كانت الحرية صمتا مطلقاً وأخيلة وصلوات محرقة , ممتدة من شهقة التوق إلى محراب الرغبة , وكان معلمي الوحيد الذي درسني كتاب الحرية روائيا مفتوناً , يصفها بأنها واحة من قصب السكر , ويكتب عنها بأنها غابة تفترس العاشق والعشق .
إندلعت الثورة في القلب , وتشربت الروح صوت البكاء , وأصبحت الحرية طريقاً للخروج من متاهة العقل , نراها دائماً مبللة الخدين بدموع مجنونة طائشة , تقف أمام بوابة معبدها كما يقف الصوفي على بوابة الرجاء , والباحث عنها يحمل بندقية الأمل المحشوة بالأكاذيب , ينقلها من كتف إلى كتف , كما يفعل الجندي خارج اوقات الحرب .
نحن في منتصف الدرب , يد على الحكمة وأخرى في حقائب الأمل , وسنين مضت على خفقة القلب الأولى , وأقل منها على فتنة الغرق في بمستنقع المطالب الحياتية الملحة .
الطبول المتوحشة تضج في داخلك , تحاصرك الشباك , تعدو الشمس قرص أحمر ناضج في فرن الجحيم , تقطع الحبال والقيود وخيوط الشباك بخنجر الصبر .
تصريحات تقتحم عزلتك الشجاعة , فضائيات كاذبة , وأغنيات رديئة , شعراء هواة يساومونك على الموقف , صحف ومجلات رخيصة , ألاعيب ودسائس , وآبار من البترول للبيع .
تصبح الأسماء أحلى وأجمل , فيتحول إسم ( رفيق) إلى ( هڤال) وينقلب ( البعث) إلى ( داعش) و ( قوات مكافحة الإرهاب) إلى ( جبهة النصرة) . والطبول تتابع تقدمها , وانت ضائع على دروب عن اليقين , وكرنڤال البؤس يفتح كل يوم للفرحة , في تلك اللحظة تماماً قد تسألك إمرأة جميلة عن رأيك بالحب , وقد تسألك من باب المجاملة عن الشاه وماركس وقصيدة النثر وجوازات السفر المزورة , تسكت لبرهة قصيرة , وتتحدث عن كل شيء , وتتناسى عمداً كل ما يتعلق بالثورة والحرية , وتتذكر في اللحظة ذاتها أن حصرمة واحدة حامضة كافية لتفسد كل حلاوة الحرية .
التعليقات مغلقة.