محمود عباس: النقص والكمال عند الكورد..
لا يحتاج الله إلى عوالم الأرض بل والكون بإبعاده ليعبدوه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فيما إذا أسلمنا بمطلقه الكوني والعقل اللامتناهي، ومنطق علة الكون، وتغاضينا عن التأويلات الفقيهة ومجازيات اللغة العربية لهذه الآية. بل الإنسان ومنذ بدايات وعيه، وجبروت ما يحاط به من الكوارث الطبيعية، وانتباهه إلى ضعفه أمامها، وعدم قدرته إيجاد الأجوبة الشافية للأسئلة الشكوكية التي راودته حول وجوده، خلق الآلهة ومنهم أنتج الله، لاحتياجه إلى قوة خارقة يستند عليها، وتسنده في ضعفه، وليلبي مطالبه الفكرية والمادية. عبدوه، ومن خلال العبادة يطلبون منه ما لا يتمكنون من تحقيقه.
لا شك الناقص هو الإنسان، فبحث عن المطلق، دون أن يتمكن من تحديد أبعاده، وأرسله على قدر قدراته الفكرية إلى الكمال الذي لا يستطيع تحديد أبعاده ولا مطلقه، وأحتاج إلى ذاك الكمال كمنقذ، وعندما لم يجده في ذاته ولا في الطبيعة، خلقه من أبعاد خياله، فتدرج من المحسوس إلى الله، فاستقر عصورا على الكمال الذي سند نقصه الداخلي وطوال الفترة الزمنية التي كانت فيها معارفه دونها، ومع التراكم المعرفي أصبح الله الإبراهيمي وغيره من الآلهة لا يلبون المطلوب اليومي الفكري والمادي، وبدأت تتوسع الأسئلة الشكوكية، والمطالب العلمية، بالبحث عن قدرات أبعد من الله الموصوف في عصور الضحالة المعرفية.
هكذا نحن الكورد، شعبا وحراكا، لضعفنا المعرفي، ورغم الإمكانيات الهائلة التي نملكها، بحثنا ولا زلنا نبحث عن قدرات خارقة نلقي اللوم عليها على ما نحن فيه، وندعو له ليستجيب لمطالبنا، نبحث عن الله الأرضي، مثلما الإنسان بحث عن الله في الكون واللامحدود، دعوناه إلى مساعدتنا بعدم التناحر، أو خلق التقارب بيننا، فوجدنا الله الذي لم يخلق لنا كوردستان، وخلق الأوطان للأخرين، واليوم نستجديه ليحرر لنا الوطن في الوقت الذي نكفر فيه بعضنا وبه، ونتناحر على الإيمان بالحاضر والمستقبل، ونشوه ماضينا بكتابة تاريخنا بالسذاجة التي لقنها لنا عبدة الأصنام، الذين ضيقوا قدر ما استطاعوا جغرافية كوردستان وأذابوا ديمغرافيتنا بكل الأساليب، وجارينا سدنة معابدهم وحملة الأقلام المسمومة، نضخم التافه منه ونعتم على الصروح، يوم نحتاج أخذ العبر منها لحاضرنا ومستقبلنا، وبسذاجة أو عدم دراية نخلق من العدم التشوهات التي استخدمها أعداؤنا في الماضي لتضليلنا والتلاعب بنا، ونتناسى قدراتنا أو أننا لا نؤمن بها وبوجودها، مثلما لا نعرف كيف نتقرب من الله المسؤول عن المنطقة أو المتمكن في تغيير جغرافيتها وسياستها.
نقاط التقاطع بين أطراف الحراك الكوردي، حول الإيمان بالذات وبالله المهيمن على المنطقة، واضحة، لكن تناولها وتقبلها تلفيقيه حائرة، إم هي لقصر رؤية، أو لتعمية خارجية ومن آلهة مناطقية، نؤمن بها كإيمان الإنسان سابقا بجوبيتر وحورس واللات والعزى، وهي تنم عن نقصان حكمة، وغياب أو ضحالة في إدراك ما وراء الدراسات والتحليلات لمجريات الأحداث وما يخطط له الأعداء لنا، في تحريفنا عن (خودى) الكلي القدرة، وهي قدراتنا الذاتية والتي بدورها ستوصلنا إلى حيث الحكمة الإلهية العظمى، وحيث وضوح الرؤية في معرفة الذات من خلال معرفته ومن ثم إقناعه على المساعدة أو المساندة.
لا يمر يوم تقريبا دون أن نقرأ مقالا، أو دراسة، أو أحيانا بوستات في مواقع التواصل الاجتماعي ولكتاب وسياسيين معروفين، ولا نقول من العامة، طروحات ومفاهيم ترسلنا والمجتمع الكوردي إلى أبعاد تضليلية، وخطيرة لمستقبلنا، ومن ضمنها إشكاليات الصراع الجاري داخليا، إلى جانب ما ينشر من تاريخ ملفق ومشوه من قبل سدنة المعابد، ويفاقمون من الواقع السياسي الداخلي المؤلم ويتم بها التعتيم على المحاط بنا، وبها نستمر في عبادتنا لآلهة وثنية.
ولا شك دراسة التجارب التاريخية من ضرورات المرحلة، وكذلك معرفة غايات الآلهة المعبودة أو المفروضة على حراكنا، فالتاريخ الكوردي الماضي أصبح يكتب من قبل الأعداء بأساليب جديدة تتلاءم وعصر الإنترنيت، وبما أن المعلومات أصبحت في متناول الجميع، ولم يعد يجدي الإنكار، فأصبحوا يعرضون البديل المتلائم قدر الإمكان مع الواقع. وللأسف الأرباب هم ذاتهم الذين فرضوا ثقافة الصلوات علينا سابقا، وينشرون المفاهيم نفسها وبأساليب عصرية، ليسقط فيها بعض الإخوة، ويساهموا بدون دراية على دعمها كبعد وطني، أو كتمجيد للكورد، في الوقت الذي يعتبر إهانة لتاريخنا، وتعمية لبصيرة العامة، وتضليلا للمستقبل.
كتبنا حلقات، ولازلنا نكتب عن تاريخ جنوب غربي كوردستان عامة، وليست فقط المسماة بالجزيرة، وكتب فيها العديد من الإخوة الكورد، كرد على سدنة الآلهة المتلاعبين بالتاريخ الكوردي، ومحاولة لإيقاظ مجتمعنا، وتوعيته، وتنبيهه على ما يخطط له أعداؤنا، وبإسنادات تاريخية واسعة ومنها ضمن سلسلة (مصداقية الباحث العربي) وفي غيرها من المقالات، وكذلك حول ما يعرضونه من مجريات التاريخ السياسي في المراحل الأولى لتكوين سوريا، والإشكاليات المرافقة له حول جغرافية كوردستان، ردينا عليهم ضمن حلقات ( ماذا فعل المربع الأمني بجنوب غربي كوردستان) إلى جانب مقالات أخرى عديدة، ومثلها في التشويه الذي لحق بالثقافة الكوردية وتاريخها تحت عنوان ( هل كان للكورد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام) وجل هذه الكتابات هي ردود على ما جرى ويجري اليوم بحق أمتنا وتاريخنا.
جهالة مجتمعنا الكردي وضحالة المعرفة إحدى أهم العوامل التي تمكن من خلاله الأعداء الولوج إلى بيئتنا وزرع ما أرادوه، والعامل ذاته لا يزال قائما، فمنه انبثقت الأحزاب الكوردية والمنظمات، أو لنقل وحسب الآية المذكورة (وما خلقنا الأحزاب الكوردية ومنظماتهم إلا ليطيعونا) فلكل منهم ربهم، فساهمت على تعمية بصيرة المجتمع وشريحة واسعة من الحراك الكوردي. وكم تمنيت ألا أذكر الأسماء، لكن الواقع يفرض ذاته أحيانا، وبإمكان أي فرد كوردي معرفة من هو رب المجلس الوطني الكوردي( وأحزابه، وإله مجلس الـ ب ي د وشريحة الأحزاب اللقيطة المخلوقة من لدنها بقدرة قادر، وبتسميات كوردستانية، والأحزاب المسمات بالتحالف، أو الإدارة الذاتية أو الإقليم الكوردستاني أو الأحزاب المتقاسمة السلطة هناك، (يستثنى هنا المغلوبة على أمرها في جنوب غربي كوردستان) ولا شك، لا نتناسى الإيجابيات التي قدموها رغم كل الضغوطات والمؤامرات، وهنا لسنا ضد التحركات الدبلوماسية، وحتى التكتلات فيما إذا تم فيها الحفاظ على استقلالية الرأي وحرية الحوار مع الأطراف الكوردية الأخرى، والتي لو تمت بتجمع كوردستاني، سيتم القضاء على النقصان الذاتي في داخلنا وعلى جهالتنا بعبادتنا لآلهة غريبة شريرة.
ما بين الجهالة والدراية خطوة، هي ذاتها المسافة بين النجاح والفشل، بين عبادة آلهة الشر، أو آلهة الخير، بين السلطات المقتسمة لكوردستان أو قوتنا الذاتية من خلال الاتفاق على بعض نقاط التقاطع بيننا وترك التلاسن والتخوين، لإبعاد النتيجة التي يسوغ لها أعداؤنا، وعمليات ترويجهم لمفاهيم خطيرة، ومنها الطعن في ماضي الجزيرة أو المنطقة الكوردية، ومحاولات عزلها من كوردستانيتها، والتي تتم عن طريق أقلام عروبيين كانوا في الماضي بعثيين عنصريي تحولوا إلى إسلاميين تكفيريين عروبيين أي داعشيين وعادوا ليختفوا تحت عباءة العروبيين الوطنيين، ورغم منطقية النفاق الأخير، وما يروجون له فقهاء العروبة تحت مسوغات الوطنية، ولغايات، تظهر فيها معدن المروجين، وهم ذاتهم اليوم يحتلون منطقة عفرين ويعبثون بها، ويعتدون على أهلنا هناك، ويعيثون فيها فسادا وشرا وهتكا للأعراض، مع ذلك لا زال حراكنا الكوردي ومعهم شريحة واسعة من المجتمع يقفون مكتوفي الأيدي تجاه آلهتهم، ويضطرون الاقتراب منهم بالاستجداء والدعاء، ونكفر بعضنا وبآلهتنا.
ومن المؤسف، هناك شريحة من ضمن الحراك الكوردي (التي لا نشك في وطنية معظمهم، وتحمسهم على فعل الصالح لشعبهم الكوردي) وبدون دراية تنساب مع مفاهيم خطيرة لقادم الكورد في المنطقة وضمن سوريا المستقبل، والتي تنشرها سدنة الأرباب الشريرة، ومنها إعادة الكورد إلى منطق الاستجداء كما ذكرنا، والذي أغرقت فيها المربعات الأمنية أحزابنا الكوردية لعقود طويلة، ولا نعلم ما الذي دفع بهم لتجديد هذه الأفكار المسمومة.
لا شك نحتاج إلى توعية الذات، لمعرفة مؤامرات الآلهة المتحكمة بنا وبحراكنا، ونعرف أساليب التحرر وامتلاك ناصية قراراتنا، ونتخلص من منطق الاستبداد وإلغاء الآخر، ومن مفاهيم التمسك بالمسائل الافتراضية وعرض احتمالات ظهور الرحمة من الأصنام وسدنتها، والتي هي دليل الضعف، وتنعكس سلبا على وعينا الكوردي، وتخلق لدينا تساؤلات شكوكية عديدة حول الآلهة المتبعة من قبل أطراف حراكنا الكوردي والكوردستاني.
فلسنا أمة ضعيفة كما تظهر ونحن على شقاق وتشتت، بل نحن شعب نملك كل معالم القوة، وقوتنا هي في وعينا، وليست مستمدة من الوطنية الساذجة، المشكوكة في أمرها، مع العرب أو الفرس أو الترك، وكأننا وبدونهم سنكون تحت رحمة القوى الإقليمية، وهي مفاهيم استسلاميه، تعتم على أسس تجميع وتأطير الوعي الكوردي، التي ستفرض احترامنا على مدعي الألوهية ذاتها.
من المؤسف لا زلنا لا نهتدي إلى إلهنا حيث القوة، والوعي الذاتي الكوردية، والقادر على تغيير مسار التاريخ في المنطقة، وبخلافها سنظل قبائل متناحرة نعبد آلهة وأصنام متعددة، وسننجر وحراكنا إلى معابدهم، حيث إملاءات السادة للموالي .
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.