث سوريا بشكل أو بآخر رهنُ مناطق النفوذ لكلٍّ من روسيا، التحالف الدولي، تركيا، وإيران المتغلغلة في مفاصل الدولة السورية، وفي صلب قواها الفاعلة الأمنية منها والعسكرية، وهي بمجملها تتصارع على المصالح الاقتصادية والسياسية لدرجة أن كلاً من تركيا وإيران تتطلعان ليس إلى مصالحهما في سوريا فحسب، بل تراودهما أحياناً أحلام العهود الغابرة على غرار الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية، أما روسيا والتحالف الدولي بقيادة أمريكا، فقد تتعارضان أحياناً، لكنهما على ما يبدو في توافق، سواءً في شأن آفاق الحل السياسي ولو اختلفت السبل والأساليب، أو في توزيع مناطق النفوذ وبين مجمل الأطراف الدولية والإقليمية، وعليه فإنّ المجتمعَ الدوليَّ ومعه “الأمم المتحدة” يسير في مساعيه نحو الحل السياسي وفق مرجعية جنيف1 والقرارات الدولية ولاسيما القرار / 2118 و 2254 / والقرارات الأخرى ذات الصلة، ويدأب من أجل إنجاز ما أسموها السلال الأربع، بعد التفرغ النسبي من داعش، بغية الانتقال إلى المراحل الأخرى (اللجنة الدستورية، الحكم الانتقالي، والانتخابات ..الخ)، وعلى العموم يبقى تحقيق الحل السياسي المنشود ليس بالأمر السهل، بل ربما تعترضه الكثير من العراقيل والعقبات، ولعل مساعي انجاز اللجنة الدستورية خير دليل على ذلك، حيث مضى على هذه المساعي أكثر من سنة، ولم يتم إنجازها حتى الآن.
وتبقى جهود ومساعي معظم تلك الأطراف المتواجدة على الساحة السورية مُنصبَّة في المرحلة الحالية نحو إنجاز المنطقة الآمنة والترتيبات اللازمة لضمان تحقيق الأمن والاستقرار للمكوّنات المشمولة بها، والتي ترغب في تحقيقها برعاية وحماية دوليين، بغية درء المنطقة مخاطر تجربة عفرين والمآسي والويلات التي الّمت بأهليها وسكانها الآمنين، وكذلك موضوع تحقيق إدارة جديدة مشتركة بين عموم المكونات في شرقي نهر الفرات (منطقة نفوذ التحالف الدولي بقيادة أمريكا)، فهي منهمكة بالترتيبات اللازمة لتلك الإدارة حيث اللقاءات والمشاورات مع القوى والأطراف السياسية المعنية، ولعل المبادرة الفرنسية من أجل تحقيق تقارب بين المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي تأتي في سياق الترتيبات لتلك الادارة.
وتأخذ إيران في الصراعات المذكورة أعلاه موقع الصّدارة في التّصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسعى هذه الأخيرة إلى سحب يد إيران من تدخُّلاتها في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة، كما تحاول إبعادها عن أن تكون دولة تمتلك السلاح النووي، إلى جانب انسحاب ميليشياتها من سوريا نهائياً، بغية إبعاد شبح الخطر عن حليفتها إسرائيل والحدّ من مشروعها المذهبي التوسُّعي، تلك هي خلاصة البنود الأمريكية الاثني عشر كشروط للحوار معها، إلا أن إيران ورغم ذلك والعقوبات الاقتصادية المتزايدة المفروضة عليها، والحركة الشعبية العارمة ضدها التي تدبُّ أوصال مدنها وبلداتها وحتى أريافها، إلى جانب تنشيط قوى المعارضة الداخلية منها والخارجية، فإن إيران المُصنّفة بدول مُصدّرة للإرهاب، ومع مضيها في الغي نحو التحديّات، إلا أنها لا تخفي قلقها المتزايد على مستقبل علاقاتها السياسية والاقتصادية، وهي بالتالي تميل إلى تقديم التنازلات عبر فتح باب الحوار مع الجهات المعنية بما هي أمريكا وحلفائها.
وتركيا تمتاز بموقع هام في تلك الصراعات، حيث تسعى كلٌّ من روسيا وأمريكا لكسبها إلى جانبها، ولاسيما الأخيرة تحاول بمختلف الأساليب، تارة بالتهديد وأخرى بالترغيب، التهديد بالعقوبات الاقتصادية وتقليص تحالفاتها مع الغرب، والترغيب في مشاركتها بالدور الفاعل والمؤثر في قضايا المنطقة وحل أزماتها، كما أن الجانب الروسي لا يدخر وسعا في هذا المجال، ويستجيب لتطلعات تركيا وتفاعلاتها السياسية على مختلف المستويات والصعد، فضلا عن المساعي في تعزيز العلاقات الاقتصادية معها والتعاون في مختلف المجالات الأخرى بما فيها التسليح، فضلاً عن هذا كله، تسعى تركيا للعب دورٍ أوسع على صعيد المنطقة، تارة مع السعودية، وأخرى مع دولة قطر المناوئة لقبلها، واليوم يحتدم صراعها في ليبيا مع قيادة المشير خليفة حفتر، بدعوى تعاونها مع (شرعية حكومة الوفاق الوطني التي يتزعمها السراج) أي أنّ تركيا تمارسُ مختلف الأدوار السياسية سواء في نطاق حدودها أو في خارجها، إلا أن ما يؤرقها هو وضعها الداخلي جراء تراجع الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) في الانتخابات المحلية الأخيرة وخصوصاً بعد إعادة الانتخابات في بعض المناطق مثل مدينة استانبول ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية التي جاءت نتائجها للمرة الثانية لمصلحة أحد أحزاب المعارضة، ما يجعل الحزب يعيد حساباته من جديد.
أما العراق، ووسط الصراعات الحادة بين الكتل والأحزاب السياسية، سواء بسبب المواقف السياسية حيال المنطقة وإيران، أو بسبب الأوضاع الداخلية، والملفات الهامة التي تتطلب الاهتمامِ والمعالجة كملفات الفساد المالي والإداري، وملفات العلاقات الخارجية مع الجهات المعرقلة لتطور العراق وتقدًّمه، وسط هذه الصراعات التي دامت طويلاً استطاع السيد عادل عبد المهدي من استكمال البقية الباقية من الحقائب الوزارية السيادية عبر البرلمان العراقي، وعلى أمل انجاز المهام والمسؤوليات الموكلة إليها، ولعلّ التفاهماتِ الأخيرةَ بين هولير وبغداد قد ساهمت بدورها في حلّ الكثير من القضايا الهامة العالقة، وبقدر حل قضايا الخلاف بين المركز والإقليم بقدر ذلك تحل المزيد من جطالقضايا الأخرى التي لها أهميتها عراقيا وكردستانياً.
في إقليم كوردستان، يميل الوضع نحو المزيد من الهدوء والاستقرار، خصوصاً بعد التفرغ من تثبيت الرئاسات الثلاث (رئاسة الإقليم، الحكومة، البرلمان) والبدء بترتيبات تشكيل حكومة الإقليم على ضوء ترتيبات الوضع السياسي، حيث تناول الحزب الديمقراطي الكوردستاني الشقيق الوضع بمسؤولية تامة وشفافية، وظل الدور المتميز لسيادة الرئيس مسعود بارزاني في التوفيق الدقيق بين الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة على الساحة الكردستانية والعراقية، وكان بمثابة الأخ الأكبر في تلك الترتيبات، مما حاز على رضا الأطراف قبولاً وارتياحاً، وفي هذا السياق، فقد بدأ الرئيس المنتخب الاخ المناضل نيجيرفان بارزاني دورَه ونشاطّه في السَّعي لتعزيز العلاقات عراقياً وإقليمياً وحتى دولياً بما يساهم في الارتقاء بتلك العلاقات نحو خدمة الأطراف المعنية اقتصادياً واجتماعياً، إلا أن هناك مساعي لتعكير صفو أجواء تلك العلاقات بأساليب مريبة ما يجعل كيدهم وبالاً على أنفسهم، وما ينبغي لهم إعادة النظر في حساباتهم بغية العودة الى جادة الصواب، لأن المستقبل لا يخدم توجهاً كهذا.
وفي كوردستان سوريا، يبقى وضع مدينة عفرين وبلداتها وأريافها ومعاناة شعبها من الانتهاكات المختلفة المستمرّة للأنفس والأموال والممتلكات ومختلف أشكال السطو والسرقات هي الشغل الشاغل لشعبنا الكردي في سوريا وحركته السياسية، ورغم الوعود بالمساعي والجهود من أجل تخفيف المعاناة ومحاولة تهيئة عوامل عودة المُهجّرين الى ديارهم وممتلكاتهم، إلا أن الهاجس يبقى ماثلاً حتى زوال الحالة المزرية عبر إدارة المنطقة من قبل أهلها وإعادة النازحين اليها إلى مناطقهم وضمان الحماية اللازمة لعفرين والمناطق التابعة لها، بغية ضمان أمنها وسلامة أهاليها للعيش بهدوء واستقرار.
وعلى صعيد آخر، مازالت الجهود والمحاولات مستمرّة لتحقيق نوع من التقارب والتفاهم بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ( ENKS ) وبين ب ي د ممثلا بالمبادرة الفرنسية والجهود الأمريكية في لقاء الطرفين بهذا الصدد، وفي هذا السياق فقد أعرب حزبنا (الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا) والمجلس الوطني الكردي في سوريا عن رغبتهما في الوفاق نحو تحقيق شراكة حقيقية بين الجانبين، عبر توفير المناخات والأجواء اللازمة لحوار جادٍّ وفاعل، إلا أن الطرف الآخر يؤكد بممارساته خلاف ذلك، ولئن كان يوحي بالتجاوب في هذا الاتجاه إلا أنه سرعان ما يمارس عملاً آخر ينسف ذاك التوجّه او على النقيض منه، ما يعني إما عدم جديته أو أنه لا يمتلك ناصية قراره ، وفي الأمرين نتيجة واحدة، هي أن هذا الطرف ليس لديه أية جديّة في شراكة حقيقية، بل يسعى للاحتواء ومصادرة قرار وموقف المجلس، وهذا ما لا يمكن قبوله بأيّ شكل من الأشكال.
1 / 7 / 2019
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا
التعليقات مغلقة.