قهرمان مرعان آغا : مراحل تطور القضية الكوردية في سوريا .
من الممكن تلخيص المراحل التي تخللها نضال الشعب الكوردي في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية منذ نشؤها تحت الانتداب الفرنسي قبل قرن منذ الزمان وفق حركة التاريخ المعاصر بأبعادها القومية التي تشمل الأرض والإنسان وكذلك ما نتج من سياسات كيدية من السلطات الحاكمة في مواجهة مطالب الشعب الكوردي المُحقَّة من إجراءات وحرمان ومنع .
بدأت المرحلة الأولى حقيقةً بعد اتفاق لوزان1923 وبمجرد شعور الإنسان الكوردستاني بأن وطنه قد تجزأ بين شمال وجنوب الخط الفاصل بين الحدود السياسية لتركيا الكمالية والوجود الفرنسي في بلاد الشام , لهذا فإن مطالبة الوجهاء والأعيان الكورد والبعض من المسيحيين وعدداً من العرب بتشكيل دولة الجزيرة أسوة بدول سوريا الأربعة , واجهت بالرفض من قبل الكتلة المناوئة لها والتي سميت نفسها بالوطنية وعلى إثر ذلك نُعِتوا بالانفصاليين ومنذ ذلك الحين أُلصِقتْ صفة الانفصال بكل تنظيم سياسي كوردي من شأنه المطالبة بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا .
وهكذا ظلت المواجهة بين أصحاب مشروع العيش المشترك وبين الكتلة العنصرية التي كانت تعمل من أجل بسط هيمنة السلطة العروبية لدولتي دمشق وحلب لتشمل الجزيرة واستمرت لحين تشكيل الجمهورية السورية في بدء الحرب وبالتالي خروج فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من معظم مستعمراتها . ظلت مطالب الشعب الكوردي القومية مسكونة بالرفض بعد الاستقلال 1946 وقبله , بالرغم من وجود شخصيات كوردية على رأس السلطة ( من الرئيس محمد العابد إلى الرئيس حسني الزعيم ورئيس وزرائه د.محسن برازي) حيث اشترك الكورد في الحياة السياسية السورية من خلال الترشح للمجلس النيابي ممثلين عن بيئاتهم الاجتماعية لحين تشكيل أول تنظيم سياسي يمثل تطلعات الشعب الكوردي القومية ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني/ الكوردي في سوريا 1957) وكانت الوحدة المصرية السورية (1958) بمثابة الانتكاسة لتجربة الحريات السياسية في سوريا بعد أنْ تمّ حل الأحزاب وإنهاء الحياة السياسية في ما يسمى بالإقليم الشمالي وكان الحدث أشد أيلام للحزب الوليد , في ظل تصاعد صراع الحرب الباردة والتحالفات الإقليمية والأوضاع الداخلية التي سادتها الانقلابات العسكرية , حيث بدأ ظهور أعراض الخلافات تظهر بين قيادة الحزب لحين الانشقاق الأول حيث ساد التناحر الأيديولوجي بين مختلف التيارات مع طغيان سيل الأفكار الاشتراكية وظاهرة الايدولوجياالوافدة(الشعاراتية) في مواجهة الرأسمالية .
مع استحالة تطبيق الحالتين في مجتمعاتنا لانتفاء الأسباب والمقومات بدلاً من الفكرة الوطنية الكوردستانية الجامعة , حيث الوعي والفكر الحر بالتضاد مع الجمود العقائدي واستمرت حالة الشقاق إلى حين سيطرة حزب البعث العنصري بالانقلاب على الحكم في كل من سوريا والعراق .
في ذلك الحين كانت الآمال كلها متجهة صوب ثورة أيلول وقائدها السروك ملا مصطفى البارزاني , حيث توجت بالانتصار وإنهاء القتال من خلال بيان آذار 1970 للحكم الذاتي في كوردستان العراق , مما شكل دفعاً وحافزاً للنضال في كوردستان سوريا بغية توحيد الصفوف للاستعداد لمواجهة السياسات العنصرية لسلطة البعث .
بدأت مرحلة التآمر على القضية الكوردية منذ انقلاب حافظ أسد في تشرين الثاني/1970 بدلا من المواجهة المباشرة التي سادت عقد الستينات , وخاصة بعد انتكاسة 1975 , حيث نجح في صراعه مع حزب البعث الشمولي العفلقي/الصدامي إلى إنشاء ودعم أطراف كوردستانية عراقية متحالفة مع تياره البعثي الطائفي , مع خلق بؤر التوتر وإيجاد مناخ للصدام العسكري بين القوى والأحزاب الكوردستانية الفاعلة على الأرض , فيما جعل من أبناء وبنات الشعب الكوردي في سوريا قرابين لسياساته الإقليمية من خلال دعم حزب العمال الكوردستاني في مواجهة تركيا تحت عناوين ويافطات كبرى لتوحيد وتحرير كوردستان الشمالية فيما كان الشعب الكوردي في سوريا محروم من أبسط الحقوق, كمواطنين أسوياء مع غيرهم , ناهيك عن سياسات الإلغاء من الوجود التي كانت تتبعها أجهزته الأمنية وسياساته الاقتصادية في مواجهة شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ويتمتع بخصوصيته الثقافية المختلفة عن باقي مكونات سوريا العرقية والطائفية .
شكَّلَ انهيار الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي صدمة للدكتاتور حافظ أسد , فيما كانت الأحداث تتسارع مع غزو الدكتاتورالآخر صدام للكويت , فتمكن حافظ أسد وبمساعدة من السعودية ومصر من تشكيل إعلان دمشق المقرب من المشروع الأمريكي في المنطقة , حيث أجتاز حكمه فترة النقاهة السياسية (إذا جاز التعبير) بعد أن تمكن من الانتقال إلى الضفة الأخرى في تحالفاته الدولية وساد البلد جو الواقعية السياسية ولأول مرة وآخرها وصل ثلاث شخصيات سياسية كوردية يمثلون الحركة الكوردية إلى مجلس الشعب ( البرلمان) في عام 1990 , فيما شكلت انتفاضة شعب كوردستان العراق 1991 وتشكيل برلمان كوردستان في 1992 وإقرار الفيدرالية اندفاعاً معنوياَ كبيراً للقضية الكوردية في سوريا وتمكنت القيادة المشتركة لمجموعة الأحزاب التي شكَّلت فيما بعد وحدة تنظيمية وسياسية من إصدار البيان ( الملصق) في تشرين الأول/1992 في سابقة علنية يمس الشارع بمختلف مكوناته بالمطالبة بإعادة جنسية الدولة السوريةلأبناء الشعب الكوردي الذين جردوا من جنسيتهم في ذكرى إحصاء1962الجائربموجب القوانين الاستثنائية , وجاءت هذه الواقعة كالصاعقة على النظام وأجهزته الأمنية , حيث تلاها الاعتقالات التي طالت العشرات من المناضلين وحكموا بأحكام مختلفة وتُهَمْ متعددة منها تهديد كيان الدولة والعمل على اقتطاع أجزاء من الجمهورية العربية السورية لضمها إلى دولة أخرى.؟! بينما شكل موت الدكتاتور وتنصيب وريثه في تشرين الأول/2000 أملاً للسوريين وخاصة أبناء الشعب الكوردي في الانفتاح على قضيته القومية وإيجاد حل عادل يمثل تطلعاته ولو بحدها الأدنى , لهذا استغل بعض أحزاب الحركة الكوردية التي كانت ترى ضرورة الانتقال من العمل السري إلى النضال العلني مناخ التغيير وبالأحرى التبديل إلى تصعيد وتوضيح خطابها السياسي للجمهور من خلال الجرائد الحزبية وكان تأسيس منتدى جلادت الثقافي في قامشلو من قبل شخصيات ثقافية وأفراد ينتمون إلى التيار ذاته في الحركة الكوردية له أكبر الأثر في توضيح عدالة القضية القومية للشعب الكوردي للمتنورين من أبناء المكونات الأخرى , لكن سرعان ما قامت الأجهزة الأمنية بإغلاقها .
بدأت مرحلة التغيير الكبرى في الشرق الأوسط بـ سقوط بغداد 2003 وامتدت تداعياتها إلى الجوار الإقليمي وسادت حالة التوجس والخوف الدول الغاصبة لكوردستان , من خلال تواتر إجتماعاتهم الأمنية , بغية إجهاض تجربة كوردستان العراق الفيدرالي , وتمكنت إيران والنظام السوري من دفع أهل السنة من بقايا البعث المنحل في العراق إلى مواجهة المشروع الأمريكي وبتواطؤ من تركيا فيما كانوا يدَّعوه بالمقاومة العراقية وما رافقها من حرب أهليه مما أحدث خلل في توازن المكون السني من خلال تدمير مدنه وحواضره وإلصاق تهمة الإرهاب بأهله , لصالح مشروع ايران الطائفي في المنطقة بعد تمكين داعش صيف/2014 من الظهور إثر تسليم الموصل امتدادا إلى الرقة .
فيما شكّلت انتفاضة قامشلو آذار /2004 انعطافة كبرى في مسار العمل النضالي التحرري السلمي للشعب الكوردي في سوريا , وكان للتفاعل الشعبي في مختلف مناطق كوردستان سوريا والتواجد الكوردي في المدن السورية الكبرى للتضامن والاستنكار بعد سقوط العشرات من الشهداء وأمتد التنديد بممارسات النظام المجرم إلى المدن في عموم أجزاء كوردستان والجاليات الكوردية في الخارج وكان لأدوات التواصل ( الإنفوميديا )الدور الفعال في نقل الصورة إلى الأعلام العالمي من قبل الناشطين وأخذت القضية مداها الواسع في التعريف بالخصوصية الثقافية للشعب الكوردي في سوريا وعدالة قضيته القومية , من خلال شجب ممارسات النظام الإجرامية في مواجهة المدنيين العزل من قبل الحكومات في العالم الحر .
ومع اندلاع الثورة السورية في آذار/2011 , وبدء الحراك الشعبي الكوردي بالتظاهر فُتحتْ آفاق جديدة للقضية الكوردية على المستوى الوطني السوري والإقليمي والعالمي وكانت شعارات المتظاهرين وأعلام (آلا ره نكين) في قامشلو تلقي صداها في المدن السورية الثائرة وتقاطعت مطالب الشعب الكوردي في ايجاد حل لقضيته القومية ورفع القوانين والإجراءات الاستثنائية بحقه و التي هي جزء من قضية الحرية والكرامة التي تغنى بها الشعب السوري الثائر مع بقية المطالب العامة في البلاد . بخلاف الشارع كان شعار إسقاط النظام يلاقي التحفظ من أغلبية الأحزاب التي التحقت بركب المتظاهرين ومارست تلك الأحزاب التقية السياسية ذاتها خلال المؤتمر الوطني الكوردي في 26/10/2011 الذي انبثق عنه المجلس الوطني الكوردي وخرج المؤتمر تحت ضغط بعض الأحزاب والتنسيقيات الشبابية والشخصيات المستقلة بـ بيان تضمن من بين المقررات (.. تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية وتفكيك الدولة الأمنية وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية على أساس اللامركزية السياسية ..) وكان تحجج (ب.ي.د) حزب الإتحاد الديمقراطي التابع لمنظومة (ب.ك.ك) حزب العمال الكوردستاني وتخلفه عن المشاركة , وتشكيله فيما بعد لمجلس غرب كوردستان وما تلاه من إدعاءه بتمثيله لخصوصيته في التظاهر , تنبئ بأن اتفاقاً أمنياً قد حصل مع النظام وما تبعه من استلام وتسليم للمخافر الحدودية والمراكز الأمنية والمؤسسات الاقتصادية , وقيام المسلحين بنصب الحواجز على الطرقات …ألخ ,
دخلت مناطق كوردستان سوريا تحت القبضة الأمنية والعسكرية المزدوجة للنظام ووكلائهم منذ بداية 2012 وبهذا الوضع دخلت القضية الكوردية مرحلة الأزمة المتشعبة الأوجه , ولم يعد الخيار السلمي الذي تبناه الحركة السياسية الكوردية المتمثلة بالمجلس الوطني الكوردي متاحاً ولم يسعفه دخوله في متاهات الاتفاق مع حلفاء النظام (مجلس غرب كوردستان)وبهذا تخلف الحراك الثوري الكوردي ضد النظام عن مراحل الثورة في المناطق الأخرى من سوريا والتي دفعها النظام بإجرامه إلى المواجهة العسكرية , مما مهد للتدخل الأقليمي المباشر بفعل متطلبات المساعدات اللوجستية العسكرية لفصائل المعارضة والتي اُستغلت من قبل معظم الداعمين من الدول والجهات حتى موعد ظهور( داعش) وما تبعه من تدخل دولي وإقليمي مباشر أفضى في النهاية إلى تشكيل مناطق نفوذ .
رضخت تركيا للمطالب الروسية وكان من شأن اتفاقات أستانا ونشوء مناطق خفض التصعيد سيطرة النظام بدعم روسي على معظمها وجاء احتلال تركيا لـ عفرين كنتيجة لصفقات تبادل المنفعة , في مسعى منها إجراء تغيير ديموغرافي لجزء عزيز من كوردستان سوريا , فيما قوات التحالف الأمريكي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية والتي تسمى في القاموس العسكري الأمريكي بالقوات المحلية , تتكييف استراتيجياً مع الأوضاع المستجدة وتعلن بأنها لن تغادر شرق الفرات لحين خروج القوات الإيرانية من سوريا .
وبالتوازي مع الجهد العسكري المُكلف بالتضحيات الذي يقدمه (ب.ي.د)ومنظماته لقوات التحالف عمل دون تردد بإنهاء الحياة السياسية في كوردستان سوريا من خلال منع أحزاب المجلس الوطني الكوردي من النشاط السياسي العلني وإغلاق أفق المصالحة الوطنية على أساس الاتفاقات السابقة وهي جزء من سياسة الانفراد والتحكم والسيطرة التي يتبعها على حساب قضية الشعب الكوردي المصيرية و يعلن بشكل واضح وصريح بأن قضيته الأساسية هي قضية الأمة الخرافية .
المجتمع الدولي لا ينظر إلى القضية الكوردية بمعزل عن القضية السورية العامة وأزمتها السياسية ويعتبرها جزء من الحل , في إطار الدولة المركزية بمؤسساتها الحالية مع الأخذ في الاعتبار خصوصية جميع المكونات الاثنية والطائفية في إطار المجالس التنفيذي المحلية ( إدارة محلية ) كما هو متبع وفق دستور النظام لعام 2012 مع تعديل أو إضافة بعض المصطلحات والتسميات , دون الأخذ بمدلول الحكم الذاتي المحلي خارج سلطة المركز .
ومن الملاحظ أن مطالب الشعب الكوردي المعروضة من قبل ممثلي المجلس الوطني الكوردي مع المعارضة السورية بهيئاتها الحالية تخضع للفلترة والتمحيص وتقابل بالرفض والتهميش من قبل ممثلي النظام وذلك من خلال قراءة نقاط المبعوث الأممي المستقيل السيد ديمستورا الـ إثنا عشر, التي لم تتضمن أي إشارة إلى حقوق الشعب الكوردي باعتباره ثاني أكبر قومية في البلاد .
وهذه اللاورقة التي أصبحت فيما بعد ورقة تعتبر بمثابة القاسم المشترك الأولي الذي لقي موافقة المعارضة والنظام وكذلك مجموعة الدول الخمس ( أمريكا ,بريطانيا , فرنسا , السعودية , الأردن) وروسيا والأمم المتحدة والتي ستُعتبَر كوثيقة مبادئ أساسية تعتمدها اللجنة الدستورية .
حيث تم اختزال دور الأمم المتحدة في حل القضية السورية بتشكيل اللجنة الدستورية والتي لم تزل تشكيلها محل جدل وفق قرارها 2254 لعام 2015 وتجنب البحث والحديث عن التسوية السياسية الشاملة ومرحلة الحكم الانتقالي .
لاشك أن القضية الكوردية في سوريا أخذت أبعادها الإقليمية والدولية ولاقت مزيداً من التعريف بعدالتها وضرورة إيجاد حل سياسي لها وكان جهود لجان المجلس في هذا الصدد لافتاً ولكن لم يرتقي إلى ترتيب نتائج , والأهم من هذا أخذت بعدها الكوردستاني والمحلي السوري وأصبح للشعب الكوردي أصدقاء ومتعاطفين من مختلف تيارات المعارضة العربية ومن البيئات الاجتماعية والمناطقية المختلفة , والمجلس الوطني الكوردي باعتباره حامل المشروع القومي عليه القيام بالمزيد من المراجعة والتقييم فيما يخص الأداء وان يضع معايير الكفاءة والإخلاص والوعي في مقدمة الأمور التي تفيد اختيار ممثليه في كل ما يخص حراكه السياسي والدبلوماسي على أمل ما يستجد من أمور وأحداث قد تكون مفصلية لصالح تطور القضية الكوردية في سوريا .
حيث تبقى حل القضايا الكبرى مرهونة بالأحداث العظام في قادم الأيام في منطقة صراع تعج بمختلف الإشكاليات البنيوية والسياسية والاقتصادية والتي تعد من أكثر المناطق اهتماماً في العالم , ربما قد يكون قدر شعب كوردستان قد تأخر كثيراً في استعادة جغرافية وطنه و خارطته السياسية وفق حركة التاريخ وفي المحصلة مادامت الإرادات الخيّرة وفية لتضحيات الشهداء وقد وُضِع نواة الاستقلال في مدارات الحرية , ستكون كوردستان في قلب الحدث لكي ينبض الشرق الأوسط من جديد بالحياة.
قهرمان مرعان آغا ( عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا ) .
في 26/10/2018
التعليقات مغلقة.