المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: هل كان للكورد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام الجزء “السابع عشر”..

126

هل كان للكورد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام

الجزء السابع عشر

 من أسباب فقدان آثارهم

 

يقول الكاتب دلور ميقري في مقالته (فجر الشعر الكوردي: بانوراما تاريخية) المنشور في موقع إيلاف بتاريخ 9 سبتمبر 2005م:

“2 – إشراق:

حينما يتعلق الحديث بالبدايات، فإن العديد من المثقفين الكورد لا يقبلون لأدبهم المدون تاريخاً يقل عن التاريخ الذي يسبق الهجرة المحمدية والميلاد المسيحي. ثمة قناعة هنا، بأن أشعار بير شلياري، المنظومة باللهجة الهورامانية تحت عنوان ” وصايا “، تعود إلى فترة سابقة لنزول الوحي القرآني. وفي مقدمته القيمة لملحمة ” ممي آلان ” الشعبية، ينقل لنا الباحث نور الدين ظاظا، رأي المستشرق الدانمركي كريستنسن، والذي يعتقد بأن هذه الملحمة كانت معروفة في ميديا القديمة خلال الألف الأولى قبل الميلاد.” هذا مقطع من إحدى الدراسات العديدة المتواضعة، بعد الكتاب القيم عن الأدب الكوردي قبل الإسلام للدكتور (عبد الرحمن آدق) وباللغة الكوردية، تحت عنوان (بداية الأدبيات الكوردية الكلاسيكية) والتي ترجم بعضها مشكورا الأخ الناقد والباحث القدير (إبراهيم محمود) والتي كتبنا فيها مقالة خاصة بعنوان هذه السلسلة، التي حاولت إلقاء الضوء على ماض ثقافي كوردي تم القضاء عليه لاعتبارات دينية أو قومية أو لجهالة بقيم الأدب المكتوب في بدايات الإسلام، أو ضاع بسبب الإهمال المتعمد على خلفية دينية -عرقية، وتحتاج إلى تنقيب واسع المجالات.

فجدليات التاريخ هذه، يتغاضى عنها العديد من الكتاب المسلمين ومؤرخيهم، ويتناسون أن للسلطات قدرة على إزالة صفحات منه وإضافة أخرى، وتحريف ما لا يتلاءم وأهواءهم أو التشهير بها بعد عرض بديل مفبرك له، والتاريخ العربي منذ بداية الإسلام مرورا بالخلفاء ومن ضمنهم العثمانيين إلى حيث السلطات العروبية بني على هذا النهج، علما أن الخاصية القبلية للعشائر العربية المتربية والمتعايشة على منطق الغزو والسبي والنهب، من السمات الطبيعية، وهي ليست بناقصة فيما إذا درست وعرضت بإشكالياتها، خاصة والبيئة الجغرافية كانت تفرض ذاتها، ويجب تبيانها بشفافية، لمعرفة ما ألت إليه الأثار الحضارية الغازية، والخلفيات المؤدية إلى غيابها عن جغرافيتنا حتى الأن، بل ولربما معرفة أسباب تتالي السلطات الاستبدادية على عالمنا من حينها وحتى اللحظة، بل الناقصة في عدم تمكن السلطات الإسلامية وفقهائها من تشذيب العادات القبلية الصحراوية، كما يدعى.

غطى عليها المؤرخون المسلمون من العرب وغيرهم، وتم التعتيم على السلبيات وعرضت الآفات التي رافقت الغزوات كنعم من الله لا حوار عليه، وأعتبر الطعن فيها كفر بالقدر الإلهي، وهذا ما أدى إلى: ضياع ثقافة حضارات، ونتاج علماء وأدباء وفلاسفة، وزوال مدن بمراكزها العلمية، وتشويه مفاهيم الديانات التي قامت عليها المجتمعات الحضارية، كالزرادشتية ديانة السلطة، والمانوية، والمزدكية التي كانت قد سادت على أغلبية المجتمع الساساني، وخلال عدة سنوات من الغزو إلى فيضان المدينة ومكة بالسبايا والأمات، والموالي، حتى أصبح قادة الحملات الإسلامية فيما بعد تأبى قبول السبي البشري، وتصر على جمع الأموال، وانتقلت فيما بعد إلى امتلاك البقاع، والعقارات، والأراضي، والمزارع، والسكن الحضاري في الديار المستولية عليها (مثلما حصلت عند احتلال الرقة والرها ونصيبين وبعض المدن المجاورة) واستقرت بعضها في تلك البقاع بعد لذة العيش ونعيم البيئة خارج شبه الجزيرة العربية، وهذه الأخيرة كانت من أحد الأسباب المحفزة على نقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى دمشق، والكوفة ومن ثم إلى بغداد.

وبالتمعن في الجغرافيات الغازية، نرى أن كوردستان وما يحاط بها كانت تحتل مركز الصدارة بمساحتها، ومعها تأتي جغرافية الأمازيغ والقبط، فعند الاستيلاء على المدن الكوردستانية، والتي يقال بأن بعضها دخلت الإسلام سلماً، كانت تفرض عليهم الدية والجباية، والضرائب عوضاً عن السبي، لأن أسواق النخاسة كانت قد امتلأت بالسبايا بل وفاضت، وقل الطلب عليهم، وأصبحت إعالتهم مكلفة ولم تعد تدر الأرباح كالسابق، وكمثال على ذلك يذكر كل من الطبري وأبن الأثير وياقوت الحموي والبلاذري وغيرهم من الذين كتبوا عن تلك الفترة، ومن المصادر والأحاديث المسترسلة عن تلك المرحلة، أن أعداد السبايا أو الأمة والموالي كانت تتجاوز أعداد أهل المدينة ومكة، حتى بلغ بالخليفة عمر بن الخطاب، أي بعد عقد فقط من بداية الغزو الخارجي، حظر دخول السبايا والأمات والموالي المدينتين، إلا بإذن، إلى جانب معاملة خاصة لهم رغم إسلامهم. وكمثال فقد كان في ملكية عبد الله بن زبير بن العوام وحده أكثر من ألف سبية وسبي، أو ما سموا لاحقا بالأمة والموالي بعد فرض الإسلام عليهم.

وبسبب تزايد الموالي بين العرب، ومعظمهم ورثة خلفيات حضارية، أبناء بيئة ثقافية متطورة، وبعد تشربهم لمفاهيم الدين الجديد، وتمكنهم من اللغة العربية اصبحوا يتصدرون مراكز الفقه الإسلامي في معظم الأمصار، فيقول ابن العماد الدمشقي في كتابه (شذرات الذهب) الجزء الأول الصفحة(97) الموسوعة الشاملة أن ” عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي فقيه مكة عطاء وفقيه اليمن طاووس وفقيه اليمامة يحي بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن البصري وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقيه خراسان عطاء الخراساني” ويتمم في (ص130) “وكان أسلم مولي عمر بن الخطاب فقيهاً معروفاً، وكان عكرمة الفقيه المشهور، مولى ابن عباس، ولما مات ابن عباس باع ابنه عكرمة لخالد بن يزيد بأربعة آلاف دينار … وكان ابن سيرين الفقيه البصري عبداً لأنس بن مالك، وكان من سبي بيسان. كاتب أنس على عشرين ألفاً وأدى المكاتبة ” وهؤلاء معظمهم أبناء طبقة ثقافية وأحفاد شريحة الأدباء وفلاسفة الحضارة الساسانية، فأين هي آثار أسلافهم؟

والمعضلة الجارية الأن، ليس الاعتراف بـ (الإشكالية التاريخية) والقيام بالبحث عن المفقود، بل الاستمرار في نفي النفي، والقناعة بعدمية الاحتمالات، وفرض المطلق في الأحكام، وهو ما تبنته السلطات العروبية منذ الثلاثينات من القرن الماضي وحتى اللحظة رغم سهولة تعرية فسادهم وفبركاتهم بعد ظهور الأنترنيت، ولهذه جندوا العشرات من الكتاب والمثقفين العروبيين وسخروا الإعلام للتغطية على بشائعهم،  ففاقموا في تحريف تاريخ شعوب المنطقة، وأضافوا تشويهات على التشويهات السابقة، لديمومة طغيانهم على الأمم التي تعربت أو عربت بالقوة، ودمرت ثقافتها، أو التي يودون تعريبها بعدما نالوا من ماضيهم قدر ما استطاعوا، كما يفعلونها بالكورد والأمازيغ والقبط الأن، وبلغ بهم الجرأة على نفي وجود ثقافة غير الثقافة العربية، ووجود شعراء غير الشعراء الجاهلية، وفلاسفة غير اليونانيين الذين لم تطالهم يد القبائل العربية الجاهلة، وتشويه مفاهيم الديانات الحضارية، والتي كانت تؤمن بالتوحيد قبل السماوية بقرون عديدة، ومنها تلفيقاتهم عن الديانة المزدكية وتشويههم لمفاهيمها على أنها كانت تدعوا إلى مشاعيه المرأة، وعتمت على روحانياتها، وفلسفتها حول ما وراء الطبيعة، وماهية الإله، وعناصر الكون والخليقة، وهي الديانة التي بلغت درجة كانت على وشك تقويض عرش الإمبراطورية الساسانية وحصر الزرادشتية، وبشكل سلمي في معظم مراحل صراعها مع الأديان الأخرى في المنطقة كالمانوية والزرادشتية والأزداهية القديمة، ولا يعقل أن تكون ديانة بهذه القوة والتوسع بين مجتمع حضاري، وحيث العلماء والمثقفين والفلاسفة، على السوية الفكرية الدونية المروجة حولها السلطات الإسلامية العربية الغازية، والتي لم تكن تفقه في الواقع ما يتحدث عنه كهنتها ويقال في معابدها، لاختلاف اللغة، وعدم معرفتهم القراءة والكتابة وخاصة ما كان مكتوبا في كتبهم، وكل ما نشر عنهم كان تحت منطق الزنادقة والتي استمرت حتى عصر الخليفة هارون الرشيد وتوقف عنها الخليفة المأمون المتربي في كنف البرامكة والمتقن للغة الديانة الزرادشتية والمزدكية وتوقف القتل تحت حجة الزنادقة.

  يتبع…

 

التعليقات مغلقة.