لو دققنا جيدا من الناحية التاريخية و السياسية سنجد أن الأتراك هم العدو اللدود الأول لأروبا و أمريكا بعد العرب في منطقة الشرق الأوسط ،إضافة إلى الحقد الدفين الذي لا غبار عليه بين الروس و الأتراك ،بينما يبقى الشيعة الحليف التكتيكي للغرب على الأرض.
لقد تسربت بعض الرؤى الأمريكية و الروسية قبل الإجتياح التركي لمنطقة عفرين الكوردستانية ،حيث كان مضمون هذه التسريبات الأكاديمية التوافق بين الروس و الأمريكان في طرد تركيا من سوريا و محاربة التوسع الطوراني بأي شكل من الأشكال ،كون أن التوسع التركي يمس بالمصالح الأروبية و الأمريكية و الروسية زيادة إلى التباين في الرؤى الفكرية و الإيديولوجية و الإستراتيجية بينهم و الأتراك.
صحيح أن المصالح العليا بين الدول العظمى و الإقليمية لها الكلمة الأولى ،لكن لا يمكن لهذه الدول العظمى ان تسمح بإسقاط مضمون و عمق و نواة القضايا الجوهرية في المنطقة ،والدليل سقوط “كركوك” و “عفرين” دون المس بالعمق الكوردايتي و جوهر الثورة الكوردية ،مما يوحي بأن أمريكا خدعت جميع الدول الإقليمية بإبرام صفقات مقابل قبض ملايين الدولارات في كركوك و عفرين ،بينما إمكانية إسترجاع هذه المناطق في متناول الكورد و بقرار دولي حاسم أيضا ،علما أن الدول الإقليمية لم تحقق أي إنتصار مادامت أنها لم تسقط و تجهض الحلم الكوردي و النيل منه ،وعلى إثر هذا عبر الأكاديميون الأمريكيون و الأروبيون بهذه العبارة <الكورد خسروا معركة كركوك لكن لم يخسروا حلم الدولة بعد> ،وإن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على براغماتية “دونالد ترامب” و ذكاؤه الكبير عن سابقه “أوباما” و مدى ضرورة الكورد و القضية الكوردية في إستراتيجيات و سياسات أمريكا في المنطقة.
النقطة الرئيسية المشتركة بين الروس و الأمريكان في نظرتهم للقضية الكوردية هي أن كلاهما يعلمان جيدا مدى أهمية المكون الكوردي على خريطة الشرق الأوسط رغم الإختلاف و الضبابية في كيفية التعبير على ذلك نتيجة ما تفرضه الضرورة الإقليمية ،بينما العمق الدولي يناقش جديا القضية الكوردية و المشروع الوطني الكوردستاني الذي يقوده “مسعود بارزاني” كونه أصبح واقعا ،وإضافة إلى أن هذا المشروع سيلقي بثماره على كوردستان روجافا كذلك كضرورة إستراتيجية و أمنية و إقتصادية للكورد أولا و للدول الكبرى ثانيا.
إن مسألة الوجود التركي و نفوذه في سوريا مجرد مرحلة وقتية ،ولو لاحظنا جيدا كيف لعبت روسيا و أمريكا دورا مهما في إخراج تركيا من أغلب المناطق “حلب” و “الغوطة” و “إدلب”…،وشيئا فشيئا يتم تحجيمها و إعادتها إلى الجحر سياسيا ،ومقابل ذلك سمحت أمريكا و روسيا للأتراك في إجتياح عفرين كمجرد تلاعب دولي بها (تركيا) ،بينما لم تستطع تركيا أن تتقدم شبرا واحدا بعد إحتلالها عفرين صوب باقي المناطق و هذا ما يطرح ألف سؤال لماذا؟! ،والجواب أن الخطوات التركية تتم بضوء اخضر دولي و تقف عند الخط الأحمر المرسوم لها ،إذ يمكن في أي لحظة أن تفرض روسيا و أمريكا الحظر الجوي على كوردستان روجافا و تلقي القوات النظامية و الكوردية بثقلها على الجيش الحر في حرب مصيرية مدعومة من طرف روسيا و أمريكا لضرب النفوذ التركي و إخراجه ،وهذا الذي سيحدث مستقبلا عاجلا أم آجلا ،وقد يضع هذا “أردوغان” في مأزق كبير إذا تعنت ربما تصل إلى محاكمة دولية بإرتكاب جرائم حرب كالذي حدث مع ‘صدام”.
إن تاريخ التجارب الكوردية أثبت أن الكورد فازوا بكل شيء عندما ظن الجميع أنهم خسروا كل شيء ،وتجربة 1991 في كوردستان “باشور” و الهجرة المليونية أثناء هجوم دبابات و طائرات جيش “صدام حسين” التي إجتاحت الشعب و المدن و القرى الكوردستانية إلا أنه خسر المعركة نتيجة حظر الطيران بقرار مجلس الأمن الدولي بتدخل أمريكي_فرنسي إنتكس خلاله مخطط “صدام” ،وإنتزع الكورد وجودهم الرسمي في أرضهم كوردستان.
بخصوص كوردستان روجافا فالقرار يبقى دولي أكثر مما هو كوردي لسبب رئيسي يكمن في عدم جدية الإدارة الذاتية (pyd) و عدم تبنيها أي مشروع كوردي يهدف لتأسيس كيان مستقل خاص بالشعب الكوردستاني ،إلا أن القرار الدولي سيفرض نفسه على pyd و بإشراك المجلس الوطني الكوردي في العملية السياسية ،أي كما حدث في سنة 2003 بعد سقوط نظام البعث عندما طرحت أمريكا مشروع الفيدرالية كبديل لمخطط إدارتين كورديتين منفصلتين التي كان يطالب بها “جلال طالباني” لتقسيم الشعب الكوردي و الوحدة الكوردية.
إن التواجد الإيراني أو الأحرى التمدد الشيعي هو حافز تكتيكي لدول أروبا و أمريكا و روسيا على الرغم من تباين رؤاهم إلا أن الهدف الرئيسي يبقى مشتركا لا خلاف عليه ،بل سيتمدد التشيع أكثر للضغط على دول الخليج العربي و دول الشمال الإفريقي السنية ،إذ سيتم تقسيم المقسم إلى دويلات جد صغيرة و العجيب أن الدويلات السنية المستقبلية تكون دائما محاصرة بالدويلات الشيعية ،فمثلا في العراق قد يكون التقسيم على هذا الشكل ؛دولة شيعية في الجنوب و دولة سنية في الوسط و دولة كوردية في الشمال ،ونفس الشيء متوقع أن يكون في سوريا و اليمن و لبنان و الحبل على الجرار….
إن التواجد التركي بصفة خاصة و التمدد السني عامة مرفوض و غير مقبول من طرف الدول العظمى ،لهذا فكل المؤشرات و المعطيات تلمح أن الوجود التركي في سوريا عامة مجرد وقت سيتم الحسم فيه بشكل قاطع ،وحتى إذا كانت جملة المصالح الإقتصادية هي التي تحكم فإن للعالم الغربي مخططات أخرى رئيسية توازي المصالح الإقتصادية ،ومن يعتقد أن امريكا و روسيا و أروبا تلعب فقط لأجل منابع الإقتصاد فهو واهم لأن الإقتصاد مجرد أداة رئيسية من بين الأدوات الأخرى التي تركز عليها الإمبريالية لإستعباد الأنظمة الحاكمة و شعوبها ،بينما الهدف الأكبر هو تقليص كم الشعوب من أجل فرض السيطرة و الهيمنة عليها.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.