المجلس الوطني الكوردي في سوريا

حاجو آغا هفيركي في ضيافة إبراهيم محمود (الجزء الخامس ـ السلطة التقليدية)

178

الكاتب : فرمان بونجق
سأضع خلفي بعضا من صفحات الكتاب (دولة حاجو آغا الكردية) ، موضع النقاش، والتي تبحث على الأغلب في انتقال السلطة التقليدية من عائلة إلى عائلة، أو من أسرة إلى أسرة، ناهيك عن بعض الصراعات داخل الجسد الواحد، هذا إذا تجاوزنا صراعات القبائل المتجاورة للاستحواذ على مناطق نفوذ أوسع، لعلي أستطيع العودة إلى تلكم الصفحات لأنقل شذرات منها بين الحين والآخر، لأوظفها في سياق مما هو آت من النقاش، وفي مكانه ووقته المناسبين، وهذا يضعني وجها لوجه أمام ما يسطّره الباحث إبراهيم محمود ونقلا عن مارتن فان برونسن، ” لقد أصبحت النزعة القومية الكردية حركة جماهيرية خلال ستينات وأوائل سبعينات القرن العشرين، لا بسبب الدعاية القومية التي كان يبثها المثقفون، والتي شددت على الفكرة المجردة القائلة بوجود أمة كردية، بل بسبب النجاحات العسكرية السياسية التي أحرزها الملا مصطفى البارزاني … لقد كان ابن شيخ ديني، وكان يمتلك أسلوب الزعيم القبلي العظيم، كما عُرف في الأيام الخوالي، ومنحت بطولاته الأكراد شيئاً يفتخرون به… ولاحقا ، كان الآغوات يقدمون أنفسهم بصفتهم قوميين أو أبطالا يدافعون عن الإنسان المستضعف”.
مما تقدم، يظهر للعيان أن القبيلة وفي مقدمتها أو على رأسها العائلة أو الأسرة، يمكن أن تسجل حضورا تاريخيا، وعبر هذا الحضور، يمكنها أن تنتج خرقا تاريخياً أيضاً، ليمهد لظهور حالة تاريخية جديدة، باصطفافات غير معهودة، أو بمعنى أدقّ، تأليب التاريخ على نفسه، عبر كتابة نموذج جديد لهذا التاريخ ، على قاعدة محاربة التاريخ لنفسه، سعيا لتشكيل إفرازات وضعية محدثة، من شأنها أن يكرّس الدور القيادي وبالتالي السلطوي لتلك القبيلة أو العائلة، والتي يمكننا تسميتها بالسلطة التقليدية آنذاك ، وذلك استنادا إلى استمرارية هذه السلطة ردحا من الزمن. ومن الممكن والحالة هذه حدوث تغيير في وظيفة وأداء هذه السلطة عند حدوث منعطفات تاريخية مهمة، كما نوّه عنه برونسن في حالة تحقق النجاحات العسكرية السياسية للملا مصطفى البارزاني، وتاليا تقديم الآغوات أنفسهم بصفتهم قوميين، بل ربما أكثر من ذلك.
وقبيلة هفيركان، وآل حاجو آغا كسلطة تقليدية في جبال طور عابدين، ليست استثناء من مثل هذه الحالات، فقد قُدّر لها أن تخوض معارك شتى بالضد من بعض القبائل المتحالفة مع الدولة العثمانية، في ( سرختى ) في مرحلة ما، ولاحقا بالضد من قوات الاستعمار الفرنسي في ( بنختى ) ، وقد كانت وثائق وزارة الدفاع الفرنسية والتي ترجمها ونشرها د. خالد ولي عيسى، خير شاهد على تلكم المرحلة، ومن المؤسف أن الدولة التركية لم تفرج عن كافة الوثائق العثمانية حتى تاريخه، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالانتفاضات أو الثورات الكوردية، ولو تمّ ذلك يوماً ما، فإن هذه الوثائق سَتردّ وبوضوح على أولئك الذين يسعون إلى نفي الوجود الكوردي في الجزيرة وسواها من المناطق الكوردية، أو يحاولون تكريس مفهوم إعادة أصول الكورد إلى قبائل عربية، كأمثال الباحث محمد باروت وغيره، في الوقت الذي يؤكد إبراهيم محمود، أن العرب العاربة اندثرت، وما نجده من العرب في هذه الحقبة من التاريخ ليسوا إلاّ عرب معرّبة، أو عرب مستعربة*.
وبمراجعة فقرة من الكتاب، والموسومة بـ”لحظة غير مقدّرة في التاريخ”، نجد حقيقةَ أن هفيركان وآل حاجو آغا ليسوا استثناءً كما أسلفت، وعلى لسان برونسن نفسه وأقتبس منه” في العام 1896 اغتيل حاجو الثاني بتحريض من زعيم الدكشوريين جيمو ( جمو )، فانتقلت الزعامة إلى عليكى بطى وجلبي، وهما من فرع العائلة الأصغر عمراً، ورغم أنهما كانا على خلاف دائم بينهما، فإنهما جمعا جميع الأفخاذ تحت سيطرة عائلتيهما، فواصل عليكى، الشجاع، ذو الجاذبية الشعبية ، وبطل القرية الأسطوري، حرب عصابات ضد الحكومة لأكثر من عشرين سنة، وأقدم على قتل جيمو ( جمو ) بيديه هو انتقاما لمقتل عمه. وفي خلال الأيام المضطربة التي أعقبت هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استولى على بلدة ميديات ( مدياد ) وحاول أن يقيم حكومة مستقلة هناك. ويومذاك لم يكن مسيطرا على الغالبية العظمى من الهفيركانيين فحسب، بل على قبائل مجاورة أخرى أيضاً. وتطلع المسيحيون، الذين كانوا قد تعرضوا للقمع على يد الأتراك والقبائل الكردية الأخرى، إليه بصفته حاميهم، بل إن مقاتلين مسيحيين أشداء أسهموا في ازدياد نفوذه … إن أخا عليكي في السلاح المسيحي شمعون حنا هو موضوع العديد من الحكايات البطولية التي يرويها مسيحيو طور عابدين”.
أيُعقل أن تكون السنوات العشرين من المعارك التي خاضها عليكى بطى ضد الدولة العثمانية، وضد القبائل المتحالفة معها، والموالية لها، مخاضاً لظهور الشخصية الجدلية حاجو آغا هفيركي ودولته الكردية المزعومة؟. لجهة أن عليكى كان قد حاول تأسيس دولته المستقلة في مرحلة ما ، ليستلم فيما بعد زمام المبادرة والقيادة لتحالف هفيركان، لتتشكل إحدى أهم حلقات التاريخ الأسري، والتي كما نوّه عنها مؤلف الكتاب، وعن صانع مجدها، وسلطتها التاريخية، بأن الناس لايزالون يتحدثون عنه حتى هذه اللحظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ما قيل عن العرب البائدة والمعرّبة والمستعربة يأتي فقط ضمن سياق السرد التاريخي ليس إلاّ .

التعليقات مغلقة.