منذ أواخر أيار وأوائل حزيران بدأ المزارعون في غرب كوردستان الاستعداد لحصاد مواسمهم من القمح والشعير والذي يمثّل المورد الرئيسي الاقتصادي والمعيشي بالنسبة للمنطقة وسوريا ككل ، لكن مشيئة القدر أبت غير ذلك فاجأت المزارعين بنيرانٍ مجهولة المصدر التهمت كل المحاصيل خلال ساعاتٍ قليلةٍ ، وهنا يمكن القول بأنّ المثل الشعبي القائل ” أكل الأخضر واليابس” قد طُبّق بشكلٍ فعليّ على كامل جغرافية الجزيرة ، إلا أنّ الكارثة التي كانت قاصمةً للظهر كانت من نصيب مدينة تربه سبي وقراها الذين استفاقوا صبيحة 10 حزيران على دخان النيران التي بدأت من قرية نبوعة في جنوب المدينة وانتهت بديرونا قلنكا شمال شرقي المدينة ، حيث أنّ الحصيلة النهائية للحرائق كانت تُقدّر بما يقارب 100 ألف هكتار موزّعةً على 39 قرية في محيط تربه سبي .
وهناك الكثير من الأسئلة التي تراود الأذهان” هذه الحرائق الضخمة من يقف وراءها ، أهي مفتعلة أم بفعل الطبيعة ، ما الجهة المسؤولة عن حماية هذه المحاصيل وتعويض المزارعين ، ماالدوافع التي تقف وراء هذه الحرائق وماالآثار السلبية الناجمة عنها وأضرارها على تربة المنطقة في المستقبل؟!
ولتسليط الضوء على هذا الأمر أو لتوضيح وتفسير بعض الأسئلة على أقلّ تقدير ، كان لابدّ من التواصل مع بعض المزارعين والخبراء الزراعيين من أبناء القرى المتضررة.
المواطن أكرم جلال صرح لموقعنا R-ENKS فقال : « بحمد الله نملك أرض انتفاع في قرية معشوق ، هذه الأرض كانت تسندنا كثيراً بغض النظر عن سنوات الجفاف التي تحظى بها المنطقة كالعام المنصرم الذي كان عام جفافٍ وكان الأمل في موسم هذه السنة لولا أن وقع المحظور .
وتابع جلال قائلا : « لقد احترق موسمنا كغيرنا من المزارعين وهذا ماسيتسبب لنا في ضائقة مالية ، إذ نحتاج لمبلغ مالي كبير لتأمين المصروف اليومي من جهة ودفع ما صرفناه على حقولنا من ديون، مشيراً أنهم وكما السنوات السابقة قاموا بشراء البذار والأسمدة الكيميائية والعضوية وتزويد الحقول بها على أمل أن يوفوا الدائن حقها بعد حصاد الموسم .
وأضاف جلال : كنا نأمل بأن نجني أرباحاً من مواسمنا هذا العام كونه كان عام خيرٍ وفير، وبذلك نكون قد تخلصنا من الديون ، وباقي الأرباح نقتاد منها طيلة فترة الشتاء لتخفيف الضغط على أهلنا في الخارج , فما حدث كان كارثةً والأرجح أنها” غير طبيعية ” بل بفعل فاعل، ومن المعروف عن الأهالي في منطقة الجزيرة أنهم يعيشون على الموسم وينتظرونه بفارغ الصبر، حتى الزواج وموسمه يبدأ بعد موسم الحصاد كونه يضخّ المليارات للسوق لينعشها.
وفيما يتعلّق بالجهة المسؤولة التي تتحمّل تبعية ماحدث قال جلال : « يجب التوجه للإدارة الذاتية كونها المسؤولة عن المنطقة، كما ونطالبها بتقدير الخسائر وتعويض الفلاحين أو على الأقل تخليصنا من ديون الحقل .
ومن جهته أكد المزارع فخرالدين يعقوب من أهالي قرية ديرونا قلكنا ” دير أيوب” إنهم يعانون من مشكلة تأخر الحصادات في الوصول إلى أراضيهم ، حيث أنّ أغلب المزارعين في القرية من المنتفعين وأراضيهم حجرية ، الأمر الذي يشكّل صعوبة لدى أصحاب الحصادات ، فيتأخرون عن حصادها إلى أن يتم حصاد حقول القمح والشعير في جميع القرى .
وأردف يعقوب قائلاً« على الرغم من الأرباح القليلة التي نجنيها من محاصيلنا بس رداءة التربة التي تحوي كميات كبيرة من الأحجار إلا أنها كانت تسدّ الرمق ، بعد أن نوفي الدائن حق البذار والأسمدة التي كنا قد اشترينا مع بداية الخريف لنبدأ موسم الزراعة الذي كان ينذر بالخير منذ بداية العام حيث الغزارة في الهطولات المطرية التي لم تشهدها المنطقة منذ أكثر من 30 عاماً .
و أكد يعقوب أنّ الحرائق التي مُنيت بها المنطقة حالت بين المزارع وبين أمانيه التي كان ينتظر تحقيقها مع موسم الحصاد ، وقد أثرت سلباً على الأهالي الذين يعتمدون على محاصيلهم بشكل أساسي والله أعلم كيف سنقضي هذا الشتاء بعد الحرائق التي تعرضت لها حقولنا .
داعياً منظمات المجتمع المدني والمجتمعات الإنسانية القيام بواجبها حيال ماتعرض له المزارعون كتعويضٍ عن الخسائر المادية والكارثة التي حلّت بهم ، منوّهاً أنّ ماحصل لم يكن بالحسبان .
أما المزارع عبدالرحيم محمد فقد قال في تصريحه : بأنهم سيعانون هذا العام أوضاعاً صعبة للغاية فإما سيتعين عليهم الاستعانة بالمقيمين خارج البلد أو سيضطرون آسفين لترك أراضيهم دون زراعة ، لافتاً أنهم كفلاحين لن يتمكنوا من زراعة حقولهم في الموسم القادم لأنّ السنة الماضية كانت سنة جفافٍ وقحط ولم يجنوا من محاصيلهم أيّة أرباحٍ تذكر ، أما العام الحالي فكما هو ظاهرٌ للعيان فقد احترقت المحاصيل بأكملها ، متسائلاً فمن أين سنأتي بالبذار لزراعة حقولنا في العام القادم ؟؟
و في ردّه على سؤالٍ حول الآثار السلبية لحرق محصوله والآلية التي كان ينوي فيها صرف الأرباح قال محمد : « إنّ الأمطار الغزيرة التي هطلت هذا العام قد أثرت بشكل كبير على بيوتنا الطينية وهدمت الكثير منها ، فقد تهدمت غرف منزلي وكانت بحاجة إلى الكثير لإصلاحها أو لإعادة إعمارها ، وكنت قد أجلت الإعمار إلى أن نجني أرباح المحاصيل ، إلا أنّ ماخططت له قد تأجل إلى أجلٍ غير مسمى ” بحسب تعبيره”
وأشار إلى أنّ ماتسمى الإدارة الذاتية تتحمّل مسؤولية حرق محاصيلنا وقمحنا لأنها لم توفّر لنا سيارات الإطفاء ، وماقام به أهالي القرية لم يكن كافياً لقوة الحريق الذي التهم آمالنا وأحلامنا ، فكل منا كان يحلم بشراء سيارة أو بيت أو تزويج أحد أبنائه ، وكل ذلك ذهبت في مهبّ الريح .
عبدالقادر سليمان مختار قرية كرديم أكد أنّ الحرائق تؤثر بشكل كبير على جودة التربة وجودة المحاصيل خلال العام القادم ،إذ أنها أحرقت سطح التربة إضافةً لقضائها على الحشرات والديدان المتواجدة في التربة والتي تساهم بشكل كبير في انتعاش المحاصيل والقضاء على الحشرات الضارّة بالمحاصيل ، موضحاً أنهم لايعلمون كيفية السبيل إلى تأمين البذار في العام القادم بسبب انعدام الموسم خلال هذين العامين .
وفي سياقٍ متصل قال المهندس الزراعي هشيار العمر « يمكن اعتبار ماجرى كارثة حقيقية تمرّ بها المنطقة لما لها من العديد من الانعكاسات السلبية على كافة الصعد ”الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية” ، فعلى الصعيد الاجتماعي نجد ظهور النزعات الطائفية بين المكونات المختلفة والاتهامات المتبادلة بين المكونات والقوى السياسية المتعددة وخلق جو يسوده الشكّ حول الجهة التي تسعى لدمار المنطقة أو الجهات التي تقف خلفهم والتي تسبّب شرخاً في النسيج الاجتماعي بالمنطقة، كما أنه أدّى لتدني المستوى الاقتصادي الذي كان متوقعاً أن ينتعش في موسم الحصاد الأمر الذي شكّل هاجساً وتخوفاً لدى الأهالي لما لهذا الوضع من تبعات والتي تشير للدخول في فترة الظلام التي يمكن أن تجرّ المنطقة للشقاء .
ومضى بالقول : « على الصعيد الاقتصادي فإنّ الخسائر في المحاصيل الزراعية التي تعتبر المورد الرئيسي لسكان المنطقة أدّت لحالة من الجمود والتخوّف حول مصير المنطقة والذي من المتوقع أن يمتد بشكل أكبر ليشمل الجمود كافة القطاعات ، خاصةً بعد التصريحات التي أدلى بها بعض القيادات حول إمكانية نشوب حرب قوية في المنطقة، الشيء الذي يتخوّف منه التجّار حيث ستقلّ روؤس الأموال في المنطقة.
بيرين يوسف
إعلام ENKS
التعليقات مغلقة.