المجلس الوطني الكوردي في سوريا

كوردستان العراق بين مفهوم التضحية الدائم والاسترخاص في سبيل الصراع على السلطة

115

شفان ابراهيم

أضحى المجتمع الكوردي وكغيره من المجتمعات, وانسجاما مع تحولات الربيع العربي, يستشعر اقتراب الإسراع صوب الحلم المنشود منذ قرن من الآن, ولكن ما يُميز التطلع الكوردي هو الحلم باتجاه حرية الوطن الكوردستاني وتحرره من براثن النظام العراقي, ومدى تأثيره المباشر على الوضع الكوردي والقضية الكوردية في سوريا تحديداً, بعكس تطلعات باقي الشعوب التي تبتغي حماية دولها وتطوير أكبر صوبَ مجتمعهم.

لكل طليعة ثورية خصبة تُميزها عن غيرها, وما ميزت ثورات وكفاح البرزانيين خلال مسيرة قرن كامل هو إزدواجية الوجدان الكوردي تجاه تلك التضحيات. إن الوجدان الكوردي والوعي السياسي الكوردي الراهن يعيش حالتين متعاكستين بدلالات متمايزة فيما بينها تصل إلى حد الصراع, إحداها تستشعر قرب دنو الإعلان عن فك ارتباط الكورد مع المركز سواء بالاستقلال أو الكونفدرالية تقف خلفها غالبية الشعب الكوردي في جميع اجزاء كوردستان, ويقود هذا الفكر الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقياد الرئيس مسعود بارزاني, في المقابل ثمة تيارات سياسية كوردية حزبية تتخيل أن قيادة بارزاني لإعلان الشكل الجديد للعلاقة مع المركز أو الاستقلال يعني نهاية وجودهم في الساحة السياسة الكوردية إضافة إلى التوجهات التي تصلهم خارج الحدود, فأضحت كتلة صلبة لها توجهات عابرة لحدود الإقليم تسعة لتحقيق أهداف ومرامي اتفقت عليها أعداء الكورد.

 

الديمقراطية والحركة القومية الكوردية

 

عُدتّ جمهورية كوردستان في مهاباد المبعث التأسيسي للتيار القومي الكوردي بعد الحرب العالمية الثانية, خاصة وأن الكورد عَقِبَ انهيار الجمهورية الفتية عدّل من شعوره النضالي, ووجد نفسه مُضراً إلى مُسايرة شرعية الدول الراهنة التي تأسست عقب اتفاقية سايكس بيكو. فأرتهن الكورد إلى ضرورة المسايرة والتمازج ما بين الاعتراف بالدول الحديثة وراهنيتها والقبول بشرعيتها مع ربط هذه الشرعية بتحقيق شروط كوردية خاصة, علماً أن هذه الشروط لم تكن منفصلة أبداً عن الخط العام للحركات الاحتجاجية/المعارضة ضمن تلك الدول, ويكفي الاستدلال على الشعار الدائم للجنرال مصطفى بارزاني ( الحكم الذاتي لكوردستان, والديمقراطية للعراق).

 

في هذه الظروف وهذه التعقيدات وعدم رضى الحكومات المتقاسمة لكوردستان خاصة العراق, للتقارب بين مطاليب الكورد ونوعية مطاليب الحركات الاحتجاجية على طول البلاد. وبعد تحطم أبرز مراحل الحلم الكوردي القومي بانهيار جمهورية كوردستان في مهاباد عام1946 لما كان لها من أثر عميق على الشعور والوضع القومي الكوردي في الأجزاء الأربعة, قاد مصطفى باراني ثورة أيلول1961 مُعلناً بدأ تاريخاً موضوعياً للشروع بمرحلة جديدة من تاريخ ومراحل الحركة التحررية الكوردية.

 

فبدأت الثورة من اجل الحقوق ضد الظلم والاستعباد و الصهر القومي و لنا في هذه الثورة درسين في النضال منها

 

ــــ الدرس الأول : أنها ثورة رسمت كل الخطوط العريضة للحركة التحررية الكوردية في تعاملها مع الحكومات العراقية و الدول الإقليمية و الدولية و كيفية المطالبة بالحقوق و الدخول إلى مرحلة جديدة بعد الخروج من سابقتها و إنها عبرت بوضوح عن أهداف هذا الشعب المتمثل بالديمقراطية للعراق و حق تقرير المصير للشعب الكوردي.

 

 

 

ـــــ الدرس الثاني : أنها ثورة المنجزات حيث تمكنت القيادة الكوردية من توقيع اتفاقية (11 آذار عام 1971) التي تعتبر أول وثيقة قانونية موقعة و مقررة بالحقوق القومية في إطار حكم ذاتي كانت تعتبر انجازا من الطراز الأول و اعترفت بغداد بحقوق هذا الشعب

 

القضية الكوردية والظروف المحلية العراقية.

 

أتبع الحزب الديمقراطي ردّ العنف بالمطالبة بالحقوق تارةً, وخوض معارك التحرير للدفاع عن المجتمع الكوردي تارةً أخرى, والبدء بالكفاح المسلح حين فقدان الأمل بأي بادرة أمل. لكن الديمقراطيون في كوردستان العراق لم يُهملوا حقيقة أن جوهر القضية الكوردية نابع من حقيقة التعقيدات السياسية والطائفية والمذهبية والاقتصادية في الدول المقتسمة لكوردستان, فحل القضية الكوردية في أي جزء, يتعلق بشكل وهيكلية مؤسسات وهوية الدولة التي ألحقت بها شطر من كوردستان المقسمة. لذا فإن شعار البارزاني الخالد عن الديمقراطية للعراق لم يكن نابعاً من رومانسية الثورة, أو لكسب التعاطف الشعبي معه, بل أدرك البارزانيون جيداً أن الكورد لا يستطيعون تحقيق أي تطلع من تطلعاتهم القومية في العراق أو في غيرها من الدول لطالما بقيت الدولة أو المركز ذا مؤسسات وكيانات ومراكز مُعطلة وأداة خاضعة لنُخبة حاكمة سلطوية, تنتمي لأرومة أو تيار سياسي إيديولوجي طبقي معين في هذه الدول/ومنها العراق .

 

قدمت حركة التغيير(كوران) نفسها في البداية على أنه حزب يُناهض ممارسات وتصرفات الأطراف الكوردستانية الأخرى, وأخذ منذ بداية نشأته موقع المعارضة للتحالف الكوردستاني, لكن البعض يرجح أنه فقد قسم كبير من قوته بعد دخوله في تحالفات مع القوى الكوردستانية الأخرى في العراق, حيث كان من نتيجة ذالك تخليه عن أفكاره التي جمع بها مؤيديه, خاصة وأنه أصبح جزء من حكومة كان ينقدها على الدوام, وأصبح جزء من ممارسات وأعمال كانت الحركة تدعي أنها بالضد من مصلحة كوردستان. لكن على الجانب الأخر من الموضوع نفسه فلا تزال خبايا حركة كوران تثير الاستفسارات الغير بريئة مابين اتهامها بالارتباط مع الدول الإقليمية وخاصة إيران من جهة, أو رؤيتها التي ترى أنها مؤسسة إصلاحية تنشد التغيير المطلوب في كوردستان – على حد زعمها- وسعيها الحثيث نحو تحقيق مصالحها وبرامجها التي وعدت ناخبيها بها, سواء من جهة الإصلاحات التي تُعرف الحركة نفسها على أساسها, أو من جهة محاولات كشف المستور داخل الإقليم –كما تدعي- بكونها قد نشرت في وعي مؤيديها على إنها حركة مُعارضة تبتغي تغيير نظام الحكم بمَّ يتناسب والتطورات الإقليمية على حد زعمها.

 

تفاقم حدّة الموقف

 

حالياً، هناك ثلاث خيارات أمام «الحزب الديمقراطي الكوردستاني» في مقاربة «كَوران». يتمثّل الأوّل في تسوية الوضع من خلال زيادة الضغط على مختلف الأطراف للقبول بإعادة تفعيل البرلمان، والسماح بعودة وزراء «حركة التغيير» إلى الحكومة على الرغم من ما أقدم عليه أنصار الحركة، وتمديد فترة رئاسة السيد مسعود بارزاني خارج البرلمان كونه إرادة شعبية, مع الإشارة دوماً أن الرئيس بارزاني كرر أكثر من مرة طلب الاتفاق على رئيس جديد للبلاد, لكن عدم أتفاق الأطراف السياسية يدفع بالديمقراطي إلى أن يكون هذا الطرح أحد الحلول المُقترحة متضمناً تقديم ضمانات من حركة كوران بعدم العودة إلى أثارة القلاقل والفتن.  أو التوصل إلى أتفاق مع «الاتحاد الوطني الكوردستاني» وتشكيل مجلس وزراء جديد، مما سيدفع «حركة التغيير» إلى الخلف وإلى حزب معارض. أو تفعيل محاكمة نوشيروان مصطفى(منسق عام حركة التغيير) بعد تسريب مخططه في ضرب أمن واقتصاد وسياسة الإقليم.

 

الوضع السياسي في الإقليم يتعرض ومنذ أكثر من ثلاث سنوات إلى ضغوطات وتدخلات لتشويهه وإنهيار مؤسساته, فإما الذهاب إلى تقسيم الإقليم إلى أقاليم وهذا ما يخطط له الآخرون ويرفضه جميع الشعب الكوردي بالمطلق، أو أن تكون الأحزاب الكوردية على قدر المسئولية وتحاول تصفير مشاكلها بشكل جذري، بعد أن أثبتت الأحداث عدم جدوى الحلول الترقيعية وفي نفس الوقت عدم قدرة أي طرف سياسي على تحييد الأطراف الأخرى والسيطرة على الوضع الكوردي بمفرده .

 

أن خطورة الوضع في كوردستان لا تقتصر على المشاكل الظاهرة على السطح، بل تتعداها إلى العامل الخارجي الإقليمي الذي يزيد من خطورتها. فالدول المحيطة بإقليم كوردستان قد تختلف في الكثير من الملفات، إلا أنها متفقة فيما بينها تماما في رؤيتها للملف الكوردي وكيفية التصدي للطموح الكوردي المتنامي في أجزاء كوردستان الأربعة، وتنسق الأدوار فيما بينها مستغلة الخلافات السياسية بين أحزاب كوردستان بغية جرها لمواقف تزيد من هوة الخلاف بينها.

 

 

التعليقات مغلقة.