أكرم الملا:الثقافة السياسية الغائب الأهم في الأحزاب الكوردية.
أن الجهل السياسي هو أخطر أنواع الجهل، كونه يصيب صنّاع القرار، وهؤلاء مسؤولياتهم تتجاوز حدود الذات، فالسياسي يختلف عن عامة الناس، بل يختلف عن القادة في المجالات الاخرى، فالقائد أو المسؤول السياسي، يتحمل مسؤولية أمة ومصير شعب كامل، قد يتسبب بإلحاق الأذى والضرر به، أو العكس، وهذه النتيجة المحصورة بين النجاح والفشل، تعتمد على مدى تخلّص السياسي من الجهل.
وهذا يعني أن السياسي عندما يملأ فراغات الجهل بالثقافة والوعي، فإنه يعي مسؤوليته جيدا، ويفهم أن الثقافة السياسية تنتمي للثقافة بمفهومها العام، بمعنى أن الثقافة السياسية هي إحدى فروع الثقافة والمعرفة بشكل عام، ولكن في حقيقة الامر أن هذا النوع من الثقافة يكاد يكون مهملا تماما بالنسبة لسياسيين يديرون دفة الأحزاب الكوردية، إن هناك ساسة كورد يعانون من الجهل الثقافي الذي بدوره ينتج الجهل السياسي..
ان ظاهرة ضعف الثقافة السياسية حاضرة بقوة في أوساط حركتنا الكوردية، رغم انه من أهم شروط ممارسة العمل السياسي، هو ان يكون السياسي صاحب معرفة مستقاة من التاريخ السياسي البشري المتعدد المسارات والاتجاهات، فضلا عن التاريخ السياسي للوطن نفسه، بالإضافة الى أهمية الالمام بالعلوم السياسية أو على الأقل الاطلاع عليها، كي يكون السياسي ذا عقلية قادرة على اتخاذ القرار الصحيح والمناسب النابع من خبرات ومعارف يتقنها السياسي ويتمسك بها.
قد يكون مبررا ذلك التهافت والتدافع على ممارسة العمل السياسي في السنوات الأخيرة (زمن الثورة السورية)، فهناك كثيرون ليس من أهل السياسة دخلوا فيها أملا بتحقيق الوجاهة السياسية المجانية وتلميع التاريخ الشخصي المغبش والمشكوك فيه وأخيراً المكاسب المادية، ولكن عندما تكون السياسة عملا مشاعا، فإن الجهل السياسي سوف ينتعش وينتشر، وأن كوارث سياسية واقتصادية سوف تحل بالمجتمع والشعب، لذلك لا مغالاة في قولنا، أن هناك من العاملين في ميدان السياسة يفتقرون للثقافة السياسية في ابسط صورها وأدنى مستوياتها وهذا نتيجة افتقارهم للثقافة العامة ومع ذلك يدخل هؤلاء الى المطبخ السياسي وغالباً ما يجلسون في الصدارة، لهذا نلاحظ التخبط في اتخاذ القرارات والعشوائية في تحضير الوجبات السياسية والافتقار للتنظيم والتنفيذ السليمين ولا شك أن هذه الفوضى ناجمة عن ممارسات أشخاص غير مؤهلين للعمل في الحقل السياسي وهنا الكارثة ( هل تتصورون ماذا يحصل لو مارس مطهر الأولاد الجراحة العامة )، ونتيجة لهذا نرى بأن حركتنا الكوردية في كوردستان سورية تعيش حالة التهابات سياسية ونقص تروية فكرية بالاضافة الى نقص حاد في الثقافة السياسية وحتى العامة.
إن السياسة كما يؤكد أصحاب الاختصاص في هذا الحقل المعقد، لا تعني استلام السلطة فقط من خلال شعارات ملونة ومرفرفة، بل إنها نوع من الادارة العميقة والدقيقة والشاملة لشؤون المجتمع، انها تشمل عموم المهام التي تتعلق بالمجتمع والشعب، وهذه المهام لا يمكن أن يتصدى لها الجاهل بفنون السياسة والغير هاضم للنظريات السياسية وتطبيقاتها، وهذا مايحدث على ساحتنا السياسية الكوردية المسكينة لأن بعض من يتحكمون بالحلبة السياسية هم مصارعون غير محترفون في العراك السياسي.
ومع ذلك يدعي بعض المتسلطين على السياسة الكوردية عندنا، إنهم يديرون المجتمع عن طريق أحزابهم السياسية .. كيف ذلك وهم لم يسعوا الى تحصيل المعرفة السياسية ولم يقرؤوا التجارب الماضية للسياسيين، كيف وثقافتهم السياسية في حالة ضمور وخارج التغطية، الامر الذي ينعكس على الأداء السياسي للأحزاب، فيكون صنع القرار فوضويا مغبراً الرؤية غير واضحة يتسم بالجهل، فضلا عن الثغرات التي تتيح مجالا للفساد المالي اللعين وما شابه، وهذا ما نعيشه منذ سنوات في واقعنا السياسي الراهن.
وأخيرا لابد من اتخاذ التدابير اللازمة والتصدي الجاد والحاسم لمعالجة هذا الخلل الخطير، ونعني به محاربة الجهل والجاهلين في العمل السياسي، من خلال القيام بخطوات إجرائية جريئة وملزمة لكل من يتطلع أو ينوي الزراعة في الحقل السياسي، وأهمها أن يكون ملما بثقافة عامة ومعرفة سياسية جيدة، تجعل من قراراته ومشاركاته ومسؤولياته بعيدة عن التسبب في أخطاء مصيرية قاتلة.
التعليقات مغلقة.