من الملاحظ أن هناك تفاهمات مستجدة بين بعض الدول ذات الشأن في الأزمة السورية ، تجلى ذلك بعد قمة هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في 16 شهر تموز 2018 ، وبدا ان اللقاء امتاز بالمصارحة التامة بين الجانبين ، ورغم اضفاء الغموض على القمة وعدم نشر النقاط بشكل مفصل إلا أن وسائل الإعلام المختلفة قد تناقلت بعضها وبعضها الآخر تجلى من خلال إجراءات التنفيذ ، حيث التأكيد على الحل السياسي السلمي للأزمة السورية من خلال القرارات الدولية ولاسيما القرار 2254 والقرارات ذات الصلة ومرجعية جنيف ومن ثم التركيز على إجلاء القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني ، أو وضع حد لها تحول دون المساس بأمن دول المنطقة وفي المقدمة منها أمن دولة إسرائيل بحسب ما هو وارد ..
وعليه يبدو أن الإجراءات العملية للطرفين ستأتي على مراحل متتالية ، وبعضها بالتزامن مع الترتيبات اللازمة لاستئناف الجهود والمساعي الدولية سواء المتعلقة منها بسلال ديمستورا الأربعة ( محاربة الإرهاب ، وضع دستور جديد للبلاد ، مسألة الحكم الانتقالي ، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ) وربما يتخللها فتح ملفات هامة وأبرزها ملف الأسرى والمعتقلين والمفقودين وغيرها من الملفات الأساسية ، ومع التأكيد على التوافق بين الجانبين في عموم القضايا الأساسية ، إلا أن الأمر لا يخلو من الصراع والتنافس بين الطرفين في معرض تنفيذ التوافق ، حيث روسيا تشد نحو تنفيذ خططها خدمة لمشروعها في الحل ولو على حساب الجانب الدولي ، بينما أمريكا تدفع باتجاه ما يخدم توجه التحالف الدولي وعبر الشرعية الدولية – بحسب زعمها – وهيئة الأمم المتحد ، هذا إلى جانب التدخلات الإقليمية وخصوصا تركيا وإيران وغيرهما ، أما النظام السوري فلا زال يمارس أساليب الترغيب والتهديد ، تارة بالوعيد لمن يعود من المهجرين إلى داخل البلاد وتارة بممارسة التهجير الداخلي وأخرى بشن حملات عسكرية وتصعيد التوتر في بعض المناطق ، كل ذلك بالتزامن مع تحريك أجندته الداخلية باتجاه ما اسماه الحوار أو المصالحة الداخلية سواء على الصعيد السوري أو على الصعيد الكردي والمكونات السورية الأخرى ، على أمل تحقيق توافق يوحي بالاستغناء عن الحلول السياسية الدولية أو لدعم التوجه الروسي ومشروعه في الحل السياسي للأزمة السورية ..
وعلى الجانب الإقليمي ، فإن إيران التي تعاني أشد الأزمات داخليا وخارجيا ، نتيجة الضغوط التي فرضها المجتمع ولاسيما الإدارة الأمريكية حيث العقوبات الاقتصادية من جديد ، ودعم المعارضة السياسية والمقاومة الإيرانية ودعم القوى السياسية والمكونات الداخلية المعارضة من كردية وأذربيجانية وأحوازية وغيرها ، هذا الى جانب استمرار الاضطرابات والقلاقل من مسيرات واعتصامات نتيجة الفقر الجماهيري المدقع ومؤشرات الوضع الاقتصادي تدل على تراجع الانتاج وتدني دخل الفرد وتزايد التضخم النقدي حيث وصل سعر صرف الريال عند مائة وعشرين ألف مقابل دولار أمريكي واحد ، ورغم كل هذه الأوضاع المزرية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، فلا تزال إيران تتعاطى بالتحدي مع الشأن الدولي ولا تتخلى عن تدخلاتها الإقليمية وخصوصا في شؤون كل من سوريا والعراق واليمن ، انها حقا تمارس الحماقة السياسية على حساب شعبها وعلى حساب تطورها وتقدمها ..
وتركيا هي الأخرى معدلات انتاجها تشير إلى التراجع الاقتصادي ، وسعر صرف الليرة التركية هو خمسة مقابل دولار أمريكي واحد بعد ما كانت تنافس الدولار في الأسواق المحلية ، ذلك بسبب تعرضها للعقوبات الاقتصادية وتدخلها العسكري في الشأن السوري وعدم استجابتها لحليفها الأمريكي رغم مساعي هذه الأخيرة وجهودها في التوصل إلى توافقات معها ليس على مستوى الأزمة السورية بل على صعيد الوضع السياسي بشكل عام وفي ترتيب الأوضاع الإقليمية من جديد عبر تنفيذ استراتيجيات من شأنها إنهاء الأزمات وإعادة الهيكلة الجغرافية على أسس ديمقراطية تمكن الشعوب من ممارسة حقها في تقرير مصيرها بنفسها ، وذلك بمكافحة الارهاب بكل اشكاله وممارساته ونشر ثقافة التسامح وبناء أسس العيش المشترك بين الشعوب ..
وفي العراق وكوردستان ، يشهد جنوب العراق حراكا جماهيريا حادا وخصوصا محافظة البصرة فالمظاهرات والاحتجاجات مستمرة منذ أمد وقد وصلت المطالب إلى حد الفيدرالية الى جانب أصوات تدعو الى الانفصال ، والعديد من القوى والفعاليات السياسية تقف إلى جانب هذه المطالب وتراها محقة بسبب الاهمال المتزايد للخدمات ومستلزمات العيش اللائقة بالإنسان ، وازدادت شدة هذا الحراك الاحتجاجي حيث ظهور طبقة فاسدة تمتلك الملايين بل المليارات من الدولارات وأخرى تحتار في تأمين لقمة عيشها ناهيك عن افتقارها لأبسط الخدمات من ماء وكهرباء وغيرهما ، وفي هذا السياق فقد تم مؤخرا تحويل عدد كبير من هؤلاء الفاسدين إلى القضاء لينالوا جزاءهم ، وكنتيجة لهذا الوضع المتأزم في العراق بالإضافة إلى قضايا خلافية عديدة فإن جهود الكتل البرلمانية تتعثر من أجل تشكيل حكومة ائتلاف وطني وبمستوى المرحلة وقادرة على حل مشاكل البلاد وحل قضايا الخلاف على أرضية التأسيس للعيش المشترك وفق قواعد دستور البلاد ..
وكوردستان ، تعيش مرحلة متقدمة حيث الاستقرار والهدوء وعودة المياه إلى مجاريها بعد تداعيات عملية الاستفتاء على استقلال كوردستان أو افتعال المشاكل بذريعتها ، فالمعابر والمطارات عادت إلى العمل والحركة التجارية ازدادت نشاطا وأصدقاء الشعب الكوردي ازدادوا تضامنا معه و البيشمركة الباسلة تزداد قوة وعنفوانا ، وتصريحات قادة الإقليم تشير إلى مستقبل زاهر قريب لكوردستان ، خاصة وأن الرئيس البارزاني يقول ما معناه : مخطئ من يظن أننا قد تخلينا عن مطلب استقلال كوردستان ، هذا القول هو تأكيد لصحة النهج وصحة المشروع القومي الكوردستاني وتأكيد على أن الاستفتاء غدا الحجر الأساس لاستقلال كوردستان ، ومن الجدير ذكره أن الإقليم يستعد لانتخاباته المزمع إجراؤها في نهاية شهر أيلول القادم وتأكيدات بعدم التأجيل قطعا ، ولئن كان هناك أصوات نشاذ هنا وهناك ، حيث اتضح أمرها في الانتخابات العراقية وسيتضح جلها في انتخابات إقليم كوردستان ، وعلى العموم التفاؤل هو الغالب على مستقبل كوردستان وشعبه ..
وعلى صعيد كوردستان سوريا ، اهم ما يشغل اهتمام شعبنا الكوردي وحركته السياسية هو وضع منطقة عفرين وما يعانيه الأهالي والمواطنين حتى الآن جراء الممارسات والاجراءات التعسفية التي يتعرضون إليها ، إذ لا تزال العراقيل والعقبات تعترض عودة أعداد من الأهالي إلى ديارهم وأملاكهم ، كما أن البعض الآخر تعرضت منازلهم للاحتلال عنوة وأموالهم وأملاكهم للسلب والنهب ، فضلا عن تعرض أعداد للاعتقال والتعذيب بعضهم قضى نحبه ، وخصوصا عبر سطوة ما اسموه لواء سلطان مراد ، الأمر الذي يقتضي اتخاذ تدابير أو رفع أصوات الاحتجاج لدى المجتمع الدولي ولدى منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لرعاية وضع الأهالي وحمايتهم من بطش قوى الظلام وجبروتها ..
من جانب آخر، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي ( p.y.d ) مازال يمارس القمع والاعتقال التعسفي بحق قيادات وكوادر المجلس الوطني الكوردي في سوريا وأحزابه السياسية ، مستهدفا سياسة المجلس في خدمة الشعب الكوردي وقضيته العادلة ، فهو يدعو أحيانا إلى وحدة الصف والموقف ويطلق دعوات لعقد مؤتمر وطني للحركة الكوردية وعمليا يمارس عكس ما يقول ويدعي ، حيث الاجراءات والسياسات القمعية كما اسلفنا ، فهو في سياسته يزداد تخبطا وخصوصا في الآونة الأخيرة قد تعصف به الحيرة بين خيارين ، إما الاستجابة للتحالف الدولي أو نحو تعزيز العلاقة مع النظام وعلى الأغلب هذا الخيار الأخير هو الأرجح لأنه لا يمتلك ناصية قراره حتى الآن ..
أما المجلس الوطني الكوردي في سوريا ، فلم يدخر أي وسع حتى الآن في نشاطاته على مختلف الأصعدة سواء على مستوى تعزيز العلاقة بين أحزاب المجلس ومكوناته أو النشاطات المطلوبة سياسيا وإعلاميا وفي التواصل والانفتاح على مختلف الأطراف السياسية الكوردية والعربية وعموم المعارضة الوطنية ، أو من خلال الائتلاف الوطني وقوى الثورة والمعارضة السورية ، أو من عبر تعزيز العلاقات الكوردستانية وتطويرها ، أو بتزايد جهود ومساعي لجنة العلاقات الخارجية وتواصلها المستمر مع الدول والأوساط السياسية الصديقة ، وسيظل المجلس مستمرا على هدي نهج الكوردايتي وفي خدمة المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود البارزاني ، وسيواصل نشاطاته حتى تحقيق أماني الشعب السوري في بناء سوريا دولة اتحادية ذات نظام ديمقراطي برلماني ويتمتع الشعب الكوردي إلى جانب المكونات الأخرى بكامل حقوقه وفق العهود والمواثيق الدولية ..
في 9 / 8 / 2018
المكتب السياسي
التعليقات مغلقة.