المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس : الخلاف الكوردي المسيحي “الجزء الأول”.

210

تتصاعد في الفترة الأخيرة هجمات مسعورة على الكورد، تشترك فيها شريحة جاهلة من الشعوب القديمة في المنطقة، السريان والأرمن والأثوريين، والمذابة معظمها في أحضان العروبة، أو التي تكاد أن تندثر ديمغرافيا ولغة وقومية، ومعهم مجموعات من المثقفين العروبيين المستخدمين كأدوات عند الطلب لدى تركيا الطورانية وأئمة ولاية الفقيه فعليا، وجلها على خلفية تحرر اسم الكورد من الحصار المفروض عليه منذ قرن وأكثر، وانطلاقتها إلى الساحات السياسية الدولية، خاصة عندما بدأت تدرس قضيتنا ضمن الأروقة الدبلوماسية كإحدى أهم القضايا في الشرق الأوسط.

ولتسارع ظهور هذه الإشكالية المستفحلة يوما بعد أخر، من قبل الشريحة الجاهلة لحراك الشعوب القديمة في المنطقة، وددنا أن ننبه نشطاءها والغيورين بينهم، على أن المجموعات الحاقدة بجهالة في معالجة قضاياهم القومية، وبالطرق المعروضة، يساهمون على إذابة البقية الباقية من شعوبهم في أحضان العروبة، ويطمرون بيدهم قومياتهم العريقة، بعدما تقاعس أسلافهم في الدفاع عنها بالشكل المطلوب، وذلك بإغفالهم تراجع لغة المسيح لغة الأناجيل أمام اللغة العربية، إلى أن حصرت ضمن بعض الكنائس القليلة، بل مفتخرين بلغة المحتل. وللغرابة أنهم يتناسون مصادر التدمير، والقوى التي حرفت تاريخهم وقضت عليهم كقومية ولغة وثقافة، ومن ثم ينضمون إلى مخططات المحتلين، في محاربة الكورد، الحلقة الأضعف ضمن صراعات المنطقة، والتي لن يخرجوا منها سوى بخسارة أخرى ستضاف إلى خساراتهم التاريخية السابقة.

فمن احد أسوأ المواد المستخدمة لإثارة النعرات بينهم وبين الكورد، هي إحياء التاريخ المؤلم، تاريخ الفرمانات والمجازر، وهي ليست سوى مَغْرَضَة عصرية يستخدمها المحتلون، ليضاربوا الكورد والقاطنين معهم من دون العرب بعضهم ببعض، لتمر مخططاتهم سلسلة عن طريق إلهاء تلك الشعوب ببعضها، الكورد وفي مواجهتهم السريان والأثوريين والأرمن للطعن في القضية الكوردية بأساليب أخبث من الماضي، ومنها، لتتم التهجمات بيد من يجب أن يكون بينهم وبين الكورد تحالفات واتفاقيات وتشكيل قوة، لإنقاذ الذات من الاحتلال الجغرافي والثقافي والديني، لكنهم وللأسف كانت ولاتزال هناك شريحة من بين هذه الشعوب تُستغل وبسهولة من قبل الأنظمة الواجب مناهضتها والتحرر من نيرها، العرب والترك والفرس.

مآسي الماضي المؤسف كنعرات تُثار بينهم وبين الكورد، ما هي إلا إحياء لحوادث مؤلمة أشركوا الكورد المحكومين عثمانيا فيها بأوامر من الباب العالي، ذلك التاريخ، تاريخ الفرمانات والمجازر، وهي ليست سوى مكيدة عصرية يسعى المحتلون من ورائها الإيقاع بين الكورد ومشاركيهم في العيش المشترك على أرض تقاسموا العيش فيها قبل قدوم هؤلاء الغزاة بقرون عديدة. بدلا من يكونوا يدا واحدة أمام الدخلاء ليعودوا كما كانوا قبل الغزو، فيحدث العكس حيث التهجمات على الكورد لصالح من غزوهم وغزو الكورد على حد سواء. كان من المنطقي أن يكون بينهم وبين الكورد تحالفات واتفاقيات وتشكيل قوة، لإنقاذ الذات من الاضمحلال الجغرافي والثقافي والديني، لكنهم وللأسف لاتزال هناك شريحة من بين هذه الشعوب تُستغل وبسهولة من قبل تلك الأنظمة الواجب مناهضتها والتحرر منها، العرب والترك والفرس.

ومن المحزن أن هذه الشريحة من الشعوب المذكورة، تُضلل وتُحرض من قبل العروبيين والترك والفرس، لكراهية الكورد مستمدة تلك من صفحات التاريخ المحرف والمشوه والمكتوب من قبل الأنظمة المذكورة والمقتسمة لكوردستان، والتي عملت بشكل دائم على إذابة لغة المسيح والقضاء على قومية شعبه وشعوب المنطقة التي آمنت بدينه كالأرمن. والغريب أن هؤلاء يتناسون تاريخ فرمانات اضطهادهم في دولة الخلافة العثمانية، وعلى مسا ر قرن من الزمن بشكل مباشر وغير مباشر، وأخرها في إحدى البلدان العربية، والتي لم يشارك فيها الكورد كمجزرة عام 1860م في لبنان، وناهيكم عن مجازر عام 1976م التي استمرت زهاء عقد ونصف العقد.

عدم الوقوف على دواعي حروب القرم، والمجازر التي تعود إلى سنوات 1894-1896 في نهاية حروبها مع روسيا القيصرية التي استمرت قرابة ثلاثين عاما، وكذلك تغافل منابع فرمانات المجازر الفعلية التي جرت ما بين عامي 1909-1915م، وكيف ولماذا بدأت عمليات القتل الجماعي للمسيحيين في مدينة أضنه من قبل القوات الحميدية المتبقية، وبأمر من حكومة الاتحاد والترقي التركية، واشتراك مجموعات من الأتراك المدنيين، التي استمرت بشكل متقطع خلال السنوات اللاحقة وفي مناطق متفرقة إلى أن صدر الفرمان الأبشع من حكومة الاتحاد والترقي في 26 أكتوبر عام 1914م وبدأ العمل به بأمر من وزير الداخلية طلعت باشا، بعدما سبقته اعتقالات عشوائية، طالت العديد من أعيان الأرمن في استانبول. للمزيد في هذه القضية يمكن مراجعة كتب الكاتب السويدي (David Gaunt).

كان الفرمان في ظاهره خطة سياسية عثمانية-تركية لطرد الأرمن من جغرافية الإمبراطورية، لكن لتنفيذه كان قد تم إصدار الأوامر ليس فقط بالتهجير واعتقالات المتنفذين المسيحيين في الدولة بل بالقتل الجماعي لمواطني الدولة من الأرمن والسريان والأشوريين والكلدان، نفذت تحت أمرة وزير الدفاع لحكومة الاتحاد والترقي أنور باشا، وهذا ما تم.

1- تركزت معظم المجازر في الولايات الشرقية والشمالية من الإمبراطورية لغاية خبيثة، ولكون العملية تستدعي عددا كبيرا من الأفراد لتنفيذها؛ لجأت حكومة الاتحاد والترقي إلى مخطط مريع، أرادت من ورائها إقحام العشائر الكوردية المسلمة في مجازرهم، وخلق عداوة دائمة بين الكورد والأرمن.

2- استهدفت في البداية الشعب الأرمني بشكل خاص، على خلفيات سياسية وعسكرية، كرد فعل على مساندتهم للروس، وما قاموا به من المجازر بحق المسلمين، وجلهم كانوا من الكورد، في الولايات الشمالية، وبمساعدة الجيوش الروسية، والتي يقدر وبحسب بعض المصادر الرسمية العسكرية للدولة العثمانية، عدد من تم قتلهم أكثر من نصف مليون، للتوسع في هذا المجال راجع كتاب (الطرد والإبادة للكاتب جستين مكارثي) توسعت المجازر فيما بعد لتشمل جميع المسيحيين والعديد من الكورد الإيزيديين في أراضي الدولة بقوات كان والي وان يصفها بقوات الذبح التركية، رغم أن وزير الداخلية طلعت باشا في 12 من تموز في نفس العام ارسل برقبة إلى قائد العمليات رشيد باشا والي ديار بكر وجودت بك والي وان قريب وزير الدفاع أنور باشا، لمنعهما وتحذيرهما من مغبة أعمالهما، لكنهما لم يوقفا جرائمهما، ولم يتم عزلهما.

3- سبقت المجازر، اتهام حكومة الاتحاد والترقي أعيان المسيحيين وخاصة الأرمن، بمحاولة تفكيك الإمبراطورية العثمانية، بعد انقلاب الاتحاد على السلطان عبد الحميد في بداية القرن التاسع عشر.

تفاقمت الاعتقالات إلى عمليات قتل جماعي منظم في المدن الكبرى، وتحولت فيما بعد إلى مجازر شملت كل المسيحيين من الكورد والسريان والأشوريين والأرمن، نفذها ضباط الفرق الموالية لحكومة الانقلاب، وانتشرت عمليات القتل والنهب والتدمير كل أجزاء الدولة العثمانية، ومن بينها مناطق بدليس ووان وديار بكر وطور عابدين وغيرها، ونتجت عنها موجات من المهاجرين المسيحيين بشكل عام نحو الجنوب، فقتلت فرق المجازر التركية، أكثر من مليون ونصف من الأرمن والمسيحيين، إلى جانب مجازر مشابهة بحق اليونانيين في الولايات الغربية، استمرت الأخيرة لأكثر من عقدين إلى حين ظهور كمال أتاتورك، وهجر أكثر من مليون ونصف يوناني من الولايات اليونانية الأصل إلى اليونان…

يتبع…

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع 

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmai.com

22/2/2019م

التعليقات مغلقة.