محمود عباس : كوردستانية المنطقة الآمنة 2 /2
وفي الخط الجنوبي ما بعد العمق المحدد، ستنحل القوة الكوردية الـY P K والـ Y P J فيما إذا خسرت عمقها الجغرافي الكوردستاني الرئيسي، هذا ما تخطط له وتطالب به تركيا، وتدفع ببعض القوى على مساندتها ومنها بينها اطراف كوردية، أو فيما إذا تم تطبيق ما صرح به جيمس جيفري، وهلل لها نفس القوى الكوردية، والتي يتوقع في حال تنفيذها أن تتخلى القوى العربية وغيرها، من أبناء العشائر، وخاصة المرتزقة منها، والمنضوية تحت لواء القسد، التخلي عنها عند أول هبات مادية أفضل من ما تقدمه لهم الإدارة الذاتية، إلى جانب احتمال قطع أو تقليص الأمريكيين المساعدات اللوجستية عنها، في حال حصل تقارب أمريكي-تركي، واعترضت الإدارة الذاتية على التراجع والتخلي عن المنطقة الأمنة، وقد تؤدي هذه بدورها إلى تراجع مجموعات من العنصر الكوردي عن قسد، ونحن هنا أمام حالتي تناقض، لكنها متوقعة في البعد السياسي العسكري المتكونة عليها قوات قسد. لا شك جميع هذه الاحتمالات ستعمل عليها السلطات المعادية للكورد، وعلى رأسهم تركيا والسلطة السورية، ولا نستبعد أن تساعدهما إيران وروسيا لإضعاف القوة الكوردية وسلطة الإدارة الذاتية، لتفرض عليها شروط هيمنة السلطة المركزية. ومن جهة أخرى، وهذه جدلية قد تكون غريبة معاكسة تماما للاحتمالية الأولى، لكنها متوقعة، والتي قيل فيها تخلي العنصر العربي عنه، على الخلفية الانتهازية أو عدم الإيمان بمفهوم الأمة الديمقراطية ( المفهوم الطوباوي وخاصة في هذه المرحلة التاريخية) فسيحاولون يوما بعد أخر، تنقية القوة المسماة بقسد، من العناصر الكوردية وتحويلها إلى قوة عربية، لتنضم إلى المنطقة الأمنة المتوقعة تشكيلها بغياب الكورد، أو ستصبح قوة تابعة لها، أو ستنحاز إلى سلطة بشار الأسد، وفي الحالتين قد لا نجد للكورد أي ثقل حتى لو تم تطبيق الديمقراطية في المنطقة، أو تم إجراء الانتخابات بنزاهة. لقد عرض الكاتب (زكروس عثمان) مقالة قيمة على ست حلقات، في هذا المجال، وفي الأخطاء التي تقحم بعض الأطراف الكوردية ذاتهم فيها، تحت عنوان (الكورد بين منطقة آمنة ومنطقة قاتلة) في موقع (ولاتي ما) بتاريخ 17-28/3/2019م رغم تحفظنا على بعض النقاط، إلا أنها جديرة بالاطلاع ومناقشتها. وعلى الأغلب نتفق هنا، على أن كل من يطالب بمنطقة أمنة، من القوى الكوردية، وبهذا العمق، وإخلائها من القوة الحالية، وليس الاشتراك معها أو مطالبتها بتغيير منهجيتها، يساهم بشكل أو أخر في إذابة ماهية جنوب غربي كوردستان، وهي لا تختلف عن الجهالة التي قال فيها البعض من كوردنا، سابقا، ولا يزالوا يكررونها أن جغرافية كوردستان في جنوب غربها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وأعدموا بها البعد التاريخي، والتطورات السياسية والديمغرافية في المنطقة، وبالتالي ستكون تلك القوى الكوردية قد كررت تجارب التاريخ المؤلم، يوم وقفوا البعض وتحت حجج متنوعة ضد ثوراتهم أو مكتسباتهم وساندوا المتربصين بها.
2- من يعرض أن تكون المنطقة الكوردية وعلى طول الخط حتى ولو كانت على منطق اتفاقية أضنه، بغياب الكورد، منطقة أمان لتركيا، ويتحكم بها قواتها أو لها دور رئيس في مراقبتها، وبسيطرة المعارضة التكفيرية السورية، يضع بشكل أو أخر مصير الشعب الكوردي وديمغرافيته بيد هاتين القوتين، ونكون بالتالي أمام مسرحية مشابهة لما قيل عن المنطقة الأمنة بالعمق الأول، أي على جنوب غربي كوردستان السلام، وكل من يدعم هذا المخطط أو يتهاون معه من الكورد يساهم بشكل أو أخر في القضاء على القضية الكوردية في سوريا.
3- المخطط الذي تم الحوار عليه في إقليم كردستان ما بين وفد الائتلاف والأنكسي، والمقال على أنهم اتفقوا، أن يتم طرد الإدارة الذاتية وقواتها منها، وتتكفل الائتلاف في مشاركة الأنكسي بإدارتها سياسيا وعسكريا، ودون أن ينتبه الطرف الكوردي إلى عدة نقاط منها: من سيقوم بطرد قوات الـ PYD؟ هل الكورد؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا ستتم مشاركة القوى العربية في إدارة المنطقة الكوردية؟ أما إذا كانت تركيا ستتكفل بها، فهل تتوقع الأنكسي من أن تركيا ستديرها كمنطقة كوردية أو حتى شبه كوردية، وستسمح لهم أو لغيرهم بإقامة إدارة كوردية؟ والشكوك فيها تصبح يقينية، فتجربة عفرين خير مثال، وهي لا تزال متفاقمة، ونحن شاهدون على من نحن بصدده. أما إذا حاولت أمريكا تنفيذها سياسيا أو بأساليب ما، فهل حقا أنها تثق بالمعارضة السورية لتحل محلهم، وتعلم أنه ليس لتركيا قوى أخرى غير التكفيريين من المعارضة، ولن تعرض بديلا كوردياً، ولأمريكا مع القوى المعارضة السورية تجربتين مريرتين، أما إذا كانت ستعتمد على قوات بيشمركة روج أفا، فلا نظن بأن بتلك السذاجة العسكرية، وستتخلى عن أداة قوية حاضرة، ولها معهم تجربة طويلة، وتاريخ، بأداة مشكوكة في إمكانياتها، ولها ارتباطات سياسية عن طريق الأنكسي مع المعارضة السياسية التكفيرية، وهي من جانب أخر مرفوضة من روسيا والسلطة السورية، ولا يستبعد في حال خروج أمريكا من المنطقة الكوردية، وتكون تحت سيطرة بيشمركة روج أفا، وعلى الأغلب ستكون معها قوات من المعارضة التكفيرية، أن تتلقى المنطقة الكوردية بعض البراميل مثلما تلقتها المعارضة العسكرية في المناطق الأخرى، وبالتالي وفي هذا السيناريو ستعرض الأنكسي المنطقة إلى خطر مرعب.
4- هل من الممكن أن تتم إقامة منطقة أمنة تحت المراقبة الدولية، مع وجود القوات الكوردية والعربية في إدارتها؟ مخطط عرضته بعض المراكز الإعلامية، وروجت له معظم الأطراف الكوردية، وهي تنم عن سذاجة وبوجه أخر، وقصر رؤى سياسية، وفي الواقع نتائجها سوف لن تكون أقل كارثية عن غيرها، فهنا سنكون أمام أمر واقع لا نتمكن من معارضته، لأنها ستكون، منطقة دولية، وتحت قوانين دولية، لا سلطة كوردية عليها، وبالتالي ستذاب الديمغرافية الكوردية المتبقية مع عمليات التعريب المباشرة أو غير المباشرة، والتغيير الديمغرافي سيتم تحت رحمة قوانين هيئة الأمم، وقد يحصل هنا الكورد على بعض الحقوق الثقافية ضمن واحات متفرقة، وفي مناطق جغرافية متباعدة، وكان قد مهد لها، وبدون إدراك، بعض الأقلام الحزبية يوم قسموا جنوب غربي كوردستان إلى أجزاء، والبعض الأخر فتحوا تاريخها من بداية العشرينات من القرن الماضي، عندما قدموا ديمغرافيتها بعد المجازر التركية، أي بعد ثورة الشيخ سعيد بيران، المفهوم الذي عمل عليه العديد من المثقفين العروبيين مؤخرا، وتأثر بهذا المفهوم، ولجهالة، أو على خلفية صنع طوطم عائلي أو عشائري، البعض من كتابنا الكورد وحزبيينا.
5- كل الاحتمالات عن المنطقة الأمنة، وبغياب القوة الكوردية الحاضرة، رغم أخطائها ومساوئها الماضية، واستخدامها الأساليب المرفوضة، وبعدها عن التعامل الديمقراطي، ودورها في تهجير شريحة واسعة من الكورد عن المنطقة، وتسهيلهم ترسيخ التوطين العربي، وعدم تقبلها للقوى الكوردية المعارضة لها، ستعرض المنطقة إلى كارثة قومية، سياسية وديمغرافية، وستفاقم من الأخطاء الحاضرة أو التي تمت سابقا. فأغلبية مجتمع المنطقة، وخاصة الكوردي، حتى المعارضون للإدارة الذاتية يرفضون تغيير السلطة الكوردية الحالية، ولا يقبلون لها بديلا، ويجدونها القوة المحافظة على أمانهم، حتى ولو أنها منتقدة في التلاعب بالخدمات والفساد المستشري والتجاوزات العديدة على المجتمع الكردي بشكل خاص، وعليه فلا بد من البحث معا لإنقاذ الذات من مؤامرات الأعداء والمغطاة تحت مخططات المنطقة الأمنة، وهذه لن تتم ولن تنجح بدون انفتاح جدي وواسع من قبل القوة الحزبية-السياسية المهيمنة على الإدارة الذاتية.
6- هذه وغيرها من الطروحات المعروضة في الأروقة السياسية، والتي تبحث في مصير المنطقة الكوردية في شرق الفرات، وعلى رأسها المنطقة الأمنة وبعدة احتمالات، وجميعها خالية من القوة الكوردية، والمتحاورة عليها تركيا مع القوى الكبرى، أو التي تسكت عليها إيران والسلطة السورية، وتعمل عليها روسيا حسب مصالحها، تتعارض والمصلحة الكوردية والكوردستانية، ولا نرى بديلا للكورد في جنوب غربي كوردستان، إلا اليقظة، ومحاولة العمل معا لإيجاد البديل، لأننا نكاد نكون الحلقة الأضعف في كل هذه الحوارات، وقد أصبحنا أقل أهمية، عندما تنازلنا عن فيدراليتها، وتخلينا عنها أمام عروض تحصر ضمن إدارة ذاتية أو مشابهة لها. فالفيدرالية كمطلب، حتى ولو كانت تحت إدارة أو مراقبة هيئات دولية، رغم ترهيبها سابقا جميع القوى الإقليمية، والتي تباحثت فيها وكادت أن تقبلها، فيما لو استمرينا بالإصرار عليه، ستضع القوى الكوردية في المحافل الدولية، ولا نستبعد أن ما سيجرى من المباحثات على مستقبل سوريا سيكون للكورد دور فيه، فهذا المطلب كبعد سياسي وكمفهوم لم يرفضه روسيا وأمريكا، وبدونه سنخسر الكثير من المعروض حاليا، والمنطقة إن كانت تحت أسم الآمنة أو منطقة حظر الطيران مثلما تمت في جنوب كوردستان، لن تغير من المعادلة الإدارية أو السياسية ولا العسكرية، وهي الأنسب رغم كل الحساسيات المفتعلة تحت رهبة التقسيم، وهنا من الأفضل أن تعرف بالمنطقة الفيدرالية الكوردستانية الأمنة التابعة للسلطة السورية اللامركزية، لا نظن أنه مطلب أثقل من الإمكانيات الكوردية الكامنة فيما لو تكاتفت بين بعضها.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.