المجلس الوطني الكوردي في سوريا

فدوى حسين: “البارزاني” إرث ثوري وذاكرة عابقة بالنضال

178

الربيع ثورة على الشتاء بقسوته وجبروته، ودبيب للروح في الأرض لتنبت زهرا وعطرا ودفئا يذيب جليد الحياة . وفي الربيع ذاته أشرق الربيع الكوردي بمولد الأب الروحي للأمة الكوردية الملا مصطفى البارزاني الخالد في الأرواح والضمائر. فتكلل يوم ١٤ من آذار عام ١٩٠٣ بمولد جبل كوردي شامخ ، ليسطر التاريخ الكوردي.
فالبارزاني الخالد ليس ممن يكتب عنهم التاريخ، بل ممن يكتبون التاريخ ، بأفعالهم قبل أقوالهم .
وكأي كوردي يولد بقدر محتوم وهو قضية وجوده الكوردي، والبحث عن هويته الكوردية المسلوبة ، والسعي لاستردادها.
ولد البارزاني وولدت معه شعلة النضال .فقد استهل سنواته الاولى بالاعتقال برفقة أمه أثناء سوق القوات العثمانية قواتها لتأديب المناطق الثائرة ضدها . وتولى قيادة ٣٠٠من المقاتلين في إنتفاضة الشيخ محمود الحفيد وهو في ١٦من عمره .وأرسله أخوه الشيخ أحمد لينوب عنه إلى الشيخ سعيد بيران للتنسيق معه في ثورته ١٩٢٠في كوردستان الشمالية ضد الطغيان العثماني وتوحيد الصفوف. وتابع القائد الخالد مسيرته النضالية يجوب القرى والبلدات ويحضهم ويقودهم للمطالبة بحقوقهم ، حتى تم نفيه الى جنوب العراق ، ثم السليمانية عائدا بعدها إلى بارزان لمتابعة الثورة والمقاومة . يشحذ همم المقاتلين، ويدعوهم إلى عدم الإستسلام والرضوخ لضعف الإمكانات والمساندة .فجوبهت ثورتهم من قبل القوات الملكية العراقية وبدعم بريطاني ،مما دعا البارزاني الخالد للجوء إلى إيران ومتابعة نضاله من هناك، فأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وانتخب رئيسا له وشارك في الإعلان عن جمهورية مهاباد، وتولى قيادة الجيش فيها برتبة جنرال برئاسة القاضي محمد الذي شنق بعد وأد الجمهورية الوليدة إثر انسحاب القوات الروسية الداعمة لها ، مما اضطر البارزاني ورفاقه الى اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي سيرا على الأقدام عبر الجبال والوديان المغطاة بالثلوج، يعانون البرد والجوع حاملين جراحهم وآلامهم .وكان البارزاني آخر من قطع نهر أراس حتى تأكده من عدم تركه لأي من رفاق دربه ،.يشد من عزيمتهم ويمدهم بقوة الإرادة النابعة من إيمانه المطلق بعدالة قضيته وضرورة الصمود ومواصلة النضال لتحقيق مطالبهم .وبقى هناك يعاني الفقر والاغتراب ما يقارب أحد عشر عاما . ليعود بعدها إلى العراق بعد سقوط الملكية وتولي عبد الكريم قاسم رئاسة الجمهورية، واعدا بتحقيق مطالب الكورد لكن الوعود كانت دون المأمول ودون الحقوق التي سعى وناضل لأجلها البارزاني، مما دعاه لاستئناف الثورة في ١١من أيلول عام ١٩٦١لتستمر حتى إعلان الحكم الذاتي ١٩٧٠والتي كانت أول وثيقة رسمية تعترف بالحقوق الكوردية، لكن إتفاقية الجزائر الغادرة أطاحت بها ليعود الصراع إلى الواجهة مرة أخرى .واستمر البارزاني في قيادة النضال حتى وافته المنية في مستشفى جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية في ١ اذار عام ١٩٧٩ اليوم الذي توقف قلبه عن النبض، لكن الحلم في قلبه لايزال نابضا حتى يومنا هذا ينبض في قلب كل كوردي أصيل .فمحطات حياته التي مررنا عليها سريعا تحمل بين طياتها وثناياها مواقف إنسانية وأخلاقية وبطولية لا تفيها ولا تسعفها الأحرف والسطور. فكان بحق الأب الروحي للأمة الكوردية، حامل لواءها مناضلا لنيل حقوقها القومية .لم يسع يوما لمال أو جاه أو سلطة . افترش الأرض وتوسد الحجارة و نام جائعا لكنه لم ينم على ضيم ، سلك كل الدروب وقرع كل الابواب لطرح قضيته ومطالب شعبه. فكان من دق أبواب الكرملن وحين سألوه من أنت ؟!
أجابهم : “أنا الشعب الك ردي “.وهو من قال: ” أني مستعد لأن أترك العراق اذا منح عبد الكريم قاسم الشعب الكوردي حقوقه القومية”.كان مؤمنا بشعبه واثقا من إيمان شعبه به. لم يرضخ ولم يساوم بل داعما ومساندا لكل حركات التحرر في أجزاء كوردستان الأخرى. لم يفارقه حلم الدولة الكوردية الكبرى. ولم ولن تستطع كل القوى الطارئة والهلامية المؤدلجة بشعاراتها العاطفية تحت مسميات وسياسات تخدم أعداء الكورد وتجهض المشروع القومي الكوردي أن تنال من نهجه ومدرسته القومية التي أسسها وأرسى دعائمها ،فشمسه لا تحجب بغرابيل صدئة .ولكن السؤال الأهم يبقى أين هم من يدعون النهج البارزاني في سياساتهم وأفعالهم ؟ ونحن نشهد كل يوم ولادة حزب جديد يذيل أسمه بالكوردستاني مدعيا السير على خطا القائد الخالد وهم يكرسون حالة التشرذم والتفرقة وكل سعيهم لنيل سلطة أو استحقاق في المراحل المقبلة .أن تكون بارزانيا هو أن تسبق أقوالك أفعالك ..أن يكون هدفك الأسمى هو الحقوق القومية للشعب الكوردي دون مساومة . ليبقى النهج البارزاني نابضا في قلب كل كوردي.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبتها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع 

التعليقات مغلقة.