محمود عباس : الخلاف الكوردي المسيحي “الجزء الثاني”.
لا شك أن مجموعات من الكورد وبشكل فردي اشتركوا في عمليات القتل، وجلهم كانوا من الفارين من مجازر الأرمن والجيش الروسي التي تمت في الولايات الشمالية، والبعض من أبناء العشائر المتآذية، وتذكيرها بقدر ما تعكس أسفا على جهالة الأطراف المتأكلة بين بعضها من الكورد والأرمن والسريان، لتحقيق مأرب الدولة العثمانية-التركية حكومة الاتحاد والترقي والروسية، كما وتعكس مدى خباثة العدو بجر هذه الشعوب المتعايشة على مدى آلاف السنوات، إلى حلقة المؤامرة المخططة لإضعافهم وبالتالي القضاء على حركاتهم القومية اللاحقة.
وتأكيداً على ما نحن بصدده فإن العشائر الكوردية في المناطق الوسطى والجنوبية والشرقية الجنوبية من كوردستان عملت الكثير بقدر المستطاع لإنقاذ المسيحيين الفارين من المجازر، بدون تمييز بين الأرمن والسريان والآثوريين بل وقد كان بينهم العديد من الكورد المسيحيين، والشواهد العينية من الذين عاصروا الفترة عديدة وتحدثوا فيها، كما وأن الوثائق موجودة، إلى جانب الحقائق البارزة حتى الآن على أرض الواقع، وخير مثال وجود العديد من القرى المبنية أثناء وبعد سنوات الفرمان بين قرى الكورد، إلى جانب وجود الآلاف من العائلات المسيحية الذين تم إخفاؤهم بين سكان القرى الكوردية ومدنهم.
لاستغلال مآسي الماضي كمادة لتحريض هذه الشعوب على الكورد، تقوم بإثارة التاريخ الموبوء ونبشه وقلب صفحاته، مع الحاقات من الحاضر بحنكة وخباثة، والعمليات الجارية على قدم وساق في معظم المواقع العربية والفارسية والتركية، خير مثال، وكذلك في العديد من المواقع الأجنبية، كما لا يشذ عنها، أحيانا، نشرهم لنعرات في بعض المواقع الكوردية، ويتجلى ذلك بكل علاتها وبوضوح، بما ينسخونه من تعليقات تحريضية سفيهة، أمليت عليهم مسبقا. وكثيرا ما نلاحظ أنه يتم التعليق على معظم مقالات الكتاب الكورد في المواقع المذكورة، بلغة تحريضية وصياغة فكرية لا تمت إلى مضمون الموضوع بشيء، وغالبا ما تَرِد فيها عبارات أمثال: قيام الكورد بالمجازر…، واحتلال أراضي الغير، والقيام بعمليات التهجير لقاطني كوردستان من غير الكورد، واعتبار الكورد دخلاء على كوردستان… ويلقى مثل تلك المزاعم ترحيبا لدى إخواننا في كوردستان من الأرمن والسريان والآثوريين، مرحبين بها كنتيجة لمآسي الماضي التي حدثت لكلينا، ومرد ذلك إذكاء تلك المترمدة لتثير حافظة إخواننا كي ينحازوا إلى مستأصلينا.
فاستنادا على دراسة التاريخ بموضوعية، وخارج التحريف والتشويه، يتبين أن الشعب الكوردي وقادة العشائر كانوا ضد ما كان يجري، والتاريخ يؤكد وبوثائق أن الكورد أنقذوا الآلاف من المسحيين حتى ضمن المدن الكبرى كمدن وان وبدليس ونصيبين وديار بكر، وفي مناطق طور عابدين، وغيرها، ومن يقول عكس هذا في هذه المرحلة الزمنية يسعى إلى الصدع بين الكورد والمسيحيين. لقد بدأ الكورد يقتربون من الحصول على بعض المكتسبات القومية. ويكون هذا الصدع الغرض منه تذكير إخوتنا بالدماء التي سالت بيننا عندما ضربت تلك الحكومات الإجرامية بعضنا ببعض آنذاك لتنفيذ مآربها، مستغلة جهل كيلنا.
والقصد من ورائها خلق شرخ من نوع جديد بين الكورد والأرمن والسريان والأثوريين، ومدعومة بدعاية خبيثة مغرضة تبثها السلطات المعادية والمقسمة لكوردستان، عاكسة نفس المفاهيم السياسة والإثنية والدينية الشريرة، التي تؤدي إلى تحريض شعوبنا على بعضها، مجندة لها مؤسسات خاصة وكتاب ومرتزقة، علاوة على الحاقدين، لا علاقة لمجتمعاتنا بهم، ولا بمعظم ما ينشرونه، ولا بما يكتبون في هذا المنحى. وتعتني مؤسساتها ومراكزها بنشر كتب ودراسات مشوهة عن تاريخ الكورد والمنطقة، خصيصا للطعن في منهجية التوجه الكوردي الوطني، والتعتيم على مفاهيم التآخي بينهم وبين الشعوب الأخرى، بعدما فشلت تلك الحكومات المتتالية، بأساليبهم القديمة تحقيقها.
خلق الصراع على الجغرافية بين الكورد والشعوب الأخرى، والتركيز على أن القوميات المقتسمة لكوردستان هي صاحبة الحق والملكية للأرض، مرفوض تاريخيا، فتواجد الكورد في هذه الجغرافية تعود إلى عشرات القرون قبل غزوهم لها، نظرا للمقتسمين كيانات معترفة بها دوليا تهمش ملكية الكورد وشرعيته في جغرافيته لمصالح استراتيجية واقتصادية على مستوى المحافل الدولية. وفي الآونة الأخيرة حقق الكورد بعض المكتسبات، فبدأت موجات التحريض ضدهم في التصاعد، وتوسعت مجالات بحثهم في التلفيق والتزوير، وكثرت طلبهم على الأقلام المأجورة والمرتزقة من بين المستعربين أو العروبيين والتكفيريين، للنخر في العلاقات الإنسانية التي يتعامل بها الكورد مع الآخرين، وما يشد انتباه المتتبع أن تعمية البصيرة ممنهجة تشمل شريحة واسعة من الأخوة المسيحيين والمستعربين منهم؛ حيث تعمل هذه التعمية على ترسيخ مشاعر الكراهية تجاه الكورد مستندة إلى الماضي الدامي بيننا، فتغيب عنهم استغلال الفرصة القائمة في الوقت الحالي للظفر بإنشاء كيان لكيلنا نكون مصانين فيه من الاضمحلال والاندثار. والحالة هذه سيكون الخاسر الأكبر هو إخوتنا المسيحيون. حيث يتمسكون بالماضي المحزن حيا في ذاكرتهم، الذي من خصائصه التشديد على الانتقام فحسب.
وبمعاينة منطقية لجدوى التشبث في تحقيق الانتقام نجده لن يؤدي سوى إلى استعرابهم واستعراب الكورد كذلك، هنا لن يخسر الكوردي سوى أنه سيتكلم بلغة غير لغته السابق، حينها لن توجد فوارق بينه وبين العربي؛ لأن العرب مسلمون وكذلك الكورد، سيزيد هذا من محنة إخواننا السريان والأثوريين والأرمن أكثر فأكثر، ولن تكون نهاية للفرمانات، بل ستظهر من جديد وبشكل أقوى حيالهم. لا يخفي التاريخ تلك الإبادات التي جرت لهم على مدى القرون من دون أن يشقوا إخواننا المسيحيون عصا الطاعة في وجه السلطات الإسلامية.
لا نظن أن إخواننا نسوا أن نسبتهم من سكان دمشق كانت كبيرة، ليس كما الآن، وتقلصت هذه النسبة، حين أضاق عليهم المماليك (كانوا مسلمين، وليسوا عربا)، فما بال إخواننا إذا أضافوا، من جراء تمسكهم بالانتقام، إليهم الكورد. هل سيكون من المستبعد، إذا دار الزمن دورته وأصبحت الأجواء كما كانت في عهد المماليك والعثمانيين… أن تعاد نفس الإجراءات بحقهم؟ …
يتبع…
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.