الكاتب : يوسف حمك
كل ما تجاوز حده ، و غالى المعنيون بالأمر في الإسهاب و المجادلة العقيمة ، لإثبات صحة فكرٍ دون غيره فهو تطرفٌ .
و كل ما خلا من لين الكلام وحسن المعشر ، أو افتقد اللطف و التودد و جميل الذكر و القول فهو إفراطٌ في الجهل و عين التطرف .
الجهل بمبادئ العلم و مخالفة أحكام العقل ، و الانغماس في الفوضى و المغالاة في الاعتقاد بنبذ كل ما لا يتوافق معه إلى درجة الجرأة على إصدار أحكامٍ تخالف المنطق ، بنفي الآخر تهميشاً و إقصاءً فهو التطرف أيضاً .
أما التجاهل بأن الفتوى اجتهادٌ بشريٌّ قابلٌ للخطأ أكثر من الصواب ، و نسيان أن نصوص التراث من خلاصة العقل البشريِّ مليءٌ بالمغالطات ، وإضفاء صفة القداسة عليها ، فهي سقطةٌ عقليةٌ بعيدةٌ عن جادة الصواب و خطيئةٌ كبرى .
و الأنكى أن القائم بالأمر حينما يداهمه الغرور – معتقداً أنه وحده من يمتلك الحقيقة – يبادر إلى زندقة الآخر و تكفيره ، و يبدأ بممارسة الإرهاب لتصفيته جسدياً !!!
نصوصٌ عتيقةٌ مسمومةٌ من قبل السلف و الأوائل ، تنتقل سمومها من جيلٍ لآخر . و أي اعتراضٍ يُعَد خروجاً عن آراء السلف الصالح ، و يعتبرونه كفراً و شركاً ، يستوجب إقامة الحد على المخالف ( ألا وهو القتل و قطع العنق و حز الرقبة )
فها هو ابن تيمية يفترق جمهور العلماء ، مارقاً من إجماعهم ، ينكر كل آرائهم بوضعها في خانة الضلال و البدعة .
فكل ما قام به الرسول و أتباعه في غزواتهم ، و ما مارسوه في حروبهم ، أو ما قالوه في الأمور الفقهية ، لا يقبل لها بديلاً أو اجتهاداً !!
أمثلةٌ قليلةٌ من فتاويه الكثيرة القاتلة ، و كأنها مدجنةٌ الموت لتفريخ جيشٍ من القتلة ، و معملٌ لصناعة الإرهابيين !!!!
يقول ابن تيمية : ( من قال لرجلٍ : توكلت عليك ، أو أنت حسبي ، أو أنا حسبك ، يستتاب ، فإن تاب و إلا قُتل )
لذا فحذار من أن تقول لأحدٍ اعتمدت عليك في أمرٍ ما .
و حسب فتوى ابن تيمية سيقيم الحد عليك ، و هو القتل .
فهو يقصد باتكالك على شخصٍ ، قد رفعته إلى منزلةٍ إلهيةٍ ، و ساويت بينه و بين الله .
ثم يستأنف في فتاويه حينما يقول : ( من أدعى أن له طريقاً يوصله إلى الله و إلى رضوانه و كرامته و ثوابه ، غير الشريعة التي بعث بها رسوله ، فإنه كافرٌ يستتاب ، فإن تاب ، و إلا ضرب عنقه )
فإما أن تكون مسلماً و على / ملته تحديداً / و إما وجب قطع رأسك !!!!!
و أما في مسألة من نسي أداء صلاةٍ ، أو تأخيرها حتى ينقضي وقتها فقد قال : ( من أخر الصلاة لصناعةٍ أو خدمة أستاذٍ أو غير ذلك ، حتى تغيب الشمس وجب قتله )
ثقافةٌ نقلٍ خصبةٌ للتطرف و الإرهاب ، و أداةٌ للقتل بلا رحمةٍ .
فكرٌ سلفيٌّ يكرس العنف و الفتك ، يرى القتل هو السبيل الأوحد للتعامل مع من يخالفه !!!
إرثٌ تكفيريٌّ مدمرٌ للقيم الروحية ، مستهدفٌ للحب و الحياة .
نصوصٌ جهاديةٌ ولودةٌ للموت و العسف و الجور .
وعيٌ مشحونٌ بالنقل ، لا بالتعقل و النضج و الوسطية و الاعتدال .
نصوصٌ جهاديةٌ محرضةٌ ، تصنع الموت ، و تعشق القتل ، فتضع الفناء فوق أي اعتبارٍ .
مؤسساتٌ دينيةٌ ، و معاهدٌ مذهبيةٌ من منابرها يعلو صوت الخطاب المتشدد القاتل المحشو بالكراهية و الحقد ، يجب غلق أبوابها .
ثم ما مبرر وجود يوم الحساب إذا كان وكلاء الله في الأرض يقومون بمعاقبة من يخالف أوامره ؟!!!
و إذا كانت عملية القتل و الموت و الحرق و حز الرقبة ساريةً مفعولها في حياة الدنيا – إن كنتَ تسميها حياةً – فما جدوى الانتقال إلى يوم القيامة ؟!!!!
و إذا كان المخالف نال جزاءه العادل فقُتِلَ و مات . فهل بقي على ذمته شيءٌ من العقوبة ؟!!!
أم إن هذه الآية يجب ألا تكون معمولةً بها : ( فإن الجحيم هي المأوى ) . سورة النازعات الآية / 39/
ألا يدل ذلك على أن الجحيم تبقى خاويةً من أهلها ؟!!! و لم تعد مأوى الغاوين الذين نُفِذَ عليهم الحكم !!!!
أم إن القتل و الذبح و قطع الرقبة لا يبرد القلب ، و لا يثلج الصدر ، و لا يشفي الغليل ، فوجب على المخالف عقوبتين إحداهما في الدنيا ، و الأخرى ما بعد القيامة من الأجداث ؟!!
و العجيب أن الكثيرين يغضون الطرف عما أسلفناه ، فينكرون وجود حاضنةً للقتل و الذبح ، بإلقاء اللوم على زعماء القوى العظمى بأنهم هم من صنعوا التطرف و الإرهاب !!!
نعم لقد استثمروا هذا الفكر المتطرف و إنعاشه . لكنهم لم يصنعوه !!!
فأصله مغروسٌ منذ القدم ، و النصوص محفوظةٌ مذ عهودٍ سحيقةٍ .
و ما داعش سوى ابنٌ بارٌ لهذا الفكر ، و ربيبه الوفيُّ !!
(المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع )
التعليقات مغلقة.