محمود عباس :هل الله مقدس؟….الجزء الثاني
محمود عباس :هل الله مقدس؟….الجزء الثاني
ورغم المحاورات الفكرية منذ الوعي وحتى الأن، لم يخرج الإنسان من اللامتناهيه الذي لا يزال في مجالات نظرية الكوانتم، وليتسامى بها شوه اللامتناهي الكوني بتصوراته، وظلت كل الأوصاف الميثولوجية وحتى الواردة في النصوص في أبعاد إنسانية، إلا قليله كالآية التالية (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) …النور:35. وفي سورة الشورى ” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (11 والتي رغم شموليتهما تظهر فيهما محدودية التراكم المعرفي الإنساني، حيث في الأولى الأرض الكتلة المقارنة بالأبعاد السماوية الكونية، وفي الثانية، الشطر الأول منه وصف تجريدي ومن خارج الأبعاد الإنسانية، لكنها تسقط، في الجملة المتممة، بالمسميات التجسيدية.
أيا كانت التأويلات، تظل المواصفات التجسيدية هي الغالبة ليس هنا فقط بل في جميع النصوص الدينية ومنها الإبراهيمية، وتبقى محصورة ضمن مقاسات قدرات الإنسان الفكرية، المحدودة بالنسبة لكلية أبعاد الكون، المتجاوزة مجال محسوساته، فعلى سبيل المثال قيل في معظم النصوص أن الله خلق الأرض في يومين، وهي مقاربة لا تتجاوز مفاهيم ومعارف البشر في تلك المراحل الزمنية، عندما كانت الرياضيات وعلم الفلك في بدايات اكتشافاته، وعلى هذا الأساس كم من الوقت أحتاج لخلق الكون، حيث الأرض عدم مقارنة بأبعاده وعدد النجوم فيه!؟
ففي العصور الماضية، لم يتجاوز الإنسان بآلهته مقاسات الرياضيات الأولية، ومعارف الملوك وسدنته ورهبان المعابد، يبررها اللاهوتيون اليوم بنقص المعارف حينها، ولكن في الواقع لا تزال مسيرة العبودية ومفاهيمها عن الإلهة والمقدسات هي ذاتها رغم التراكم المعرفي، وبأوجه مختلفة تحاول التلاؤم والتطور الفكري، و لا تزال البشرية تعيش مفاهيم عصور العبودية، ومن المؤسف، فما يجري في زمننا هذا وحيث الثقافات الحضارية المتنامية تكرار للماضي، فالإنسان يعبد ويتعبد، يسبي ويسبى، يَقتل ويُقتل باسم الإله، ويتناسى فقهاء المؤمنون، قبل العامة، باسم الآلهة الأرضية كلية القوة الكونية وما بعدها، ويحالون تطبيق مفاهيم العبودية ذاتها بطريقة أو أخرى. ولا تعني هذا أن الإيمان بقوى روحية، أو تزكية النفس بلاهوتيات، تدرج كانحرافات فكرية أو سلبية تسود الأرض، بل كما ذكرنا سابقا، من أحد الأركان المقامة عليها الحضارات، السؤال هو إلى أية درجة يمنع الإيمان بالنقل، التطور العلمي، ولا يتناقض مع المؤمنين بالعقل، وحيث ظهور الأسئلة الشكوكية، عن ماهية الإله، أو الخليقة، أو الكون، وغيرها الواردة في النصوص بإملاءات تلاءمت والعصور القديمة.
والإنسان حتى اللحظة لم يتجاوز لا في النص أو الفلسفة أو في العلوم قدراته الفكرية العدمية مقارنة بكلية الكون المادي، والمعروف أجزاء طفيفة منه رياضيا، فما بالنا بالمجال الإلهي، حيث الكون المعروف لدينا ليس سوى جزء منه أو أنها من علله، فيما لو صدقنا جدلية الوجود الإلهي.
ومع تراكم المعارف توسعت الأسئلة الشكوكية، ومنها التاريخية هذه: هل كان الاسم (الله، خودى) موجودا قبل السومرية واليهودية أو الآرامية والعربية، وماذا كان يسمى قبل التطور المعرفي؟ فهل الاسم هو المقدس أم المعني، ومتى أصبحت كلمة الله مقدسة، وأصبح يرعب الإنسان؟ ولماذا لهذه القوة اسم بشري؟ أليس هو فوق الاعتبارات، والتقديس، أم أن شريحة من البشر وضعوا قوانين وتبنوا رعايتها لتعظيم الذات قبل تنظيم المجتمعات؟
ماهي غاية الإله من خلق الكون؟ وهل هو خالق الرحمة أو الشر على الأرض؟ وهل خلق العالم ويصدر الفعل إليها بإرادة؟ أليس القول بالإرادة الإلهية طعن في ماهيته؟ والإله خارج مجالات الإرادة، والإرادة فعل، ورغبة إنسانية وليست إلهية، وهذه تفضي إلى تصغيره؟ وحتى لو وصف بالكمال فهو كمال إنساني التصور، والإله أبعد من الإنسان الكامل، أو الإله الكامل حسب المجالات العقلية البشرية. أليس إقحام الإنسان إلهه في أعماله خدعة لعرض ذاته كإله ناقص، ووضع الإله في موقع الكمال الإنساني؟
هل حقاً هناك إله، أم أن الإنسان خلقه على مقاسه وبالأسماء التي لاءمت لغته وبمواصفات تناسبت وغاياته، وسخر هيبته المصنوعة والاسم لمآربه؟ أم الإله هو جملة طاقات الإنسان والطبيعة وقوى الكون، وخارجها، موجود دون فعل؟ هل هناك تتابع للآلهة أو قوى خالقة ومخلوقة إلى أن يبلغوا الحيز ما بعد الكوني، وخارج مدارك العقل الإنساني، والتتابع يمكن مقارنته بالتطور الجيني بين الإنسان وأبسط الحشرات على الأرض وما بينهما من حشرات وحيوانات، وبسويات تطورهما الجيني والغريزي.
ألا نرى أن الإنسان كان مخلوقا وتطور مع المراحل العقلية فأصبح مخلوقاً خالقاً، ولا قدرة لنا في معرفة أو وصف ما يوجد الأكثر تطوراً منا. أليست كل المواصفات المذكورة عن الإله شكية وفيها من الخدع للذات وللبشرية، أم أنها حقيقة؟
هل الإله الكوني، والذي هو خارج أبعاد المطلق الإنساني ومواصفاته وتسميته، يوظف شريحة من البشر لتنظيم المجتمع، ولعبادته وهو الأبعد من أن يكون في مجالات عبادة العدم البشري مقارنة بالكون أو بكليته؟ علما أن المقارنة بحد ذاتها تندرج ضمن حدود المستحيلات.
وبالتالي ففرض شريحة من الناس على ذاتهم عبادته والاعتداء على البعض الأخر، تحت ما يسمى بوصاياه ومرجعية نصوصه، جريمة بشرية باسم الإله. وجميع القوانين النصية إنسانية، ومثلها اللاهوتية جدلا، أو العلمانية ليست بأكثر من مفرزات العقل البشري، لاستقامة المجتمعات سياسا وثقافيا وأخلاقيا، وتظل احتماليات التدخل الإلهي موجودا في صنع الإنسان لآلهتهم على مقاسات المجتمعات البشرية، ولكن تبقى دحضها وإثباتها من المستحيلات البشرية.
التعليقات مغلقة.