كتبت ليز سلي مديرة مكتب صحيفة واشنطن بوست في بيروت بتاريخ 25 آذار 2019 تقريرا صحفيا حول تدهور مستويات المعيشة في مناطق سيطرة الأسد على مدى ثماني سنوات من الحرب السورية ، ورغم قساوة الظروف بالنسبة لمعظم السوريين و البالغ عددهم 19 مليون يعيشون في جميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب ، حوالي ثلث هؤلاء خارج سيطرة الحكومة، و حسب احصائيات الأمم المتحدة فإن حوالي 89 % من السوريين يعيشون تحت حد الفقر ويعتمدون على المساعدات الغذائية الدولية.
لكن الملفت للانتباه أنه و للمرة الأولى ،يتذمر القاطنون في مناطق سيطرة النظام من تدهور مستويات المعيشة و الغلاء الباهط و التضخم ،رغم أن تلك المناطق تجنبت أعمال العنف بما ذلك العاصمة دمشق .
الكثير من السكان يتحدثون على إن الحياة أصبحت أكثر صعوبة في الأشهر الأخيرة أكثر من أي وقت مضى في السنوات الثماني الماضية ، و بات الكثير يدرك أنه لن يكون هناك تعاف سريع من الأضرار الهائلة التي ألحقتها الحرب على الاقتصاد السوري والنسيج الاجتماعي والمكانة الدولية.
كاتب سوري مقيم في دمشق ، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته حفاظا على سلامته “أن غزو الغوطة الشرقية العام الماضي أنهى إطلاق الصواريخ ، لكنه لم يجلب الراحة التي كان يأمل سكانها ،هذا هو أسوء ما عرفناه على الإطلاق ، بالكاد يستطيع الناس البقاء على قيد الحياة ، والنسبة المئوية للفقراء تتزايد طوال الوقت”.
النقص الحاد في الوقود والغاز والكهرباء أدى إلى عيش المواطنين في الظلام خلال فصل الشتاء البارد بشكل غير عادي ،أن استمرار انخفاض العملة السورية في الآوانة الاخيرة أدى الى ارتفاع الأسعار.
بعد سنوات الحرب الثمانية يعود الآلاف من الرجال الذين قاتلوا على الخطوط الأمامية إلى ديارهم دون أمل في العثور على وظائف. لقد غز الاقتصاد في زمن الحرب الفساد على نطاق غير مسبوق ، مما يضاعف التحدي اليومي المتمثل في الوقوف لساعات طويلة لتأمين الاحتياجات الأساسية مع سخط اضطررهم إلى دفع رشاوى متعددة لطبقات رسمية ، وفقًا لسكان دمشق.
هناك من يتوقع أن الحكومة السورية ستشجع المستثمرين العرب الأثرياء بالتدفق إلى دمشق ، وأن الصين ستساهم في تمويل مشاريع إعادة الإعمار ،وأن العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام ستخف ،كل تلك التوقعات ذهبت إدارج الرياح ،ومن غير المرجح أن يتم الوفاء بها في أي وقت قريب.
تمتلئ المقاهي والحانات في دمشق ليلا ،مما يخلق انطباعاً عن وجود مدينة على طريق الانتعاش. إلا أن المحتفلين يمثلون نخبة صغيرة استفادت من الحرب ، كما أن استهلاكها الواضح يؤجج استياء الغالبية العظمى من الناس الذين تمثل حياتهم كفاحا يوميا من أجل البقاء ، على حد قول السكان.
داني مكي ، المحلل والصحفي البريطاني السوري الذي يعيش في دمشق ،يقول: “ما يجري وصفه باعتباره انتصارا عسكريا كبيرا لم يترجم إلى تحسين نوعية الحياة التي كانت متوقعة ،لديك 3 إلى 4 في المائة من الناس الذين لديهم الغالبية العظمى من الثروة ، وبالنسبة للباقي ، فالحياة مجرد صراع”
وأضاف “إنه مزاج كئيب ، وكان هذا الشتاء القاسي ،حتى عندما كانت لدينا مجموعات مسلحة على عتبة دمشق ، لم يكن لدينا مثل هذه القضايا الكبيرة من منظور نوعية الحياة”.
وينعكس هذه التعاسة في سيل غير مسبوق من الشكاوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الموالين للأسد ، بما في ذلك بعض المشاهير والشخصيات التلفزيونية الذين استخدموا مكانتهم في الماضي لحشد الدعم لنظامه.
كتب أيمن زيدان ، ممثل بارز ، في صفحته على فيسبوك ،”لقد فزنا ، ولكن ليس هناك معنى لتحقيق النصر إذا لم يعد لدينا وطن عرفناه”، مما يعكس الشعور بخيبة الأمل من انتصار الأسد العسكري .
شكران مرتجئ ،الممثلة المشهورة ،كتبت “لقد سئمنا من الوعود والتعهدات على وسائل الأعلام “.
وتساءلت مرتجئ “هل سنسمح حقًا لمن لم يموتو في الحرب بالموت من البؤس والأسعار الباهظة والمضخمة؟”
الكثير شارك منشور مرتجئ ،أحدهم علق على منشورها بالقول “نحن معكم ونضيف أصواتنا إلى أصواتكم”.
الأسد في خطاب ألقاه في دمشق في شهر شباط ، و كأنه سمع الشكاوئ ،كان دفاعيًا على نحو غير عادي ، حيث أقر بأن بعض الأشخاص يعانون حقًا وأن الفساد بين المسؤولين المحليين قد ساهم في المصاعب التي يواجهها الناس.
لكنه لم يتجاهل المسؤولية ،حيث توجه بأشد الانتقادات الى المغتربين السوريين ،مرجعا نسب النقص في المنتجات الحيوية إلى العقوبات الأمريكية.
خبراء اقتصاديون ودبلوماسيون غربيون يرجحون إن العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الثاني السبب في النقص الحاد غير المتوقع للمنتجات الطاقة في الأشهر الأخيرة.
جهاد اليازجي ، محرر صحيفة سوريا ريبورت ، وهي نشرة إخبارية تركز على الأعمال والاقتصاد ،قال إن “تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية المحدودة على الناس العاديين في الأيام الأولى للحرب ضد الأفراد المرتبطين بنظام الأسد ضئيلاً للغاية. و إنه بصرف النظر عن فترة وجيزة قبل عامين عندما نفذت إمدادات الوقود والغاز بسبب الخلاف بين الحكومة وإيران ، المورد الرئيسي لسوريا ، فإن معظم المنتجات كانت متاحة على نطاق واسع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة طوال النزاع”.
و يتابع اليازجي” مع ذلك ، فقد استهدفت العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة شركات الشحن التي تقدم الوقود والغاز إلى سوريا من مواصلة القيام بذلك خشية تعريض أعمالهم للخطر في أماكن أخرى”، على حد قوله.
ومع ذلك ، يلقي معظم السوريين باللوم في النقص المباشر على حكومتهم ، وفقًا لما يقوله السكان .
الناس لا يلومون أمريكا ، أو على الأقل لا يحملون أمريكا المسؤولية الرئيسية ،إن أكبر اللوم الذي يلقونه على الحكومة ،يعرفون أن الحكومة عاجزة وفاسدة
يتابع الكاتب المقيم في دمشق “الأسد نفسه لا يزال خارج حدود الانتقاد ، أن الأسد غير متورط في الإدارة اليومية للبلاد ، وأن المسؤولين الفاسدين وغير الكفؤين وأمراء الحرب المحليين مسؤولون عن أي إخفاقات”.
الممثلة شكران مرتجئ تستكمل رسالتها الى الأسد بالقول “أرسل إليك هذه الرسالة لأنك الشخص الوحيد الذي سيستمع إلينا ويعدن ، ومن ثم يفي بوعده ،نحن جميعًا مع الوطن ، لكننا لا نريد أن يكون الوطن ضدنا”.
لا أحد يتوقع تمردًا آخر ضد الأسد في الوقت الحالي ، على الأقل في المناطق الموالية ، كما يقول السوريون.
احتجاجات عام 2011 ، التي خرج فيها ملايين الأشخاص إلى الشوارع لدعوة الأسد إلى التنحي ، أشعلت حرباً كلفت أرواح ما يصل إلى نصف مليون شخص ، و أكثر من 6 ملايين لاجئ ،و نحو 388 مليار دولار من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد والبنية التحتية ، وفقا للأمم المتحدة.
الكاتب في دمشق يقول” لقد فقد الناس إرادتهم في الاهتمام لن تجد أسرة واحدة لم تفقد أحدا ،إنهم يريدون فقط أن ينتهي الأمر ويحاولون تلبية احتياجاته”.
كما أن الوجود الشامل لأجهزة الاستخبارات يفرض حدودًا على الانتقادات المتفشية.
أن اعتقال واختفاء “وسام طيار” هذا العام ، وهو قائد مشجع بارز للنظام كان يدير الصفحة الإخبارية الشعبية المؤيدة للنظام على موقع دمشق الآن ،أدى إلى برود بين العديد من مؤيدي النظام التعيس. لا تزال أسباب اعتقاله غير واضحة ، ومكان وجوده الحالي غير معروف ، وفقًا للأشخاص الذين يعرفونه.
يناقش السوريون ما إذا كانت الحكومة قد قررت التسامح مع الانتقادات النادرة من مؤيديها أو ما إذا كانت تفتقر ببساطة إلى القدرة على القبض على جميع المشتكين. لقد اختفى أكثر من 100000 سوري في السجون منذ عام 2011 ، وتم إعدام عشرات الآلاف أو قُتلوا تحت التعذيب ، وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان ، التي تحتفظ بقاعدة بيانات عن الضحايا المدنيين للحرب.
إلا أن معظم هؤلاء الضحايا كانوا من أنصار دعوات الأسد لمغادرة المنصب.
و يقول اليازجي “بما أن التحدي يكمن في المعارضة التي تضمنت مجموعة واسعة من وجهات النظر ، من نشطاء الديمقراطية إلى المتطرفين الجهاديين ، فإن أولئك الذين يدعمون الأسد يشعرون بأن لهم الحق في التعبير عن آرائهم”.
ويكمل اليازجي و يقول :”لم يعد هناك شعور بأنهم بحاجة إلى التماسك لمواجهة عدو مشترك”. يقول الناس لقد هزمنا العدو المشترك ، لذا دعونا الآن ننظر إلى من المسؤول عن الكارثة التي نحن فيها.
مسؤول حكومي متقاعد ،تحدث ايضا بشرط عدم الكشف عن هويته “فإن هذا الشعور يثير أيضًا تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي لسوريا واستدامة حكم القبضة الحديدية لعائلة الأسد .
يقول العديد من الموالين السوريين إنهم يعلقون آمالهم على عملية السلام التي تقودها روسيا ، والتي تدعمها الأمم المتحدة. تتلخص الخطة الروسية بإجراء إصلاحات على الدستور السوري من شأنها ضم بعض أعضاء المعارضة إلى الحكومة وربما تضعف سلطة الأسد المطلقة ،والفكرة هي أن الولايات المتحدة وأوروبا ستقران مثل هذه التسوية ، مما يفتح الطريق أمام تمويل إعادة الإعمار والاستثمار الأجنبي وإعادة تأهيل سوريا من قبل المجتمع الدولي.
ومع ذلك ، فقد أعرب الأسد مرارًا وتكرارًا عن معارضته لأي تغييرات دستورية يتم التفاوض عليها من قبل القوى الأجنبية.
المسؤول المتقاعد لا يدعم المعارضة ، لكنه يشكك في جدوى نظام لا يظهر أي استعداد للتسوية في مواجهة التحديات الهائلة.
وقال “إذا كانت هذه كرة سلة ، فسنكون في مهلة ،الناس لديهم شعور بأن الحرب لم تنته بعد”.
ليز سلي
واشنطن بوست
25 آذار 2019
ترجمة: هجار معو
إعلام ENKS – الحسكة
التعليقات مغلقة.