الكاتب : فرمان بونجق
(حياته دراما كردية خالصة بدءاً من كونه جنيناً في رحم أمه حتى مماته)*.
بهذه الطريقة يصف روهات ألكوم حاجو آغا في كتابه خويبون وثورة آكري، وكأنّ به يحاول أن يؤكد لنا البعد الآخر لشخصية حاجو آغا، والذي يتجاوز البعد القبائلي وزعامته القبلية، حيث يتطرق إبراهيم محمود في مبحثه، مؤكدا ما ذهب إليه ألكوم، حين يكتب “أبعد من حدود العشيرة”، وكأنّ به هو الآخر يرغب في إزاحة الستار عن الرغبات الدفينة لدى حاجو آغا في تجاوز حدود هفيركان، إلى ما هو أرحب، إلى ما هو أبعد، إلى ما هو أكثر اتساعاً وتعقيداً إنْ شئت، على أن التحالف القبائلي لا يمثل سوى حامل لهذه الرغبات الدفينة، والتي بدأت أولى ملامحها بالظهور من خلال اتصالاته مع الدول الكبرى من جهة، ومع الشخصيات ذات البعد القومي فكرياً، في جميع أنحاء كوردستان، ومحاولاته الحثيثة في استقطاب النخبة الثقافية آنذاك.
قد يتبادر إلى الذهن تساؤل حول توصيف الباحث روهات ألكوم لحياة حاجو آغا، بقوله : دراما كردية، وهو تساؤل مشروع إلى حدّ بعيد، وقد تتعدد الإجابات على هذا التساؤل، وهذا لا يخرج عن حدود الممكن والمعقول، ولا يتنافى معه، إلاّ أنّ المتفق عليه يكمن في أن الخصوصية الكوردية لحياة حاجو آغا هي الغالبة على المشهد، إذ لم يشارك حاجو آغا في أي حدث دون أن يكون هذا الحدث في صميم التوجه الكوردي، وحتى نشاطاته العسكرية ومعاركه تموقعت في المناطق الكوردية، شمالاً وجنوباً، وحتى غرباً، ولم تسجل عليه المدونات التاريخية، أنه انعطف خارج مساره الكوردي، فقد اتصفت جميع تحركاته واندفاعاته السياسية والعسكرية، أنها حدثت ضمن الجغرافيا الكوردية، وهي بالتالي ارتبطت بأحداث خصّتْ الكورد دون غيرهم، بعكس ما قيل أن حاجو آغا هفيركي كان يتسم بعقلية عشائرية وزعامتيه فحسب. ويتضح هذا في العديد من المراسلات الفرنسية التي وثّقتها وزارة الدفاع الفرنسية واستخباراتها وهي منشورة في متن الكتاب وفي مواضع شتى.
بالعودة إلى ما قاله ألكوم في توصيفه لحياة حاجو آغا على أنها دراما كوردية خالصة بدءاً من كونه جنينا في رحم أمه…، هذا القول يضعنا مرة أخرى أمام شخصية حاجو آغا، حيث يبرز السؤال الأكبر: كيف يكون الأمر على هذا النحو وهو لايزال جنيناً في رحم أمه؟. إنّ كل ما قيل عن عائلة أوصمان مكتوباً أو محكيّاً، وبعد تسلم زعامة التحالف العشائري من آل رمو آغا، يندرج تحت الثقافة المكتسبة والمتوارثة من حاجو الجد إلى حاجو الأب إلى حاجو الابن، الذي هو حاجو آغا موضوع البحث ، مروراً بشخصيات هفيركية وأدوارها القياديّة، أمثال عليكى بطى، إذاً لا يمكن البحث في شخصية حاجو آغا بمعزل عن شخصيات أخرى سبقت مجيئه، وقد تركت أثرها عليه بشكل أو بآخر، فهي شخصية مشحونة بالإرث الاجتماعي (العائلة)، وأيضاً الحس القومي مذ كانت عائلته جزءاً من مشروع البدرخانيين، وقد تناقلت العائلة والاتحاد القبلي هذا الميراث، إلى وقت متأخر، وفيما بعد سيتضح الدور النشط لنسل آل حاجو في ثورة البارزاني حتى منتصف السبعينات من القرن العشرين. وأعتقد بأنه هنا يكمن السبب من وراء مقولة روهات ألكوم، المقولة التي تحاول أن تخبرنا أن هذه الشخصية هي شخصية مركبة، مدمجة بما سبقها من شخصيات كان لها دورها، وهي قادمة من نسبه ومحيطه العائلي، وهي التي قامت بتغذيته بذلك الإرث الذي جعله ما كان عليه فيما بعد، وحتى مماته كما يؤكد ألكوم.
وبالاتكاء على إحدى المستخلصات الموجزة للباحث إبراهيم محمود، حيث يضعنا في أجواء إحدى أهم المراحل التاريخية التي ساهمت في تشكيل شخصية حاجو آغا ونضوجها، مرحلة المواجهات العظمى مع الذات، ومع الآخر، وأعتقد بأن المستخلص يعطف نفسه على ما جاء على لسان ألكوم نفسه، إذ يسرد: “وُفق المتقَّدم به حتى الآن، يبرز لنا حاجو آغا شخصية طموحة، على تماس مباشر باللاحدودي، كما لو أنه يريد أن يعيش ألف مغامرة ومغامرة وهي على قيد الحياة، وهو أنّى اتجه يلقى عثرة أو تحدياً، أو عدواً ومن مستويات مختلفة بالمقابل، ولا بدّ من شخصية كهذه منذورة للإقامة في منطقة العواصف الكبرى، لا بد أن المطّلع على تاريخ كوردستان، ومن ثم على خارطة كوردستان، ويعمل رابطاً يومياً يصل ما بين الإثنين، سوف يكتشف أنه مقذوف بين عاصفتين لا تهدآن: ما هو تاريخي، لوجود أكثر من قوة تتدخل في نطاقها، ونطاق منهوب ومنكوب، عبر صراعات متفاوتة، وما هو جغرافي على وقع القوى تلك، لأن الاسم نفسه جارٍ تقسيمه، وضمناً الكرد، وأن ليس من جهة حدودية، ليس من رقعة داخلية فيها، إلاّ وهي في هيئة البركان النشط الذي يغلي من الداخل، وهذه الثورانات ليست أكثر من نزاعات وشجارات وحروب تسفك دماء على مدار الساعة”. تلكم هي المدلولات التي ساقها الباحث إبراهيم محمود، لبيئة كانت تكتنف وتحتضن حاجو آغا، وقد وسَمته بميسمها، فكانت أن المقدمات أدّت إلى نتائج، وأن نمو شخصية حاجو آغا جاءت في سياقها التاريخي لبيئته، شأنه شأن الآخرين في أقوامهم.
لنستمع أيضاً إلى صوت د. بنكي حاجو عبر مقالته المنشورة في موقع إيلاف بتاريخ 15 أيار/ مايو 2009 ، والتي يستند إليها الباحث إبراهيم محمود في أحد فصول كتابه:
“نعم إن حاجو آغا في تلك الظروف الموصوفة أعلاه (……) كان طموحه هو إقامة دولة كردية مستقلة، وقد سعى إلى ذلك بكل ما كان يملك من طاقة، لكنه لم يفلح في توحيد كلمة الكرد من جهة، ومن جهة أخرى منعته الظروف الدولية القاهرة. وكان حاجو قد تقدم أيضاً بطلب إلى عصبة الأمم يطالب فيها بدولة كردية، ولولا الظروف الدولية التي واكبت الحرب العالمية الثانية واكتساح ألمانيا لفرنسا وانقسام الفرنسيين على بعضهم وانتقال ذلك إلى مستعمراتها، والأهوال التي حلت بالأوربيين لكان طلب حاجو قيد الدرس في عصبة الأمم حيث كانت فرنسا قد أعطت موافقتها المبدئية على الطلب حين تقديمه. في كتاب جكرخوين، النسخة العربية ص 292 نقرأ ما يلي: فيما بعد وقّع الأكراد والمسيحيون على كتاب كي يرسلوه إلى اجتماع الأمم (يقصد عصبة الأمم). بعد ما قرأتها للآغا: إنها جيدة لكن يلزمها شيء مهم باعتقادي وهو أنكن لم تبيّنوا لغة هذه الدولة، يجب أن تكتبوا لغة الدولة هي الكردية كي لا نُخدع في المستقبل…. حين جاء رد الرسالتين ـ من عصبة الأمم ـ كانت باسم حاجو آغا ومضمونها يقول: لقد وصلتنا مطالبكم وندرسها الآن، قريبا سوف تتحقق. وقد لا يعلم الكثيرون أنّ حصة اللغة الكردية كانت موجودة في مدرسة الحسكة والكتاب المدرسي المقرر كان بالحروف الكردية اللاتينية وتمت الدراسة به حتى وفاة حاجو آغا 1940 “.
الحقُ يُقال، أن الوثائق الفرنسية، وأقصد مجموعة وثائق وزارة الدفاع الفرنسية، وضمنها مدونات الضباط والجنود الفرنسيين المعنيين بالوقائع ، كانت مثار نقاش مستفيض في كتاب ( دولة حاجو آغا الكردية)، وأخذت حيّزاً تستحقّه، لما لها من مدلولات تاريخية وسياسية، وقد علّق إبراهيم محمود ببضع كلمات على هذه الوثائق في أحد الموضع وتحديدا في أسفل الصفحة 479 قائلاً: “تلك هي مجموعة النقاط المترتبة على موضوع البحث، وهي نقاط تضيء ما حولها كرديّاً، وترفع من شأن حاجو باعتباره رجُل سياسة، ولا بدّ أن عبور الحدود كان أكثر من من كونه نقلة جغرافية، أي نقلة تاريخية سياسية لصالحة”.
القادم بوست
التعليقات مغلقة.