كثيرا ما سمعت من الكثيرين عبارات تقول أن تركيا تضغط على أمريكا ،و “اردوغان” يستفز أمريكا و يهدد و يفرض نفسه عليها ،إذ لم يتوانى أي إسلامي إلا قال هذا الكلام و قطيع غفير يصدق.
أستغرب ما الذي تملكه تركيا كي تهدد به أمريكا!؟ ،فمنذ أن وعيت بالأمور السياسية التي فرضت علي كمضطهد تيقنت أن السياسة للأقوياء و القوة من توجه النمط السياسي ،والقوة لا تكون إلا بالعقل و الصناعة و التطور و التقنية و الإقتصاد و الإستثمار…
كيف لتركيا التي لا تصنع شيئا ولا تملك شيئا و لا تتحكم في شيء أن تهدد دول صناعية قوية تملك كل شيء؟!
إن الإعلام شيء و الحقيقة شيء آخر ،لهذا لا يحب الناس الحقيقة خوفا من أن تتحطم أوهامهم ،ما يستوجب على العاطفيين أن يدركوا أن تركيا ليست دولة صناعية بل فقط مستهلكة شأنها شأن دول الخليج و الشرق الأوسط و إفريقيا ،ومسألة صناعة السلاح و التكنلوجيا مجرد كذبة و نفخ إعلامي لا يقل عن الهرطقات الإيرانية بصناعة الصواريخ و السلاح النووي….
فهل من المعقول أن تكون تركيا قوة صناعية و تحارب بالسلاح الأمريكي و الألماني و البريطاني و الإسرائيلي و الفرنسي و الروسي؟! ،أين سلاحها التركي و تكنلوجياتها و إختراعاتها!! ،وإيران كذلك تحارب بالسلاح الأمريكي و الإسرائيلي و البريطاني…بينما صواريخ “الباليستي” تصنع في دولة كوريا الشمالية و إسرائيل و أمريكا….بينما إيران تشتريها فقط…
إن الحديث على أن تركيا ثاني قوة في حلف الناتو مجرد كلام منفوخ لا علاقة له بالواقعية ،حيث أن المقصود من هذا النفخ هو الكم و ليس الكيف ،حيث أن جيش تركيا هو الثاني في الترتيب من حيث العدد ،بينما في التطور و التقنية و الإحترافية و الإمكانية ضعيف جدا ،وبلغة أخرى فدول حلف الناتو تستعمل الجيش التركي كجنود حرب لا أقل و لا أكثر.
إن الشركات و المصانع الموجودة في تركيا أغلبها إستثمارات أجنبية أمريكية و بريطانية و فرنسية و ألمانية و صينية و روسية و يابانية و كورية و إسرائيلية…،بينما تركيا تعيش فقط على ضرائب هذه الشركات ،أما بخصوص مصانع السلاح المتواجدة فيها فهي ليست تركية و لا علاقة لها بها أبدا ،والحقيقة أن المصانع الأروبية و الأمريكية و الروسية تصنع السلاح ثم تبيعه للحكومة التركية لا أقل و لا أكثر.
هنا أود أن أسأل بعض المحللين كيف لتركيا أن تهزم و تهدد أمريكا و هي مازالت تشتري السلاح الأمريكي و الإسرائيلي لحروبها ،،وهل بإستطاعة تركيا أن تصمد في محاربتها لأمريكا إقتصاديا قبل العسكرة؟! ،وكيف للنظام التركي الذي لم يصمد إقتصاده لأكثر من شهر إثر العقوبات الأمريكية أن ينتصر عسكريا على دولة تحتكر الأخضر و اليابس!؟ ،لقد ورثنا العنتريات الفارغة حتى أصبح الفأر في أعيننا أسدا.
إن المحور النصراني و اليهودي قالها في أكثر من مرة و عقد مؤتمرات عدة لأجل ألا يتركوا أي أمة تنهض و تفكر و تصنع ،بينما كل من يفكر و يحاول ذلك يعتبر عدوا و يزال بأي شكل من الأشكال ،وأروبا و أمريكا و روسيا ليسوا أغبياء أن يفتحوا أبواب الصناعة و التطور و التحرر أمام شعوب تكن لها الحقد و الكره العرقي و التاريخي و الديني المتبادل ،وما يؤكد أن زوبعات إيران و تركيا بشأن السلاح و الصناعة إلا كلام فارغ لا أساس له من الصحة.
إن صناعة تركيا المحلية محصورة في تعليب السمك و الخضروات و الحليب و اللحوم و الفواكه….،فهل بهذه الصناعة تستطيع تركيا تدمير القواعد العسكرية البحرية و البرية الأمريكية؟! ،وهل يا ترى إذا قطعت تركيا منتوجاتها ستموت أمريكا جوعا لأن السمك و الخضر و الحليب لا يوجد إلا في تركيا؟! ،فإن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على العقلية المثقوبة للشعوب المؤمنة بهكذا إشاعات…
الحقيقة الحقة أنه لا يوجد شيء إسمه نظام دولة ،بل النظام مجرد خليط مافيات مختلفة تتفق و تؤسس غطاء رسمي بإسم النظام و الحكومة ،وأسباب الإنقلابات لا تأتي من وعي الشعوب بل من صراع تلك المافيات الداخلية عند عدم تكافؤ المصالح بينها ،وتركيا و إيران نموذج حي لدول تسيرها المافيات الأمريكية و الروسية و البريطانية و الفرنسية و الإسرائيلية دون أن تترك للشعب أي فرصة للتفكير و النهضة.
كفكرة أخرى مختصرة و التي هلل لها الكثيرون و إعتبروها إنجازا عظيما يحسب “لأردوغان” عندما حول تركيا من دولة علمانية إلى دولة ديكتاتورية بنكهة دينية ،ماهو إلا بئر بلا قاع حفرته الدول الإمبريالية لتركيا على يد خادمها الأول “أردوغان” لإسقاط الشعب التركي في العقود القادمة ،إذ حولت المافيات تركيا من رقعة متفتحة شيئا ما إلى مستنقع متزمت لابد له أن يولد إنفجارا كارثيا ذات يوم ،وإذا دققنا جيدا سنلاحظ نفس السياسة نهجتها القوى الكبرى في تونس و ليبيا و السودان و باكستان و أفغانستان….
إن تركيا لا تملك شيئا ضد أي مكون اروبي و أمريكي بإستثناء فتح الطريق للاجئين بالعبور إلى القارة الأروبية ،وهذا بدوره ليس نقطة قوة بل قمة الإفلاس و الضعف التركي ،بينما أمريكا تملك أوراق ساخنة لتفتيت تركيا كليا منها إقتصادية و سياسية و إجتماعية و قضايا حية حساسة كملف القضية الكوردية و النزاع اليوناني و تهم دعم الإرهاب…
إن الدول التي تهدد أمريكا و تحسب لها ألف حساب هي الأنظمة الصناعية كالصين و الفيتنام و كوريا الشمالية و اليابان و الهند….،بينما الشعوب المستهلكة و أنظمتها لا تحرك في أمريكا شعرة واحدة.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.