بعد عجز دول استانا – سوتشي عن تشكيل اللجنة الدستورية في اجتماعها الأخير، فقدت حيويتها وأهمية اجتماعاتها، ما أصبح المجال أمام التحرُّك الدبلوماسي للمجتمع الدولي أوسع، وخصوصاً الأمم المتحدة ومبعوثها غير بدرسون، بما يعني تعزيز أهمية مرجعية جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254 وكل القرارات الدولية ذات الشأن في الأزمة السورية، ومع ذلك لم يدخر المبعوث الدولي وسعاً في علاقاته مع الجهات المعنية بماهي روسيا والنظام السوري والمعارضة والتحالف الدولي، إلا أن ما يحصل على أرض الواقع هو خلاف ذلك حيث الحملات العسكرية الروسية بالاشتراك مع النظام على إدلب مستمرة ومتواصلة دون انقطاع وبتنسيق يبدو أو شكل من التفاهم مع تركيا، حيث الضحايا من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، إلى جانب الخراب والدمار الذي لحق بالمحافظة ومدنها وأريافها.
أما التحالف الدولي بقيادة أمريكا، فإلى جانب الترتيبات والتّفاهُمات مع كل من روسيا وتركيا بشأن المنطقة الآمنة، وتأسيس إدارة جديدة في شرقي نهر الفرات ، وفي هذا السياق فان المعلومات تفيد بان اللقاء الاخير بين وزيري خارجية كل من امريكا وروسيا له من الاهمية بمكان ايجابيا في عموم قضايا المنطقة وربما حتى القضية الكردية ، ومع كل ذلك فإن أمريكا تتحرّك بقوة هذه الفترة ضد إيران وسياساتها سواء المتعلقة منها بتصدير الإرهاب ودعمه، أو بتدخُّلها في شؤون دول المنطقة، أو كونها تشكّل خطراً على الأمن الدولي، وعليه فقد ضاعفت نشاطها في اتجاه التّضييق على إيران اقتصادياً وسياسياً، كما لها الدور الفاعل والمؤثر في تأليب دول المنطقة ضدها، العربية منها والإسلامية والخليجية، من خلال المؤتمرات الثلاثة الأخيرة في مدينة مكة بالسعودية، كل ذلك إلى جانب تقديم شروطها الاثني عشر بنداً لتنفذها تجنُّباً للمواجهة العسكرية المحتملة، أي أنّ التّحالف الدولي بقيادة أمريكا قد يرى أن جانباً هاماً من حلّ الأزمة السورية وعموم أزمات المنطقة ترتبط بإيران وسياستها، بما يقتضي ردعها.
وإيران من جانبها، أبدت قلقها الشديد مؤخّراً حيال التّهديدات الأمريكية لها بعد التحرُّك العسكري الواسع، ورأت فيها من الجدية ما يثيرُ الخشية في مواجهة عسكرية عارمة تشمل التّحالف الدولي والعديد من الدول العربية والإسلامية بما فيها الخليجية، وأقلّها استهداف المواقع النووية في عموم أنحاء إيران، وما زاد في جدية الأمر تلك الشروط الأمريكية التي أربكت إيران، وجعلتها في مأزق خانق، وفي حرج حقيقي، بما يعني في تنفيذها سقوط لهيبتها وسقوط لمشروعها في المنطقة والعالم، وفي رفضها لتلك الشروط تقع أمام مواجهة عسكرية دولية قد تُودِي بها إلى الهاوية، وعلى العموم فإن إيران أمام أزمات حقيقية داخلية وخارجية، لكن يبدو أنها تتراجع يوماً بعد آخر عن عنفوانها وتهديداتها المماثلة للمجتمع الدولي، وقد تجنح إلى الحلول عبر الحوار والتفاوض مع أمريكا والجهات المعنية، وإيران لا بد لها من تقديم المزيد من التنازلات درءاً للمخاطر المحدقة بها من كل حدب وصوب.
وتركيا مازالت تمارس دورها في التّوفيق بين علاقاتها مع حلفائها الاستراتيجيين (أمريكا ودول الاتحاد الأوربي وغيرها) وبين علاقاتها مع روسيا، وما يحرجها في الأمر هو تخليها عن صفقة صواريخ اس 400 الروسية ما يمسُّ مصداقية علاقاتها الدولية ومخالفة الاتفاق، وفي الاستمرار بالصفقة ما قد يعرّضُها للعقوبات الدولية، وفي المساس بعلاقاتها مع حلفائها، لاسيما أنها قد استجابت لبعض القضايا الهامة بماهي توقيف استيراد الغاز الإيراني وتحقيق المزيد من التفاهم مع أمريكا والتحالف الدولي، ولاسيما المتعلق منها بالشّأن السُّوري، بما هي المنطقة الآمنة وإقامة إدارة جديدة في شرقي نهر الفرات وغيرها من التفاهمات الهامة الأخرى، من جانب آخر، أكّدت تركيا أهميتها كدولة لها دورُها الفاعل والمؤثر في العديد من القضايا ولاسيما دورها في مسائل الأزمة السورية ما جعلها في موقع يسعى العديد من الأطراف إلى استمالتها وكسب ودِّها.
من الجدير ذكره أن تركيا تولي اليوم أهميّة خاصة لموضوع إعادة الانتخابات المحلية في عدد من المواقع أهمها (مدينة استانبول) وتسعى بقوة من أجل تحقيق المزيد من الأصوات واستعادة تلك المدينة إلى سيطرة الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) بعد الخسارة التي مني بها في الانتخابات الأخيرة .
والعراق، مازال في وضع الصراع بين الموالاة لإيران وبين الجانب الوطني المتشبّث بمصالح العراق وبما يخدم خروجه من الأزمات الداخلية إلى ساحات العمل من أجل تعزيز المجال الديمقراطي ومعالجة ملفات الفساد، والتفاعل مع المحيط الإقليمي والدولي من الأصدقاء وفي هذا السياق من الجدير ذكره أن الرئيس العراقي السيد برهم صالح في المؤتمر الاسلامي في مدينة مكة السعودية قد أبدى تعاطفه الواضح مع النظام الإيراني، بالرغم من الموقف الإيراني السلبي تجاه الأوضاع الداخلية في العراق وتجاه أزماته والحالة الأمنية المتردية، التي تسببها الميليشيا الإيرانية بنسبة عالية، هذا ناهيك عن تعشش الارهاب وخصوصا داعش في أوكار العديد من المناطق العراقية، حيث نهوض المسلحين من هذا التنظيم من جديد، ما يقتضي تضافر الجهود والمساعي للتصدّي له وبمؤازرة المجتمع الدولي والقوى المناهضة للإرهاب.
وإقليم كوردستان، أنجز العديد من القضايا الهامة والأساسية، فقد تم ترتيب وضع برلمان كردستان، وانْتُخب السيد نيجيرفان بارزاني رئيساً للإقليم خلفاً للقائد المناضل مسعود بارزاني، الذي لم يترشّح لولاية أخرى، وقد لاقى الرئيس المنتخب الترحيب الواسع من لدن الأصدقاء وحتى بعض الخصوم، إلى جانب تلقي سيادته المزيد من برقيات التهنئة والتبريك والاشادة بدوره حينما كان رئيساً للحكومة، وما تعلّق عليه الآمال في تطوير الإقليم وتقدمه، على العموم تشير الدلائل بوضوح إلى مستقبل واعد للإقليم ولشعب كوردستان بكلّ مكوّناته وانتماءاته القومية والدينية، ومن المتوقع تكليف السيد مسرور بارزاني بتشكيل حكومة إقليم كردستان خلال فترة ليست طويلة .. ومن المؤسف جداً تغيب كتلة الاتحاد الوطني عن اجتماع البرلمان يوم انتخاب الرئيس الجديد رغم توافقه على عموم القضايا ومجريات الأمور في هذا الصدد، يأمل الجميع أن يعيد هذا الحزب حساباته وأن يواكب مسيرة التطورات المرتقبة في كردستان متقدمة مزدهرة.
وفي كوردستان سوريا، مع ازدياد تفاقم الوضع الأمني في عفرين ومناطقها وتزايد الانتهاكات التي تقترفها بعض الفصائل العنصرية هناك، مع هذا الوضع المتردّي هناك مساعي وجهود جادة لتخفيف الأعباء عن الأهالي والضغط باتجاه الانفراج للوضع الأمني وإنهاء الحالة المُزرية، وبذل المزيد من الجهود لعودة المهجّرين إلى ديارهم وأملاكهم وأماكن سكناهم ومحالهم، ما ينبغي التفاعل مع المستجدات بآمال وتطلعات نحو غد أفضل ..
وعلى صعيد المجلس الوطني الكردي في سوريا( ENKS ) وحزب الاتحاد الديمقراطي (p.y.d) هناك جهود جادة وحثيثة تسعى إلى إصلاح ذات البين من طرفين مهمين في الشأن السوري (أمريكا بلقاءاتها مع الجانبين لمرات عديدة بهذا الخصوص ..) وفرنسا بمبادرتها التي سميت (المبادرة الفرنسية)، وعليه فإننا كحزب (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا) وكمجلس وطني كردي لا ينبغي لنا إلا أن نتجاوب مع تلك الجهود والمساعي بكل جدية واهتمام، والعمل ما أمكن من تقديم التسهيلات اللازمة للوصول إلى التوافق الممكن ولو في حده الأدنى، رغم معرفتنا المسبقة أن الجانب الآخر غير مهيأ حتى الآن لقبول الشراكة الحقيقية والعمل المشترك، وإنما يسعى دوماً الى التفرُّد بالقرار السياسي والهيمنة على مقدّرات الأمور، على عكس ما نطمح إليه في العمل المشترك والتعاون في عموم المجالات السياسية والعسكرية والإدارية، خاصة وأن هناك ملامح تطوُّرات جديدة في المرحلة المقبلة ما يقتضي الاستعداد لها بهمة واقتدار.
3-6-2019
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا
التعليقات مغلقة.