عندما طرح مسألة الإنسحاب الأمريكي من الشمال السوري ( المناطق الكردية ) تعددت المواقف و التكهنات عن أسباب ذلك الإنسحاب و بالسرعة التي قد يتصورها بعض المراقبين للملف السوري و الدول الأقليمية خاصة بعد حصر تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) في جيب صغير من المساحة الجغرافيا التي كان ستبقى تسيطر عليها و انحسار ذلك الجيب جاء نتيجة التضحية بدماء أكثر من عدة آلاف من الشهداء الكورد المنضوين ضمن قسد و الذي يشكل ي ب غ عمادها الرئيسي . صحيح بأن الأمريكان قرروا الإنسحاب لكنهم بنفس الوقت أصروا على حماية الكورد من أي إعتداء عليهم سواء كان من الجانب التركي أو من جانب النظام السوري الذي لا يستطيع التحرك دون الموافقة الروسية .
و بالرغم من اللقاءات المكثفة بين قيادة مجلس سوريا الديمقراطي(مسد ) و بعض من عناصر فوات سوريا الديمقراطي ( قسد ) و أركان النظام من المسؤولين الأمنيين إلا إن أي إتفاق بينهم إن لم يحظى بالموافقة الأمريكية _ الروسية كأن موضوع تلك اللقاءات تدخل في إطار طي النسيان و تشكل لقاءات عابرة دون أية نتائج علما بأن تلك اللقاءات باتت معروفة للقاصي و الداني ما يجري من مناقشات ضمنها و لب الموضوع هو إعادة تسليم الأمانة كما أستلمها سلطة الأمر الواقع ب ي د ربيبة ب ك ك من النظام و إيجاد سبل للتسليم مع الحفاظ على ماء الوجه لأصحاب الإدارة الذاتية و مصطلح روج أفا . كما يسمونها اليوم بالشمال الشرقي لسوريا و نسيان ثمن تلك المصطلحات التي كلفت أبناء الشعب الكردي بأكثر من خمسة و عشرين ألف شهيد و تدمير البنية الإقتصادية و الحياة السياسية و الإجتماعية للمناطق الكردية في كردستان سوريا ما عدا وضعهم منطقة عفرين تحت ظل و سيطرة الإحتلال التركي و قواتها المسلحة و الفصائل المسلحة الموالية لها نتيجة السياسات التي أتبعتها تلك السلطة المفروضة على الكورد و نتيجة تفاهمات أسيادهم في تنظيم ب ك ك و قادتها المتواجدين في كهوف قنديل مع قادة النظامين التركي _ السوري بمشاركة و إشراف النظام الإيراني .
نتيجة التطورات التي ترافق التغيرات الأقليمية و الدولية للأزمة السورية سواء كان من خلال إتفاقيات سوتشي أو جنيف و التغيرات التي تجري على أرض الواقع في محافظة أدلب و الأتفاق الروسي _ التركي بضرورة إنهاء ملف هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة ) المدعومة من قبل تركيا و وجوب التخلي عنها مقابل بعض المكتسبات في الشمال الغربي ( منطقة عفرين ) و كذلك في أعزاز و جرابلس و منطقة الباب إلا إن كل ذلك يصطدم بالإتفاق النهائي بين الأمريكان و الروس الذي مهده من قبل اللقاء الذي جرى العام الفائت بين الرئيسين ترامب _ بوتين ( مؤتمر هلسنكي ) و التي تستكمل باللقاءات التي يجريها وزيري خارجية البلدين و مستشاري الرئيسين في كل من تركيا و سوريا و أقليم كردستان .
و خلال الفترة الأخيرة تبلورت بعض الخطوط العريضة لتلك المشاورات و طرح موضوع المنطقة الآمنة من قبل الجانب الأمريكي بالإتفاق مع الجانب الروسي و إقرار ذلك ما عدا فرضها على الفرقاء الإقليميين المتحاربين في هذه الرقعة الجغرافية و التي تدعو الى نشر قوات من أبناء المنطقة مستبعدين عناصر قسد الذين يشكلون الهاجس التركي من وجودهم بإعتبارهم إمتداد للقوة العسكرية لتنظيم ب ك ك المصنف إرهابيا وفق المواثيق التركية _ الأمريكية _ الأوربية و إحلال عوضا عنهم قوات عربية تابعة لتيار الغد الذي يترأسه أحمد الجربا رئيس الإئتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة السورية الأسبق و عناصر بيشمركة روج آفا كردستان من أبناء الكورد الملحقين بالجزء السوري .
ومن هذه الزاوية بالضبط يبقى التكهن لكل طرف من الأطراف المتصارعة إقليميا حساباته من وراء تلك المنطقة المزمع إنشائها و لهذا سنرى ردة فعل الأطراف و بشكل قد يكون متناقضا مع مواقفه الإعلامية العلنية تبعا لمصالحها الإستراتيجية و الحفاظ على وجودها في المواقع التي تسيطر عليها حاليا و إبقاء الصراع و الأزمة المفتعلة بينهم لحين ظهور تطورات جديدة قد تفرض شروط أخرى للتفاوض خاصة بعد فشل اللقاءات بين قسد و النظام السوري أو ما بين الجانب الأمريكي و التركي في بعض التفسيرات للبنود المشكلة لتلك المنطقة و من هذه التطورات الجلية للوضوح إفتعال بعض المشاكل والتوترات في المنطقة المعنية , منها التفجير الذي قامت بها جهة غير معروفة حتى الآن في مدينة منبج التي تسيطر عليها حاليا قوات قسد مع الجانب الأمريكي و بالرغم من تبني داعش لذلك التفجير إلا إن الأمريكان غير مقتنعين بالتبني و لهذا فإنهم يجرون التحقيقات الأولية حول التفجيير و بغض النظر عن إجراءات التحقيق فإن الأمريكان يضعون إحتمالين لا ثالث لها . و الإحتمالين يدوران في فلك طرفي الصراع في المنطقة المعنية ( منبج ) النظام التركي أو قوات قسد المتمثلة في سلطة أمر الواقع ب ي د ربيبة ب ك ك , و أي طرف منهما قام بالتفجيير سيدفع ثمن ذلك باهظا و بالتالي فإن الحلول الجزئية للقضية الكردية في كردستان سوريا لا تعني بالضرورة حل مشكلة الأزمة السورية و إنما الحل النهائي للقضية الكردية في كردستان سوريا تبدأ بالمساحة الجغرافية الكاملة من ديريك شرقا الى عفرين و جبل الأكراد غربا و هذا الحل مستبعد من ضمن خطط الجانب التركي أو من جانب النظام السوري وصولا لتنظيم ب ك ك و فرعها السوري ب ي د .
و من هذا المنطلق يجب أولا على المجلس الوطني الكردي التأكيد على الحل الكامل للجغرافية الكردستانية في سوريا و عدم الإنجرار وراء تلك المصطلحات التي روجها أصحاب الإدارة الذاتية في الفترة الأخيرة مثل الشمال الشرقي لسوريا أو مصطلح شرقي الفرات و غربي الفرات و كيف أن ب ي د اليوم يحاولون التمسك بمصطلح شرقي الفرات و الشمال الشرقي و نسيانهم موضوع عفرين و منطقة الباب و منبج ( مابوك ) و أرفاد ( تل رفعت ) و مطار أوجلان ( مطار منغ ) و بالتالي حصر إطار حروبهم من أجل التمسك بوحدة و سلامة الأراضي السورية و كذلك العمل على شكل من الأشكال إرضاء النظام السوري للقبول بهم كقوة عسكرية ضمن القوات التابعة لها و تحرير دير الزور و البوكمال من داعش .
إن إنجرار المجلس الوطني الكردي وراء تلك المصطلحات بحجة محاولة الإتفاق مع الإدارة الذاتية و العمل على وحدة الصف الوطني الكردي ما هو إلا جري وراء السراب و طرح knk في هذا التوقيت يأتي ضمن خانة إنقاذ ب ك ك / ب ي د بعد الفشل الزريع في سياساتها و خسارة عفرين سياسيا و عسكريا و إجتماعيا و إقتصاديا بما كان يدر على قنديل من الأموال و الموارد البشرية .
آجلا أم عاجلا سيتوضح من القائم بعمل ذلك التفجير الإرهابي و من هم الذين أصدروا الأوامر و لهذا فإن الجانب الأمريكي سيكون رد فعله عنيفا ولكن بنفس الوقت يعرفون بأن الشعب الكردي في كردستان سوريا لا يمثلها الجهة التي قد تكون قامت بها و أقصد هنا ب ي د أو الجهة الأخرى و التي تمثلها الحكومة التركية و هذا يدخل في حساب آخر تمتد خيوطها حتى تصل حلف الناتو و بالتالي القضاء و تقطيع أواصرالعلاقات التاريخية ( الحبل الثخين ) بين الجانبين الأمريكي و التركي .
إن التطورات الحاصلة اليوم في الشرق الأوسط و هذه المنطقة الجغرافية خاصة ( كردستان الكبرى ) تبين للقاصي و الداني سواء كان في أمريكا أو روسيا أو في دول الإتحاد الأوروبي و بعض من الدول العربية بأن الكورد يشكلون صمام الأمن و الأمان و السلام و الإستقرار عبر التاريخ و أوفياء و مخلصين لقضيتهم و للأصدقاء الذين يقفون بجانب قضيتهم بجانب القضية الإنسانية و الحرية و العدالة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بالرغم من بعض الجوانب و المواقف غير الموفقة لبعض الأطراف الدولية إتجاه الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي عبر التاريخ .
- المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها .
التعليقات مغلقة.