عفرين تلك البقعة بمساحة حوالي أربعة الآف كيلو مترٍ مربعة ، جوبهت من قبل احدى الدول الرئيسية في حلف الناتو و من اكبر الدول في الشرق المتوسط عسكريا و هي تركيا، مستخدمةً أدوات الحروب التقليدية بين الدول في العادة كما نسمع ونرى ، منطقة بحجم عفرين استخدمت تركيا الطائرات الميغ ودبابات ليوبارد وجيشاً جراراً ، فضلاً عن الألاف من العناصر المنتمين للمعارضة السورية تحت عشرات المسميات وبمختلف التوجهات.
منذ أكثر من سنة شاهدت عفرين كافة الصور ومشاهد الحروب من قتل وتهجير وحصار وخطف وابتزاز وطلب الفديات وحرق الغابات وقطع المؤن والأشجار ، والاستيلاء على المنازل العائدة لأهلها ومحالهم التجارية وتغير ديمغوغرافية المنطقة وفرض اللغات التركية والعربية وفرض ثقافتي التتريك والتعريب ومحاربة كل ما يتعلق بكُورديتها ، هذا ناهيك عن عدم السماح للأهالي بالعودة إلى المنطقة في أكثر الأحيان.
عفرين تشبهت بمدينة لينينغراد في نصف الأول من القرن الماضي لكن بوجهٍ أخر وثقافةٍ أخرى وجغرافيةٍ مغايرة تماماً وإيديولوجيا مختلفة ، كل شيئٍ كان مختلفاً ، لينينغراد كان صراع بين دولتين كبيرتين ومن أقوى دول العالم وبجيوشٍ جرارة ويملكون أسلحة متكافئة نوعاً ما في تلك الأوقات ، لكن مقارنة تلك مرحلة مع مرحلة التي مرت بها عفرين في مجابهة تركيا لا يوجد أي تكافئ ، تركيا كانت تمتلك كافة صنوف الأسلحة وإعلاماً موجهاً وملايين المؤيدين حول العالم وخصوصاً في العالمين الإسلامي والعربي والمؤدلجين تماماً حسب متطلبات تركيا.
أما عفرين كانت تمتلك أغصان زيتونها ، لذلك سماها الأتراك عمليتهم الدموية باسم “غصن الزيتون” لتشويه ولطخ أغصان الزيتون بدماء أصحابها ، عفرين كانت تمتلك جبال هاوار وليلون وبلال ونبي هوري وعين داره وقلعة سمعان ، كانت تمتلك شلالات گمروك وبحيرة ميدانكي ، كانت تمتلك نهرها العظيم الذي يروي أرضها منذ الأزل يروي زيتونها ورمانها وتبغها وقمحها وقطنها ، عفرين كانت تمتلك حناجر التي روت عفرين ألحاناً عن الحزن والوطن والألم والحب كانت تمتلك عدنان دلبرين وجميل هورو وأبو صلاح وعلي تجو.
عفرين كانت تمتلك الألوف من الأفواه هتفت للحرية لأثبات وجودها كقطعة من وطنٍ من الواجب الاعتراف به ، بلغته وثقافته وعاداته وأسمائه وتاريخه ، كانت تمتلك إدارة شعبٍ واجه صمت العالم أجمع في وقت كانت الصواريخ والقذائف تنهال عليه وهو يعيش الموت والحياة في آنٍ واحد.
التعليقات مغلقة.