المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: هل ستتفتت تركيا كالإمبراطورية العثمانية 2/1..

122

لماذا تنهار الليرة التركية؟ ولماذا جمد أردوغان سعر الفائدة؟ وهل خطته ستنقذ اقتصاد دولته من التضخم والعجز التجاري؟ ما هي مصادر السيولة الضخمة التي كانت تتدفق عليها؟ ومن أوصلتها اقتصاديا إلى مجموعة العشرين الأوائل في العالم، ولماذا؟ وهل ستتمكن حكومة العدالة والتنمية من إنقاذ ذاتها سياسيا، وتركيا من الانهيار الاقتصادي القادم؟ هل تعميق العلاقات الاقتصادية السياسية مع روسيا وإيران ستساعدها على الخروج من أزمتها في حال بدأت أمريكا بحصارها جدياً؟

أسئلة من ضمن العديد مثلها تدور اليوم بين المحللين السياسيين والاقتصاديين، المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط، وجلهم يخرجون بسلبية حول مصير تركيا اقتصاديا في المنظور القريب، وسياسيا في المدى البعيد، ودور أردوغان وحزبه؟
على مدى العقدين الأخيرين من الزمن جلبت تركيا انتباه العالم، اقتصاديا وسياسيا، عندما دخلت بين مجموعة الدول العشرين في عام 1999م وبلغت الدرجة السابعة عشرة بين دول العالم اقتصاديا، بناتج دخل وطني تجاوز حدود 750 مليار دولار، ونافست هولندا على المركز السابع عشر، وتجاوزتها فيما بعد، وحضرت مؤتمرات القمة العشرين كدولة مؤثرة على الاقتصاد العالمي.
تجاوز حزب العدالة والتنمية، وطأة الديون، والتضخم المتزايد، والعجز الكبير في الموازنة العامة والتجارية، بمساعدة الرأسمالية العالمية، والمنظمات الاقتصادية-السياسية اللامرئية، لكنها عادت ومنذ أكثر من أربع سنوات تقرض من احتياطيها بمقدار 18% سنويا، ومن المتوقع أن تتصاعد النسبة في السنوات القادمة، وزيادة عجز في الموازنة العامة والميزانية التجارية، وبطبيعة الحال تفاقم التضخم، ومن المرجح تدهور الليرة بوتيرة متسارعة.
وباعتبارها كانت أول دولة في العالم ذات حكومة إسلامية معتدلة، تم تصعيد اقتصاها بدعم خارجي بلغ قرابة 75% من إجمالي الدخل الوطني، أي كانت السيولة الداخلة إلى تركيا تصل إلى قرابة 300% من الموجودة في الداخل ولعدة سنوات، إلى جانب إسهام الشركات الأجنبية في استثمارات كبيرة داخلية لدعم الإنتاج المحلي المصدر إلى الخارج.
وفي الوقت الذي كان الدخل الوطني لا يتجاوز 280 مليار دولار في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وبعجز في الميزانية قاربت في بعض السنوات الـ 20% من الدخل العام، وتدهور حاد في الليرة التركية، ارتفعت نسبة النمو الاقتصادي ما بين 2003م سنة وصول أردوغان الحكم وحتى 2015م حدود 10% إلى أن تجاوز إجمالي الدخل الوطني ال 1 تريليون دولار مع فائض في الميزانية التجارية، وكان من المتوقع أن يتجاوز الدخل الوطني 2 تريليون دولار في عام 2023م فيما لو ظلت على علاقاتها المتينة مع الرأسمالية العالمية الداعمة، وحافظت على الوتيرة الاقتصادية المتصاعدة التي كانت عليها خلاي السنوات الأولى من الدعم الخارجي.
ومنذ بدايات الثورة السورية انتقلت حكومة أردوغان إلى دولة تدعم المنظمات الإسلامية التكفيرية، وانحرفت شريحة واسعة من قياديي حزب العدالة والتنمية إلى شخصيات إسلامية راديكالية، متبجحين بقوتهم الاقتصادية والعسكرية.
وهذه كانت من أحد أهم العوامل المؤدية إلى حدوث شرخ بين حكومة أردوغان الإسلامية وبين الداعمين لها من الرأسمالية العالمية، وبتوجيه من الدول الكبرى المعنية بأمر حضورها في العالم الإسلامي كمثال ليبرالي عن الإسلام، ومن الشركات والمصارف الداعمة للمستثمرين الأتراك، كمثال، وحسب تقارير BIS cross-border figures فالبنوك الإسبانية قرضتهم قرابة 84 مليار دولار، والفرنسية قرابة 39 مليار دولار، والإيطالية قرابة 17 مليار دولار، واليابانية 14 مليار دولار، وبعض البريطانية أكثر من 19 مليار دولار، وبعض الأمريكية تجاوزت 18 مليار دولار، والألمانية وغيرها من الدول الأوروبية وقسم واسع من الشركات المالية الأمريكية لا يصرحون عنها، لكن الدعم الضخم تبين من خلال تأثر بنوكها بتدهور الليرة، فقد خسرت شركات القطاع المالي مثل UniCredit و BNP Paribas و BBV وغيرها قرابة 3% من سعر أسهمها، وليست بحوزتنا حاليا، التفاصيل الدقيقة عن البنوك والشركات الأمريكية الكبرى الأكثر استثمارا في تركيا.
عرف أردوغان كيف يسخر احتياج تلك القوى له كحزب إسلامي ولشخصه للنهوض بتركيا. ومن الغريب يتبين الأن ومن خلال تصرفاته وكأنه خسر مهاراته السابقة، ويدفع بتركيا لتنهار بالطريقة ذاتها، فمثلما رفع تركيا بوتيرة منظمة وتنسيق مع الشركات الرأسمالية العالمية، بدأت ومنذ سنوات تتراجع وعلى مراحل، والأغرب وكأن أردوغان وقادة حزبه لا يريدون إعادة الماضي، أو يتناسون أن صعودهم كان بدعم خارجي، وأن كل التبجح الماضي الذي كانوا يظهرونه كان يقف وراءها قوى (سميتها سابقا وفي عدة مقالات عن الاقتصاد التركي وقبل سنوات برأسمالية الشركات العالمية الماسونية) رأسمالية عالمية، وقد تكون بينهم شركات ودول عربية كقطر على سبيل المثال.
فمعظم المحللين السياسيين عللوا تدهور الليرة التركية، بتبجح أردوغان، وتغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ورفعه سعر الضريبة على الألمنيوم والحديد التركي بنسبة 20 و50 %، لكن المحللين الاقتصاديين يعيدونها إلى أسباب أعمق من التغريدة وأقدم من الحصار الاقتصادي الحالي، فكان تصريح ترمب مجرد قشة قصمت ظهر الجمل.
فمنذ تولي أردوغان سدة الحكم في عام 2003م وحتى قبل سنوات، لم يصطدم بالأزمات الاقتصادية، وإشكالياتها، علما أنه تلقى تنبيهات عندما بدأ بالتدخل في حركة البنك المركزي، وواجه العالم بالموجة الإسلامية الراديكالية تحت غطاء عدة حجج:
1- منها منع تركيا الانضمام إلى الوحدة الأوروبية.
2- القضية الكوردية في سوريا.
3- قضية الانقلاب الفاشل وإتهام أمريكا بدعمها.
4- تقاربها من روسيا وصفقتي الصواريخ الـ س 400 ومشروعي الغاز الروسي الأوروبي المار من تركيا، والمفاعل النووية المخططة بناؤها.
5- عناد أردوغان بعدم إطلاق سراح القس الأمريكي المتهم تركيا بدعمه للإرهاب، ويقصد بها جماعة فتح الله كولن وحزب العمال الكوردستاني.
فتراكم كل هذه إلى جانب قضايا متممة منها:
1- مهاجمته لإسرائيل ودعم منظمة حماس ومعارضته الحادة على نقل أمريكا سفارتها إلى القدس.
2- فتح الأبواب للمهاجرين بالذهاب إلى أوروبا، بينهم خلايا من داعش.
3- إثارة قضية مخيمات اللاجئين السوريين وغيرهم، ومطالبته باستمرار الدعم الخارجي كمساعدات.
4- محاولاته احتلال الأكثر من الأراضي السورية والاحتفاظ بالمجتاحة.
تراكم كل هذه العوامل مجتمعة، أدت إلى تسريع الرأسمالية العالمية بإعادة النظر في دعمها للاقتصاد التركي، ورغبتها بتغيير النظام الحكم فيها، وفي الواقع هدفهم هو حزب العدالة والتنمية والمتمثل بإزاحة أردوغان من على رأس النظام، أو على الأقل إخراجه اقتصاديا من مجموعة العشرين، وهذا ما سيتم على الأغلب في القريب العاجل إذا لم يمتثل أردوغان لإملاءات الداعمين، وعلى رأسهم الشركات الرأسمالية الأمريكية، ولأهمية دور تركيا اقتصاديا كان لسقوط سعر ليرتها تأثير على معظم أسواق الأسهم العالمية وعلى العديد من مصارفها، كما ذكرناها سابقا.
فكما هو معروف عن الدورات الاقتصادية أنها تأخذ قرابة عقد من الزمن وأكثر، لتظهر نتائجها السلبية أو الإيجابية، فتدهور الليرة التركية، ليست سوى مؤشر بسيط أمام الركود القادم، وهذا بحد ذاته لن يقف على حدود خسارة 40% من قيمتها منذ بداية العام، كما وسقطت مثلها سعر الأسهم في البورصة التركية بنسبة تجاوزت 17%، أو 40% حسب سعر صرف الدولار، يوم تغريدة ترمب، ولتصعد بعدها إلى قرابة الـ 50% إلى أن تجاوز سعر الدولار الـ 7 ليرات تركية منطلقة من أثنين ونصف قبل ستة أشهر، فهذان المؤشران هما بداية المؤشرات الأخرى الأكثر سلبية أن لم تكن كارثية، وهي عديدة في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وفي الواقع الانكماش الحقيقي للاقتصاد التركي بدأ منذ أكثر من أربع سنوات( كنا قد كتبنا فيها وبأرقام ضمن مقالات منها ” أردوغان تدهور بين السياسة والاقتصاد، ومن صنع أردوغان، وغيرها) والمؤشرات كانت ظاهرة، غطت عليها باحتياطيها المتراكم في الأعوام السابقة، والدعم الخارجي لسعر الليرة، وعدم التصريح عن تزايد العجز التجاري، ولكن الشركات الرأسمالية كانت على دراية، وتعلم متى ستظهر بوادر الضعف والتراجع، فتمهلت إلى أن اجتمعت العوامل المناسبة، وظهرت الضجة الإعلامية على خلفية تدهور الليرة، التي طفت معها جزء بسيط من الأزمة الاقتصادية، ولكن أردوغان وإقتصادييه ومستشاريه لدرايتهم بما تواجههم، يركزون على هذا المؤشر أمام الإعلام التركي للتغطية على المعضلات الكبرى في الاقتصاد، لئلا تتأثر ثقة الشارع التركي بإمكانيات الدولة.
فمن المعروف أن انهيار الثقة يسارع في انهيار الاقتصاد بسرعة مضاعفة، ولا قوة تستطيع إيقافها إلا ضخ هائل من السيولة إلى السوق، وعلى الأرجح أنه لم تعد تركيا تملك الإمكانيات الكافية، رغم أن أردوغان حاول إظهارها في الواقع العملي، بضخه قرابة 7 مليارات دولار إلى السوق لدعم الليرة، والعملية لن تتمكن من الصمود أمام ضخامة الانهيار السريع، وفي الواقع السياسي والاجتماعي حاول عن طريق تمجيده بقوة الشعب وإيمانه بالله، إعادة ثقة الشعب بليرته، وحثهم على صرف العملة الصعبة المخزونة لديهم، قائلا ” إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني”. وأضاف (لهم دولارهم ولنا الله) في الواقع العملي، الخطابات النارية، وخاصة المعادية لأمريكا وأوروبا وقبلها لإسرائيل، قد تساعد على تهدئة الشعب، وتخلق لدى مؤيدي الحزب بعض الثقة، لكنها لن تنقذ الاقتصاد من أزمته…

يتبع…

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.