النظام ذو الألف وجه والقوة الصارمة
نظرة إلى مواجهة قوتين متعاديتين في إيران
بقلم عبدالرحمن مهابادي
عندما يهيمن الديكتاتور على البلاد، يصل الصوت المعارض إلى آذان الآخرين متأخرا. خاصة عندما يكون الديكتاتور المذكور قد وصل إلى الواجهة عن طريق استغلال الشرعية الشعبية وغطى وجهه بقناع الإسلام.
من وجهة نظر منظمة مجاهدي خلق التي تلقت في بدايات تأسيسها ضربات مميتة من قبل نظام محمد رضا شاه بهلوي وأيضا من قبل الإسلام التقليدي الذي يمثله الملالي فإن بدء حقبة مظلمة من هيمنة الملالي كان أمرا مدركا ومقدرا من قبلها. حقبة تجلى فيها صعود للمؤامرة الرجعية الاستعمارية ضد نضالات الشعب الإيراني وسوء استخدام الملالي للمشاعر الدينية للشعب الإيراني وسرقتهم لقيادة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للحكم الملكي من قبل خميني وظهور الملالي إلى الواجهة.
مع الأخذ بعين الاعتبار للموقع الخاص لإيران في المنطقة الأمر الذي يجعل من موقع معارضة النظام الحاكم عليها له خصوصية خاصة أيضا فقد كانت منظمة مجاهدي خلق القوة الوطنية الحقيقية والوحيدة في إيران التي وقفت منذ البداية ضد دكتاتورية الملالي ولم تتوان عن إسقاطه أبدا.
الفهم الحقيقي لتيار الإسلام التقليدي الذي يمثله خميني الآن والذي قام باغتصاب السلطة والسيادة في إيران كان طريقا مضنيا ومتعبا من أجل الوصول لهذا الهدف عن طريق اتخاذ القرارات الخطيرة وقبول الأهوال العظيمة. ذاك الطريق الذي استمرت خطوته الأولى لمدة سنتبن ونصف حيث كان موضوع فضح طبيعة خميني ونظامه على رأس أولويات نضالاته.
لم يصوت مجاهدو خلق للدستور الذي صاغه ووضعه الملالي لأنه يتعارض مع السيادة الوطنية والشعبية ويستند على مبدأ ولاية الفقيه. الأمر الذي دفع خامنئي وخلافا لوعوده السابقة إلى الظهور إلى المشهد وقام بمنع ترشح السيد مسعود رجوي الذي كان يحظى بدعم غالبية الشعب والمنظمات السياسية المناضلة والحرة ولاحقا قام بإصدار فتوى (المنافقين أسوأ من الكفار) ضدهم الأمر الذي فتح باب القتل الذي يستمر حتى يومنا هذا.
في أشد التطورات المتسارعة في تلك الأيام حرارة عندما كان خميني مشغولا في إرساء وتثبيت دواعم دكتاتوريته تم وضع المجاهدين تحت أشد أنواع الضغوطات لينحازوا لجانب السلطة في قمع أهالي كردستان أو التيارات الغير دينية. لكن المجاهدين وبالاعتماد على مبادئهم الثابتة الراسخة والغير قابلة للمساومة قالوا (لا) مرة أخرى لخميني ووفقوا للدفاع عن أهالي كردستان والقوى الليبرالية الأمر الذي زاد من غضب خميني أكثر. في استمرارية هكذا طريق نضالي وقف المجاهدون مثل سد منيع في وجه تدخلات نظام الملالي في دول المنطقة وتصدوا لها ودافعوا عن شعوب تلك الدول.
مع الاستمرار الشرعي لهذه المواجهة التي أراد النظام خلالها إجبار المجاهدين على تقديم التنازلات والقبول بالتسويات، فإن منظمة مجاهدي خلق، من خلال إطلاقها لمظاهرة نصف مليونية في طهران في ٢٠ يونيو 1981، أظهرت مرة أخرى ثبات موقفها ضد خميني ونظامه وتحدت شرعية هذا النظام. خميني، الذي كان غاضباً من مقدار الثبات الراسخ هذا، قام بقمع هذا الإجراء السلمي وتمت مواجهة المظاهرات من قبل قوات الحرس بالنار والحديد وبذلك وانتهت المرحلة الأولى من المواجهة!
لقد عاصر أشكالا مختلفة من النضال من أجل الإطاحة بالملالي عن طريق الثبات و المثابرة على مبادئهم، وخاصة بالاعتماد والاتكاء على الشعب. وبعبورههم عن قرب عبر الأحداث المهولة، يعرّفون أنفسهم على أنهم البديل الديمقراطي الوحيد لنظام الملالي. والائتلاف “الأكبر” الذي أصبح الآن “الأقدم عهدا” منذ عام 1982 عام تأسيسه، والذي أطلق عليه “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”.
عندما اشتغلت الحرب الإيرانية العراقية وقال خميني وقتها بأنه سيواصل القتال حتى آخر بيت قام مسؤول هذا المجلس بتوقيع اتفاق السلام مع حكومة العراق في ذاك الوقت بعد انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية الأمر الذي كان موضع ترحيب الشعب الإيراني والمجتمع الدولي في تلك الأيام وبعد أربعة سنوات قاموا بتأسيس(جيش التحرير الوطني) على أرض العراق للحفاظ على مبادئ الأساسية وقاموا بتوجيه ضربة قاصمة للنظام حيث أجبر خميني بعد عامين فقط على تجرع كأس السم وقبول القرار ٥٩٨.
لأن خميني علم بأنه إذا لم يفعل ذلك فإنه بعد عدة أشهر لن يبقى أي أثر لنظامه. مواجهة كانت في حد ذاتها وثيقة حول صحة الإستراتيجية وشرعية الطريق الذي اتخذته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
الآن مضت أربعة عقود شهدت فيها إيران مواجهة هاتين القوتين المتعاديتين. الدكتاتورية الدينية الحاكمة والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. في ظل خارطة الطريق هذه قال الآلاف والآلاف من أبناء الشعب الإيراني المعلقين على المشانق ( لا ) لهذا النظام. خارطة تتجلى لوحتها الصحيحة بوضوح قبل ثلاثين عاما حيث ارسال ثلاثين ألف سجين سياسي إلى فرق الموت لتعليقهم على المشانق بسبب ثباتهم على مبادئ المجاهدين.
في عصر يمتد عمره لأربعة عقود، كان نظام الملالي قد أغرق فيه عددا كبيرا من الناس في إيران وخارج إيران بـفتنة “المفاوضات” والوعود الكاذبة ! أو تم جذبهم إلى جانبه. في عصر مارس فيه نظام الملالي الاعتقال والتعذيب والإعدام في الداخل أو التدخلات والإرهاب والتهديد في الخارج، مما دفع الكثير منهم إلى الصمت والتقاعس عن العمل.
في عصر خدع فيه الكثيرون على كلا جانبي الحدود بكذبة الإصلاح والاعتدال والتوسط أو بأقنعة حقوق الإنسان والروابط الأسرية وما يسمى منظمات المجتمع المدني (NGO) واكتفوا فقط بدعم أنفسهم. أؤلئك الذين ظلوا ثابتين على شعارهم ومبادئهم واستراتيجيتهم، هم أنفسهم تلك القوة الأولى التي أذاقت مؤسس هذا النظام فظاعة كأس السم خوفا منها ودفنت رأسه في التراب بعد أقل من سنة.
تلك القوة التي سعت منذ ظهور الملالي لإقامة وبناء السيادة الوطنية والشعبية ولم تغفل للحظة عن هذا الهدف ولم تثنيها التسويات وإعطاء الامتيازات ولا الاعتقال والتعذيب والإعدام ولا المؤامرات والوعود البراقة والفاتنة ولا الاغتيال والتفجير والصواريخ والحملات البرية ولا حتى وضعها على قوائم الإرهاب التي لاصحة لها أساسا عن المضي قدما بخطواتها الثابتة نحو الأمام. هم الآن نقطة الأمل. ليس بالنسبة للشعب الإيراني فقط بل بالنسبة لطيف واسع في العالم. الانتفاضة الحالية للشعب الإيراني هي نتاج هذه العملية من نضالات الشعب الإيراني.
نرى الآن في نهاية العقد الرابع من الحكم الدكتاتوري بأن هذه (القوة الصارمة) قد قامت بتقريب توقع إسقاط هذا النظام ( ذو الأف وجه ) ولن يمر وقت طويل حتى يرفع التاريخ يد المنتصر وفي معركة الأربعين عاما عاليا أمام الجميع.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
القادم بوست
التعليقات مغلقة.