محمود عباس: من المديون ؟.
من المديون السلطة أم المزارعين (الكورد تحديداً (؟ سؤال لا يحتاج إلى جواب، فماذا يكمن وراء مرسوم تسديد الديون، وفي هذه الفترة؟ هذا ما يتوجب علينا تقصيه، ونحن في الشهر الذي صدر فيه مرسوم الحزام العربي العنصري قبل 45 سنة، فهل هذه تكملة لتلك وما بينهما؟
مطالبة مزارعي الجزيرة وعفرين، بتسديد جزء من ديونهم، في الوقت الذي لا تزال فيه الحرائق مستعرة، بغابات زيتون منطقة عفرين (أكثر من 120 ألف شجرة زيتون مثمرة حتى منتصف حزيران) وحقول قمح الجزيرة (قرابة 45 ألف هكتار من القمح والشعير حتى 20 حزيران) ومعها العديد من بيوت المزارعين، تعتبر حلقة من سلسلة طويلة من المؤامرات والمخططات الهادفة لتقليص الوجود الكوردي والقضاء على قضيته في جنوب غربي كوردستان، بدأت منذ ما يقارب القرن. لا شك، أنه إجحاف بحق الشعب المعاني، بل هي جريمة أخرى تضاف إلى جرائم السلطة العديدة، خاصة في هذه المرحلة، وحيث لا تزال الأعمال اللاإنسانية المفتعلة مستمرة، وهي عملية من ضمن مخططات السلطة ومعها المتربصين بالكرد، لتهجير البقية الباقية من شعبنا، وضرب مكتسباته في هذا الجزء من كوردستان.
لم تكتف السلطة عن طريق أدواتها إلى جانب فلول داعش، في حرق المحاصيل، وتواطئها بمساعدة روسيا، أمام جرائم المحتل التركي ومرتزقته في منطقة عفرين (لا يستبعد، حتى وهما في حالة الصراع الجاري، حدوث اتفاقات غير مباشرة، عند حضور القضية الكوردية، الصمت والتواطؤ من ضمنها) فأضافت إليهما إصدار المرسوم الفاجر، وهو مطالبة المتضررين من المزارعين في المنطقتين المذكورتين، بدفع جزء من ديونها المتراكمة. وللتغطية على خباثة الطلب، تستخدم التحايل الاقتصادي في طريقة عرض المرسوم، وجباية الأموال، مع منية، فقسطت الديون إلى عشر سنوات، علما أن معظمها تراكمت على خلفية سنوات الجفاف السابقة، وبسبب البيئة المدمرة جراء الحرب الكارثية المفتعلة بينها وبين المعارضة التكفيرية، أي أن السلطة قبل المعارضة التكفيرية هي المذنبة في هذا التراكم والواقع المادي المذري للمزارعين.
شعبنا في عفرين والجزيرة يواجهون اليوم مصير مؤلم كارثي، لا يقل عن جريمة المرسوم الجمهوري رقم 49 والذي قضي به على الحركة الاقتصادية في المنطقة الكوردية حصراً، وجمدت، بل دمرت، على أثرها جميع المشاريع الاستثمارية وتوقفت مسيرة البناء، المتنامية حينها على خلفية الاستثمارات الذاتية، وخلفت جيوشا من الكورد العاطلين عن العمل، وموجات من الهجرة إلى الداخل السوري والخارجي، وبالتالي تحولت المنطقة من حالة ازدهار إلى منطقة تعاني أزمة اقتصادية – اجتماعية كارثية.
لقد كان إصدار ذلك المرسوم، كما هو الحالي، سابقة خطيرة، ضمن سياق سلسلة من المراسيم والقوانين والتشريعات الاستثنائية (المجحفة) في سوريا الأسد ضد شعبنا الكوردي، خاصة عندما وضعت إمكانيات الحصول على الترخيص القانوني لأي بناء أو مشروع اقتصادي في المنطقة تحت أمرة المربعات الأمنية الشبه مستحيلة الحصول عليها، وهنا نذكر فقرة من المرسوم القديم (يمنع وضع أي من إشارات الدعاوى والرهن والحجوزات والقسمة والتخصص…على صحيفة العقار في المناطق الحدودية سواء أكان العقار ضمن المخطط التنظيمي للمدينة أو خارجه، إلا بعد الحصول على الترخيص القانوني من وزارة الداخلية).
واليوم كالسابق أصبح من الشبه المستحيل تأمين الأموال المطلوبة لدفع ديون المصرف الزراعي، على خلفية الكوارث الجارية المضافة إلى مآسي الحرب، وبالتالي فالمواطن الكوردي حصرا، أمامه خيارين: أما ترك أرضه بوراً والعيش في فقر مدقع. أو التخلي عن وطنه وأرضه، أو لربما بيعها ومن ثم الهجرة من منطقته التي تكاد أن تكون تأمين لقمة العيش فيها من وراء العمل صعبا للغاية.
ومن المؤلم ألا يكون هناك مدافع، ولا نقول معين، للمزارعين أو المواطنين في المنطقة الكوردية (نقول الكوردية، والتي تشمل الكورد والعرب من أبناء المنطقة، لسببين: الأول أن مزارعي المناطق الأخرى من سوريا أصبحت شبه مدمرة كليا، ولا يتوقع أن تشملهم مثل هذا الطلب وأن كانت فهي جريمة إن لم تدرج ضمن خانة الكفر، أما المزارعون الغمريون أصحاب المستوطنات في المنطقة الكوردية فجلهم لا يعانون من العوز كما يعاني الكوردي، كما أن الخدمات المقدمة لهم إن كانت من قبل السلطة أو الإدارة الذاتية لا يمكن مقارنتها بما يقدم للمزارع الكوردي) ليعترض على هذا المرسوم المجحف من قبل سلطة بشار الأسد، ويندد على الأقل بخباثته الواضحة من خلال إرضاخ المزارعين على دفع القسط الأول قبل أن يتمكنوا من الحصول على البذار والسماد، والمساعدة المادية للفلاحة والزراعة.
بدراسة بسيطة لخلفيات هذا المرسوم، يتبين على أنها عملية إجرامية اقتصادية- سياسية ممنهجة، تدار وبخبث ضد البقية الباقية من شعبنا الصامد على أرض الوطن، والجريمة تتجاوز من مجرد مسألة يمكن التغلب عليها بجمع التبرعات، ولا شك أن محاولات مساعدة المتضررين من أبناء شعبنا في الجزيرة وعفرين، مادياً ومعنوياً مهمة ولا بد منها، مثل (المشروع الذي تقوم به مجموعة من المثقفين والكتاب والمستقلين الكورد في أوروبا) وهو واجب على كل وطني متمكن.
لكن علينا أن ندرك أن الإشكالية أعمق وأضخم من مجرد خسائر مادية، فنحن أمام مصير أمة تسلب منه وطنه، وشعب يهجر بطرق متنوعة. لأنها تهدف إلى تجريد جنوب غربي كوردستان من حضنها الكوردستاني، المخطط الذي كرس لها العديد من المثقفين والسياسيين العروبيين جهودهم، بنشر كتابات تاريخية محرفة، ومرفقة بمصادر مطعونة فيها، محاولين إقناع ذاتهم قبل العالم على أن الكورد في الجزيرة هم نتيجة هجرات حديثة من شمال كوردستان.
مؤشرات تبين على أن تخطيط خبيث رسم في أروقة المتربصين بالكورد، شاركت فيها سلطة بشار الأسد، وبعض المنظمات التكفيرية كالفلول المتبقية من داعش بقسميها التركي والمأمور من قبل السلطة، ويراد منه كما ذكرنا تهجير البقية الباقية من أمتنا الكوردية، أو على الأقل تهجير قدر ما يمكن تهجيره، فعمليات تدمير المنطقة الكوردية، بتوسيع حلقات الصراع الطائفي السني الشيعي، إلى صراع بين شعوب المنطقة، وأدراج الكورد على رأس القائمة المستهدفة، مثلما يتم في شمال أفريقيا ضد الأمازيغ والقبط، الشعوب التي كانت في مقدمة الثورات السلمية.
ومن المؤسف له، أننا كقوى كوردية خارجية، لتشتتنا وخلافاتنا الداخلية، عاجزون على إقناع الدول الكبرى للوقوف ضد هذا المخطط التأمري، ولا نتعاون ونعمل بدراية، لخدمة شعبنا على أرض الوطن، كتقديم القضية الوطنية القومية على المصالح الحزبية. لذلك فإننا جميعا كحراك كوردي، وليس فقط الإدارة الذاتية والمجلس الوطني، مذنبون أمام هذه الإشكالية الوطنية، والكارثة الاقتصادية التي تجتاح شعبنا الصامد على أرض الوطن.
مع ذلك فعلى الإدارة الذاتية الأكثر معنية بهذا الأمر، فهي رغم تصريحها، على أنها تقوم بجولات ميدانية لتحديد حجم الكارثة وتقديم المساعدة على أساسها، والتي هي عملية في الاتجاه الصحيح إن دخلت في الحيز العملي، أن تظهر موقفا واضحا من هذا المرسوم الجائر، وما يؤمل منها ألا تستمر في صمتها، وعليها أن تتعامل مع الأطراف الكوردية الأخرى لإيجاد حل مناسب للمزارعين، وتعرية هذا المخطط.
كما وأن الرسالة هذه موجهة بدورها إلى الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، ومن ضمنهم المجلس الوطني الكوردي بأحزابه، ويؤمل منها ألا تقف على مضمون البيان الصادر بمناسبة مرور 45 عاما على مشروع الحزام العربي الجائر، والمندد بمشروع الغمريين البعثي والمهم إثارتها في كل آنٍ وحين، بل عليها أن تتحرك بكل ما تملكه من قوى ضد هذا المخطط أو على الأقل التنديد به، مثلما نددت على مدى السنوات الماضية بجرائم السلطة.
لا بد من إنقاذ مزارعينا بإلغاء المرسوم، أو على الأقل تجميد مطالبة المزارعين بدفع الديون، ولإنقاذ الأرض والمواطن يجب إزالتها كليا، فعملية التقسيط، وكأنها رحمة من السلطة، لا تكفي بل هي جريمة ممنهجة تطبقها عادة السلطات الشمولية لترهيب الشعب، ولا بد من إصدار مرسوم بعفو عام لكل المزارعين، بل وتقديم الخدمات الضرورية لإعادة الحياة إلى الحقول والمزارع والبيوت، علما أننا ندرك أن مثل هذا المطلب يعرض على الأنظمة الديمقراطية، والتي تقوم بالخدمات الإنسانية أمام المصائب والكوارث التي تحل بالشعوب.
وأخيرا، على الحراك الكوردي في جنوب غربي كوردستان بكل أطرافه، وفي مقدمتهم الإدارة الذاتية والمجلس الوطني، إعادة المطالبة بالنظام الفيدرالي لسوريا، وهو الحل الأفضل لقضايا الشعوب المضطهدة.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.