المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس : الكرد والتحالف الدولي …

118


ماذا يكمن وراء البيان الصادر عن وزراء التحالف ضد داعش المجتمعون في واشنطن؟


لا شك، ألمني وربما الكثير من الأخوة الذين اطلعوا على نص البيان الصادر عن وزراء خارجية دول التحالف المجتمعين في واشنطن بتاريخ 5-2-2019م، وخلوه من أي تذكير بدور الكرد في هزيمة داعش، ولا للتضحيات الجسام، والدماء المهدورة في جنوب وغربي كردستان، في الوقت الذي قدم فيه العديد من الدول الحاضرة في الاجتماع دعم لوجستي لتلك المنظمة الإرهابية، وبينهم من وجهتها لضرب الكرد، وهناك من حرضهم على مهاجمة منطقة شنكال مسكن أهلنا الإيزيديين التاريخي، وخلق المآسي بأعرق وأقدم مجتمع ديني مسالم في المنطقة، والتي ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ كوصمة عار أبدية في جبين العديد من الأنظمة السياسية والمؤسسات الدينية الإسلامية المتطرفة، والأحزاب العربية والتركية.


جميعنا نتذكر كيف حصلت منظمة داعش على أسلحتها قبل تلك المجازر، وكيف تخلت القوات العراقية لهم عنها وبأمر من رئيس وزرائها نوري المالكي، وباتفاق مع حكومة ولاية الفقيه الإيرانية، لضرب الكرد والسنة في المنطقة، وفي نفس الفترة تخلت سلطة بشار الأسد عن أسلحة لواءين مدرعين، كما وحصلت المنظمة على دعم لوجستي من حكومة أردوغان، واستشفنا هذا بعد ظهور العديد من التقارير والوثائق السرية، وكيف سخرت تركيا مطاراتها وموانئها لاستقبالهم، وفرزت فروع من قوات مخابراتها لإقامة معسكرات تمهيدية لهم قبل إيصالهم إلى المنظمة في سوريا والعراق، وهذه الدول هي ذاتها المشاركة اليوم في الاجتماع وصياغة البيان الجائر المذكور هنا.
كمقارنة مع بيان وزراء خارجية التحالف ضد داعش الصادر قبل يومين، أرفق ملف البيان الصادر عن اجتماعهم المنعقد في واشنطن في 22 أذار عام 2017م، حول هزيمة داعش، وفيه إشارة إلى النظام الفيدرالي في العراق، وبالمقابل لم يتطرقوا فيها إلى وحدة العراق وسوريا، بل ولم يتم التنويه إليها، يوم كانت المنظمة قائمة على نصف أراضي الدولتين وأكثر، وكانتا مقسمتين إلى أجزاء بين بقايا السلطات والمعارضات والحشد الشعبي، في الوقت الذي كان الكرد قيه يسكبون الدماء دفاعا عن العالم في معاركهم ضد المنظمة التي كانت جل وجهتها وأجنداتها ضد كردستان، وبإملاءات من بعض الدول العربية وإيران وتركيا، الدول المشاركة وزراءها اليوم في الاجتماع الذي أنعقد في واشنطن، والمتلقية وقفة من الرئيس ترمب بخطاب ترحيبي، وأتبعه نقاش شكلي وصياغة البيان.


والتالي هو ملف خطاب وزير خارجية أمريكا (مايك بومبيو) الملقى في حضور وزراء الخارجية المجتمعون في واشنطن، لمناقشة المراحل الأخيرة لنهاية داعش في سوريا والعراق، والتي لم يأتي فيها على ذكر الكرد كليا، بل ويتغاضى فيها عن تحالف أمريكا مع الكرد على الأقل عسكريا، أمام الدول المقتسمة لكردستان، ويتجلى فيه النفاق والخباثة السياسية أمام الدول المعادية والمقتسمة لكردستان، الدول المعروفة أنها كانت الداعمة للمنظمة كما ذكرنا سابقا. وحيث تتوضح هيمنة المصالح بأبشع صورها. علما أن وزارة السيد بومبيو أصدرت اليوم، وبعد يومين من صدور بيان وزراء الخارجية المنوه إليه والذي تم بموافقته، بيانا تبين فيه الوزارة دعمهم لقوات الحماية الشعبية وقسد في شرق الفرات، حتى في حال الانسحاب الأمريكي من سوريا.


ومن المقارنة نستشف التناقض ما بين القيم والمصالح والسياسة، والخلفية السلبية لنتائج غياب أية وثيقة رسمية أو اتفاقية ما بين الكرد وأية دولة، وعلى رأسها أمريكا عند محاربتهم لداعش. ولا شك مرد هذا الغياب أو النقص هي حالة الضعف الذي نحن فيه،

وربما جهالتنا، بحيث لا نملك قدرة فرض شروطنا مقابل فرض الأجندات المرافقة مع الدعم العسكري واللوجستي المقدم لنا لدى استخدامهم إيانا كأدوات تحت الطلب. ومن المؤلم أننا اليوم نعيد التاريخ ذاته، ففي كل مرة نضطر إلى تقبل شروط الأخرين، ولا نملك قدرة فرض القليل من متطلباتنا، وتتبين وكأننا في عوز أبدي للقوى الخارجية، ولا نستبعد أن مرد هذا إما قلة المعرفة والحنكة في استفلال الظروف، أو خباثة الأخرين ودرايتهم في كيفية التعامل مع الكرد بعد تشتيتنا وتوسيع حلقات الصراع بيننا.


والتالي هو ملف البيان الذي نحن بصدده هنا، والصادر عن وزراء التحالف الدولي لهزيمة داعش، في واشنطن بتاريخ 5-2-2019م والمتبين من خلال لغته والتلاعب في صياغته، وذكرهم لقضايا لا علافة لها بقضية المنظمة الإرهابية، مدى قدرة الدبلوماسية في تسخير المصالح للأجندات السياسية، وتهميش القيم والأخلاق الإنسانية، وكيف أن بعض الدول وظفت كل قوتها الدبلوماسية، لئلا يتم فيه ذكر الكرد ولا يتطرقوا لدورهم الرئيس على الأرض في هزيمة داعش، وتحريرهم لربع أراضي سوريا والعراق من داعش. بل والأغرب تركيزهم على وحدة أراضي العراق وسوريا، المسألة التي لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب الداعشي خاصة بعدما انتهت دورها كدولة خلافة في المنطقة، ولا نشك في أنها كتبت بتأثير من الدول المقتسمة لكردستان، والتي كانت تدعمها حتى البارحة، ولم تحاربها يوماً، بل ما خلف السطور، وجزء من بنودها العشرة، موجهة ضد نفس القوى الكردستانية التي هزمت داعش، وأنقذت العالم والمنطقة من شرورها، قبل أن يكون توضيح لنهاية داعش. في الوقت الذي كان عليهم وعلى وزير خارجية أمريكا على الأقل كتابة بعض من تلك النقاط على دور الكرد في دحر داعش، وتعرية بعض السلطات في المنطقة كسلطات بغداد وتركيا وإيران وقطر.


ونرفق هنا ملف البيان المشترك حول سوريا، والتي اجتمع من أجلها وزراء خارجية وممثلو مصر وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في واشنطن، وهؤلاء كانوا ضمن دول التحالف الذين أصدروا البيان المطعون فيه، والذي بقدر ما يبينون فيه هزيمة داعش، يعتمون على القوى الكردية التي قضت على ذاك التنظيم. والغريب أن دولة مثل فرنسا تصرح بين حين وأخر أنها ستظل في شرق الفرات حتى بعد الانسحاب الأمريكي كسند للكرد! لكن هنا هي السياسة والمصالح، فهل نحن الكرد نستطيع أن نتعظ، ونأخذ تجاربا من مثل هذه الاجتماعات، وكيف أن الدول المعادية تلتقي، وتتفق على بعض النقاط، وبعكسهم نحن الكرد بيننا نقاط تلاقي على مستوى الوطن، مع ذلك لا تدفعنا ضميرنا ولا حتى سياستنا بضحالتها على تجاوز خلافاتنا المخلوقة خارجيا، إلى درجة أن البعض من حراكنا الكردي، الجار معه شريحة واسعة من المجتمع، يجد في المطالبة بأي اتفاق أو تلاقي مطلب طوباوي، يقال أنه نظريا شيء جميل، لكن شبه مستحيل على أرض الواقع، وللأسف هذا المفهوم ينشر وبقوة بين شعبنا، وهذه هي الكارثة المؤدية ربما إلى سقوطنا في هوة الضياع لعقود أخرى، ونأمل أن نكون مخطئين.

*المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب .

التعليقات مغلقة.